ستالينغراد.. معركة حاسمة بددت أحلام الرايخ الألماني

Military enthusiasts take part in a re-enactment of the World War II battle of Stalingrad at the "Stalin Line" memorial, near the village of Goroshki, Belarus, February 27, 2016. REUTERS/Vasily Fedosenko
مشهد تمثيلي لجانب من معركة ستالينغراد بمناسبة ذكراها عام 2016 (رويترز)

"ستالينغراد" إحدى المعارك الكبرى في التاريخ ونقطة تحول مفصلية في الحرب العالمية الثانية؛ دارت رحاها بين ألمانيا (وحلفائها من دول المحور) والاتحاد السوفياتي للسيطرة على مدينة ستالينغراد (تسمى اليوم فولغوغراد) السوفياتية بين صيف 1942 وفبراير/شباط 1943. انتهت المعركة باستسلام الجيش السادس الألماني، وشكَّلت بداية النهاية لتقدم ألمانيا في هذه الحرب.

السياق
في 22 يونيو/حزيران 1941 اجتاحت جيوش ألمانيا وحلفائها من دول المحور أراضي الاتحاد السوفياتي ضمن "عملية بربروسا" التي أنهت معاهدة السلام الألمانية/السوفيتية الموقعة في بداية الحرب العالمية الثانية.

فتحت الحملة جبهة الشرق ووسعت نطاق الحرب إلى خارج أوروبا الغربية، وبحكم إخضاع ألمانيا دول غرب القارة باستثناء بريطانيا، باتت الحرب البرية مقتصرة بالكامل تقريبا على هذه الجبهة التي تكبدت عليها ألمانيا 80% من خسائرها البشرية ما بين 1941 و1945.

تقدمت حملة قوات دول المحور بسرعة -يدفعها التفوق الهائل على المستوى العددي والتقني- إلى أن وصلت تخوم العاصمة موسكو ومدينة لينينغراد، لكن فصل الشتاء القاسي حد بشكلٍ كبير من القدرة القتالية لألمانيا وحلفائها.

وفي مرحلة لاحقة انصرف اهتمام أدولف هتلر إلى الجنوب الشرقي، فأمر بتركيز الحملة على السيطرة على حقول القمح في أوكرانيا وآبار النفط في القوقاز وبحر قزوين، وفي ضوء ذلك تبدل الهدف الرئيسي للحملة إلى مدينة ستالينغراد.

وقد رأى هتلر في ستالينغراد هدفا حيويا ذا رمزية مزدوجة؛ أيديولوجية لكون المدينة تحمل اسم عدوه اللدود ستالين، وإستراتيجية لأنها تُشكل نقطة التقاء جميع المحاور السككية الهامة في الاتحاد السوفياتي، وتوجد فيها قاعدة صناعية هامة وأهم ميناء نهري في البلاد، هذا فضلا عن كونها البوابة الوحيدة تقريبا لغزوِ القوقاز وبحر قزوين والسيطرة على آبار النفط الحيوية في تأمين احتياجات ألمانيا من البترول والغاز.

المعركة
أُسندت مهمة إخضاع ستالينغراد للجيشين الألمانيين الرابع والسادس، فتمكنا من بلوغ أطراف المدينة في 17 يوليو/تموز 1942. انتبهت القيادة العسكرية الألمانية إلى وجود نهرين في أطراف المدينة هما الفولغا والدون، فقررت جعلهما نقطتيْ ارتكاز لحماية أطرافها ونشرت قوات عليهما.

تصدت للقوات المتقدمة الفرقتان 72 و74 في الجيش الأحمر السوفياتي، وكان ميزان القوة مختلا بشدة لصالح الألمان، لكن المواجهة بدأت تأخذ شكل حرب شوارع مع تحصن السوفيات في المجمع الصناعي المطل على الفولغا شرقي المدينة.

ومع ذلك تمكنت القوات الألمانية من التقدم إلى أن حاصرت الفرقتين في أواسط أغسطس/آب عام 1942، لكن القيادة كانت مترددة في إطباق الحصار عليهما خوفا من إثارة مقاومة شرسة. تقدمت القوات الألمانية داخل المدينة إلى أن باتت تسيطر على 90% منها بحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني.

استطاع السوفيات الإعداد لهجوم مضاد، آخذين في الاعتبار قساوة فصل الشتاء والمصاعب التي سيجلبها للجنود الألمان وآلياتهم العسكرية غير المواتية للاستخدام في الطقس البارد جدا. ولم تتمكن المخابرات الألمانية من الحصول على معلومة واحدة عن الهجوم مما شكل إخفاقا إستراتيجياً باهظ الكلفة.

أطلق السوفيات هجومهم المضاد في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1942، وشكل الجيش الخامس -بقيادة الجنرال فاسيلي تشويكوف- رأس الحربة فيه.

قامت الخطة السوفياتية على رصد استخباراتي دقيق بيَّن أن أجنحة قوات المحور تتولاها قوات هنغارية ورومانية ضعيفة التدريب والعتاد، فتقرر شن الهجوم على جبهتين؛ شمالية (حيث الهنغاريون ومعهم الإيطاليون)، وجنوبية يتولى تأمينها الجيش الروماني.

تمكنت فلول الجيش الرابع الألماني من إحداث ثغرة في الجبهة الجنوبية فانسحب إلى أوكرانيا، في حين بقي الجيش السادس عالقا في ستالينغراد. وفي يوم 25 نوفمبر/تشرين، راسل قائده الجنرال فردريش فون باولوس القيادة العليا في برلين طالبا الانسحاب، فجاءه الرد بالمكوث في ستالينغراد مع وعد بإرسال تعزيزات على جناح السرعة.

أقامت القيادة الألمانية جسرا لإمداد الجيش المحاصر لكن العملية فشلت لعدم وجود عدد من المهابط الآمنة للطائرات يكفي لإيصال حاجة القوات المحاصرة. ثم حاول الجيش الرابع وقوات مستقدَمة من أوكرانيا فك الحصار عن المدينة، لكن هذه المساعي فشلت بسبب الإنهاك الشديد والنقص الحاد في الذخيرة الذي كانت تعانيه القوات المحاصَرة.

النتائج
انتشرت الأوبئة في صفوف الجنود الألمان لنقص التغذية الحاد الذي يعانونه في أجواء الشتاء القاسية. واقتضت تدابير التقشف -في آخر أسابيع الحصار- ألا تتجاوز حصة الجندي 200 غرام من الخبز والجبن والسكر في اليوم. وبات نحو 300 ألف عسكري مهددين بالموت جوعا، وكان السوفيات ماضين في هذا الاتجاه بلا رحمة ولا شفقة.

وفي 2 فبراير/شباط 1943، استسلم الجنرال فون باولوس و15 من مساعديه ومعهم 300 ألف عسكري، في مشهد هز الرايخ الألماني وأشعل جذوة الأمل في إمكانية هزيمة هتلر، لا سيما أن نصر ستالينغراد جاء مؤكدا لنصرٍ سبقه بأسابيع فقط في معركة العَلَمين بمصر على جبهة شمال أفريقيا. وهو نصر قال بعده رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل عبارته الشهيرة: "قبل العلمين كنا نصارع للبقاء، أما بعدها فأصبحنا ننتصر".

شكلت ستالينغراد ضربة موجعة لألمانيا واستنزفتها عسكريا؛ إذ من أصل 250 ألف جندي لم يبق على قيد الحياة عند الاستسلام إلا 91 ألفا نُقلوا أسرى إلى الاتحاد السوفياتي، ولم يبق منهم على قيد الحياة عند نهاية الحرب أكثر من 6000 فقط.

شكلت معركة ستالينغراد بداية تقهقر ألمانيا على الجبهة الشرقية فحرمها ذلك من المواد الأولية في البلدان المحتلة بشرقي أوروبا. ومهدت هزيمة ستالينغراد ومعها العلمين لإنزال الحلفاء في صقلية واليونان، لتدخل الحرب العالمية الثانية مرحلة جديدة بدت فيها هزيمة ألمانيا ودول المحور حتمية.

المصدر : الجزيرة