عملية أوبرا.. غارة إسرائيلية دمرت "مفاعل تموز" العراقي
"عملية أوبرا" ضربة جوية إسرائيلية استهدفت مفاعل "تموز1" النووي في العراق عام 1981، اشتركت فيها ثماني طائرات دمرت المفاعل تدميرا كاملا في أول هجوم ضد منشأة نووية بالعالم. وقد بررت إسرائيل هجومها بإحباط محاولة العراق استغلال هذا المفاعل لإنتاج أسلحة نووية يستخدمها ضدها.
جهود التأسيس
حاول العراق منذ ستينيات القرن العشرين الدخول رسميا في النادي النووي السلمي وربما العسكري عبر برنامج نووي طموح، استغل فيه -لا سيما منذ بداية السبعينيات- طاقات كتلة كبيرة من العلماء التقنيين كانت حصيلة عقود من التطور التكنولوجي والعلمي في البلاد، وخاصة مع اكتمال تأميم ثروته النفطية عام 1975.
فقد أسس العراق منظمة الطاقة الذرية العراقية التي تولت بناء مركز الأبحاث النووية، ومع نهاية الستينيات أكمل خبراء من الاتحاد السوفياتي عملهم في تشييد مفاعل للأبحاث النووية السلمية بقدرة 2 ميغاواط قرب منطقة الزعفرانية جنوبي بغداد.
وبلغ عدد العاملين في البرنامج النووي العراقي نحو 1500 شخص ما بين عالم ومهندس وتقني وإداري، وساهم فيه علماء كبار في مجال الذرة كان في طليعتهم العالم المصري يحيى المشد الذي يُعتقد أن الموساد الإسرائيلي اغتاله 1980 لدوره الكبير في هذا البرنامج الذي لم تعرقله شراسة الحرب العراقية الإيرانية.
وفي عام 1976 قام وفد من العلماء النوويين العراقيين برئاسة عبد الرزاق الهاشمي وعضوية جعفر ضياء وحسين الشهرستاني وهمام عبد الخالق، بزيارة فرنسا لإكمال ترتيبات استقدام مفاعلين نوويين أطلق عليهما اسميْ "تموز1" (يسمى أيضا "مفاعل أوزيراك" و"مشروع 17 تموز") بقدرة 40 ميغا واط، و"تموز2″ بقدرة 1/2 ميغا واط.
أقيم المفاعلان في منطقة التويثة (17 كلم جنوب بغداد) وبُني حولهما ساتر ترابي ضخم محمي بامتداد نحو 15 كلم مع ارتفاع 25م عن الأرض، وتمت تقويته بشباك حديدي وجُعل له نفقان سريان، وأجريت ترتيبات لحمايته في حالة حدوث فيضان مدمر.
كما تم إرسال فريق من العلماء والمهندسين لتدريبهم في مركز "ساكلاي" الفرنسي على تشغيل المفاعلين، وعُين المهندس العراقي مهدي غالي العبيدي رئيسا لفريق معني بعملية "الطرد المركزي" كخيار في برامج تخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية.
لكن الفرنسيين أدخلوا تبديلا مفاجئا في العمل يتعلق نوع الوقود النووي المنوي استعماله في المفاعلين، فبدلا من وقود نووي ذي قدرة عالية بحدود 80% استخدموا نوعا منه يسمى "الكراميل" وهو ذو قدرة لا تتجاوز 18%. وقد صمم الفرنسيون هذا النوع من الوقود حتى لا يكون بمقدور العراق استخدام الوقود الأصلي لإنتاج سلاح نووي.
عملية أوبرا
في عام 1981 أعيد انتخاب مناحيم بيغن رئيسا لحكومة إسرائيل فاتخذ قرارا بقصف المفاعل النووي العراقي، مبررا ذلك بأن "مفاعل تموز1" كان "على وشك أن يعمل" ولا بد من إحباط محاولة بغداد استخدام هذه المفاعلات لإنتاج أسلحة نووية تستخدم ضد بلاده، التي تمكنت من إنتاج نحو 200 قنبلة نووية من مفاعلها الفرنسي الأصل (مفاعل ديمونا) خلال ثلاثة عقود.
ويفيد قائد سلاح الجو الإسرائيلي خلال عملية قصف المفاعل العراقي الجنرال ديفد عبري بأن الحديث عن التهديد النووي العراقي بدأ 1976 لكن لم يُتخذ قرار إسرائيلي للتخلص منه إلا 1981، وذلك بعد استكمال معلومات أمنية واستخبارية وصلت من داخل العراق عن المفاعل والمراحل التكنولوجية التي وصل إليها، عبر تجنيد عملاء بعضهم خبراء أجانب عملوا في المفاعل العراقي.
وحسب فيلم وثاقي عرضه التلفزيون الإسرائيلي العام للمرة الأولى مساء يوم 18 أبريل/نيسان 2007 وتضمن صورا التقطها الطيران الإسرائيلي خلال الغارة التي شنت على المفاعل؛ فإن أجهزة المخابرات في الجيش الإسرائيلي هي التي أشرفت على تنفيذ هذه الغارة.
أطلِق على العملية بداية اسم "تلة الذخيرة" ثم غُير إلى "عملية أوبرا"، واتخِذت الاحتياطات اللازمة لتنفيذها بنجاح، ومن ذلك ضمان عدم وجود حاجة إلى التزود بالوقود في الجو، لأن الأميركان رفضوا في حينه منح الإسرائيليين هذه الميزة التي نالوها بعد ذلك عام 1982.
وأفاد الفيلم بأن الجيش الإسرائيلي استخدم في الغارة ثماني طائرات من طراز "أف 16" أميركية الصنع كانت واشنطن تنوي تسليمها لشاه إيران رضا بهلوي، ولكن بعد الثورة الإيرانية بزعامة الخميني أعطتها لإسرائيل، وكان من المفترض ألا تتسلمها إلا في عام 1982.
وكشف الفيلم كيف تدربت مجموعة الطيارين الثمانية منذ وقت طويل وبسرية متناهية على التحليق على علو منخفض خصوصا فوق قبرص والبحر الأحمر. وقد أخِذت جميع المخاطر في الاعتبار خلال الغارة على المفاعل، وخاصة ما يتعلق بالأعطال واحتياطي المحروقات والنيران الأرضية المضادة والأخطاء الملاحية.
وبالإجمال فقد شارك 230 شخصا في هذه العملية، وحث رئيس الأركان الإسرائيلي حينها الجنرال رافاييل إيتان -الذي كان يخشى حصول تسريب لأخبار العملية- رئيس الوزراء بيغن على إعطاء الأمر للبدء في التنفيذ، ثم خاطب الطيارين المكلفين بالهجوم قائلا: "إذا وقعتم في الأسر فقولوا كل ما تعرفونه.. أنتم تعتقدون أنكم تعرفون الكثير ولكنكم لا تعرفون شيئا".
وفي يوم 7 يونيو/حزيران 1981 وقبل يوم واحد من افتتاح المفاعل رسميا من قبل الفرنسيين؛ أقلعت الطائرات الثماني من إيلات على البحر الأحمر وحلقت على علو منخفض فوق صحراء السعودية والعراق كي لا يتم رصدها.
وحين صارت الطائرات فوق موقع المفاعل العراقي الرئيسي "تموز1" ألقت عليه القنبلة الأولى التي كانت بزنة 900 كلغ، ومرت 50 ثانية قبل إلقاء بقية القنابل مما أدى إلى انهيار المفاعل بالكامل. أما مفاعل "تموز2" فلم يتعرض للقصف لكونه منشأة صغيرة تستخدم مفاعلا تجريبيا للمفاعل الكبير.
أثارت العملية -التي وُصفت بأنها أول هجوم ضد منشأة نووية بالعالم والأكثر خطورة في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي- انتقادات دولية حادة صدر بعضها من الحكومة الأميركية وحتى من المعارضة الإسرائيلية، لكونها كانت ستؤدي إلى كارثة بشرية وبيئية كبيرة لو أن المفاعل كان قد تم تزويده فعلا بالوقود النووي.
وفي 19 يونيو/حزيران -أي بعد نحو أسبوعين من الغارة التي قتِل خلالها تقني فرنسي- تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراره رقم 487 الذي تضمن "إدانة قوية للهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل"، ونص على حق العراق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار البشرية والمادية التي أصابت مفاعله، مؤكدا أنه كان مخصصا للأغراض السلمية فقط.
وفي 5 ديسمبر/كانون الأول 2005 دعا بنيامين نتنياهو -الذي كان حينها مرشحا للانتخابات التشريعية- إلى هجوم جوي إسرائيلي على منشآت البرنامج النووي الإيراني شبيه بالغارة التي شُنت على المفاعل العراقي، وهو ما عاد للتلويح به يوم 14 مارس/آذار 2012 قائلا إن سلفه بيغن نفذ تلك الغارة "رغم معرفته المسبقة بالانتقادات الأميركية والأوروبية".
ويرى الخبراء أن المفاعل النووي العراقي لم يكن معدا لصناعة القنابل النووية، وكان يخضع لتفتيش دوري منتظم من تقنيين فرنسيين ومن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.