سايكس.. دبلوماسي قسّم العرب وقتلته الإنفلونزا

Mark Sykes - الموسوعة - مصدؤ الصورة ويكيبيديا - مصرح باستخدامها
مارك سايكس مستشار سياسي ودبلوماسي وعسكري ورحالة بريطاني، مثّل بلاده في محادثات سرية لاقتسام أراضي الإمبراطورية العثمانية في المشرق والأناضول مع فرنسا وروسيا، ووقع الاتفاقية المعروفة بـ"سايكس بيكو"، وكان له دور بارز في صنع "وعد بلفور". توفي عام 1919.
 
المولد والنشأة
ولد مارك سايكس يوم 16 مارس/آذار 1879 بالعاصمة لندن، لعائلة ثرية.

اشتهر بسفره المتواصل إلى منطقة الشرق الأوسط ومصر والمتوسط والهند ومنطقة الكاريبي والمكسيك وأميركا الشمالية.

الدراسة والتكوين
تلقَّى مارك سايكس تعليمه في موناكو الفرنسية بالمدرسة العيسوية، وسرعان ما غادرها في يوليو/تموز 1895 نحو بروكسل البلجيكية، حيث قضى عاما بمدرسة سان لويس. ثم انتقل بعدها إلى كمبردج عام 1897.

عُرف سايكس بإجادته لغات عديدة بينها العربية والتركية والفرنسية.

التجربة العسكرية والسياسية
خدم سايكس في حرب البوير بجنوب أفريقيا (1899-1902)، كما شغل منصب سكرتير شخصي للحاكم البريطاني لإيرلندا جورج ويندهام بين 1904 و1905.

انتخب سايكس في البرلمان عام 1912 نائبا عن حزب المحافظين.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، اختير سايكس لقيادة "The Green Howards"، وكان وقتها برتبة مقدم.

لم يكن سايكس من صناع القرار في حكومة التاج البريطاني، لكن آراءه كانت مهمة جدا بالنسبة للمسؤولين بالنظر إلى خبرته الكبيرة بالمنطقة، علما بأنه كان قد اختير ملحقا فخريا للسفارة البريطانية في إسطنبول.

وقد اشتغل سايكس مساعدا للّورد كيشنر وزير خارجية الحرب، كما عمل مستشارا للحكومة بشأن الشرق الأوسط، وبتحريض منه تم عام 1915 إنشاء المكتب العربي بمصر ليكون فرعا من جهاز الاستخبارات البريطاني مهمته ضبط الأنشطة السياسية في الشرق الأدنى.

صديقه الدبلوماسي هارولد نيكولسون سلط الضوء على بعض اقتناعاته بقوله إن وفاة سايكس خسارة كبيرة، وذلك لحماسه وإيمانه بأن تكون الحركة الصهيونية والوطنية العربية أهم نجاحات الحرب العالمية الأولى.

فقد انصب اهتمام سايكس على بحث سبل تفكيك الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسمى وقتها "الرجل المريض"، ابتداء بالسياسة والحرب وانتهاء بحرب المصطلحات حيث عمل على إحياء المسميات القديمة للمناطق الخاضعة للسلطنة العثمانية مثل "فلسطين" و"سوريا" و"العراق"، لترسيخ فكرة انفصالها واستقلاليتها وعدم خضوعها للعثمانيين.

اشتهر مارك سايكس بالاتفاقية التي تحمل اسمه واسم القنصل الفرنسي في بيروت ومستشار السفارة الفرنسية في لندن جورج بيكو، وهي الاتفاقية التي وقعت عام 1916، وقسّمت مناطق النفوذ بين بريطانيا وفرنسا في الشام وممتلكات العثمانيين في آسيا، ووضعت فلسطين تحت إشراف دولي تديره فرنسا وبريطانيا.

لكن مع ظهور مقترح ينصح الحكومة البريطانية بتبني المشروع الصهيوني، غيّر سايكس رؤيته ودفع باتجاه إنجاح مشروع الصهاينة في فلسطين حيث إن ذلك سيسمح بتجاوز الإدارة المشتركة للمنطقة مع فرنسا التي يقضي بها اتفاقه مع بيكو.

وقد هيأت هذه التغييرات الأجواء لإصدار وعد بلفور في عام 1917، وهو وعد اضطلع سايكس بدور بارز في بلورته.

وبحسب الدكتور الراحل عبد الوهاب المسيري في موسوعته اليهود واليهودية والصهيونية فإن سايكس كان يقسم اليهود إلى قسمين هما "اليهود المتأنجلزون أي المندمجون في هويتهم البريطانية ولا يحبون الهجرة منها"، وهؤلاء "كان سايكس يكن لهم احتقارا عميقا". أما القسم الثاني فهم العبرانيون الحقيقيون وهؤلاء هم من يتركون إنجلترا ليندمجوا في وطنهم القومي فلسطين بحسب زعمهم، وذلك حتى تفرّغ أوروبا من يهودها.

المؤلفات
أصدر سايكس في سن مبكرة عددا من الكتب، بينها كتابان في العلم العسكري، وثلاثة عن السلطنة العثمانية وبلاد المسلمين، وتناول فيها الجغرافيا السياسية للمنطقة، ومشاهداته أثناء أسفاره في آسيا الصغرى وبلاد المشرق بين عامي 1905 و1913.

ومن بينها "دار الإسلام"، و"رحلة في الولايات العثمانية الخمس"، و"ميراث الخلفاء الأخير: موجز تاريخ الإمبراطورية التركية".

الوفاة
توفي مارك سايكس في فندق بالعاصمة الفرنسية باريس يوم 16 فبراير/شباط 1919 خلال مفاوضات السلام في باريس، بعد إصابته بداء الإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة نحو خمسين مليون شخص في العالم خلال السنوات الأولى من القرن الماضي.

ونقل جثمانه داخل نعش من الرصاص حتى لا تنتقل العدوى إلى الآخرين، وهذا ما جعل المحكمة البريطانية عام 2007 تصدر حكما باستخراج نعش سايكس بموافقة أحفاده لأخذ عينات من الجثة، لاقتناعها بوجهة نظر العلماء في إمكانية دراسة الفيروس الذي قتل الملايين لمنع كوارث مشابهة في المستقبل، حيث رأى العلماء أن النعش الذي نقلت فيه جثة سايكس ربما حافظ على الفيروس حيا.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية