"رسائل من اليرموك" وثائقي عن الوطن والمنفى بالمخيم

الملوك الثلاثة في مخيم اليرموك
"الملوك الثلاثة" في مخيم اليرموك (الجزيرة)

توفيق عابد-عمّان

يسلط الفيلم الوثائقي "رسائل من اليرموك" لمخرجه الفلسطيني رشيد مشهراوي الأضواء على مأساة سكان المخيم الواقع قرب العاصمة السورية دمشق، الذين باتوا فريسة للقتل والحصار والتجويع.

وعلى مدى 59 دقيقة، نقلت الكاميرا عبر تقنية "سكايب" تفاصيل الحياة اليومية في المخيم، الذي يعد أكبر مخيم فلسطيني في الشتات، لم يبق منهم سوى عشرين ألفا، جراء الحصار الذي يفرضه النظام السوري والانشقاقات الفلسطينية داخل المخيم وخارجه.

وينقل الفيلم -الذي عرضته "الهيئة الملكية الأردنية للأفلام" مساء الاثنين- صورة حية للوضع الإنساني وسلوك المواطنين تحت الحصار والقصف الذي لا يُعرف مصدره، لكن مجريات الأحداث تشير إلى مسؤولية الجيش السوري.

‪موسيقى رغم الحصار والجوع‬  (الجزيرة)
‪موسيقى رغم الحصار والجوع‬  (الجزيرة)

توثيق
ويوثق الفيلم الأحداث داخل المخيم، وينقل مشاهد لشباب يبحثون عن الطعام في النفايات، وآخرين يتضورون جوعا، وعجائز يتبادلن لقمة الخبز، وثلاثة أطفال حليقي الرؤوس "الملوك الثلاثة"، كما يطلق عليهم سكان المخيم جراء إصابتهم بمرض جلدي غريب، لم تفلح الجهود في نقلهم لتلقي العلاج.

ويتحدث عن طوابير "الشوربة" التي تحتوي الماء والبهارات يتناولها الناس حتى لا يموتوا جوعا، أو تصاب المعدة بالتعفن. ووفق الفيلم، فإن البهارات تسبب مشاكل في المخ على المدى البعيد، "نترحم على الماء والدواء والسهر على السطوح وتربية الحمام".
 
وعبر "سكايب"، يسجل الشاب نيراز -أحد سكان المخيم- بكاميرته نشاطات فنية لصديقه أيهم وسط الجوع والدمار، حيث يعزف على البيانو. ووسط الحصار والوجع الإنساني تتفجر عاطفة إنسانية كتعبير عن الحياة واستمراريتها بقصة حب بين الشابة لميس التي استطاعت الهجرة إلى ألمانياوتنتظر رفع الحصار لتعود للمخيم، وبين نيراز الذي ما زال صامدا رغم مقتل شقيقه محمد برصاصة قناص.

 

‪مشهراوي أبقى سؤال ما العمل دون إجابة‬ (الجزيرة)
‪مشهراوي أبقى سؤال ما العمل دون إجابة‬ (الجزيرة)

إشارات سياسية
وتشير الأسئلة والتعليقات الواردة في الفيلم إلى الكثير من الإسقاطات السياسية، كإشارته إلى اتفاقيات تحييد المخيم عن الصراع السوري التي لا تنفذ، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، كما يشير إلى تضامن سكان المخيم مع إخوانهم في غزة أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير من خلال تنظيم تظاهرات تحت شعار "شعب واحد.. مصير واحد".

ويقارن الفيلم بين حياة سكان المخيم وحياة إخوانهم في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، ففي المخيم أطفال يجمعون حبات الأرز من الأرض لسد جوعهم، بينما الناس في عاصمة السلطة الفلسطينية المؤقتة يسهرون في المقاهي والمطاعم.

ويوجه الفيلم سؤالا محددا عن بلدانهم الأصلية في فلسطين، ويقدم لهم صورا حية وجديدة عن قراهم التي هجّروا منها، فمثلا سأل نيراز فأجاب أنه من قرية عولا قرب طبريا، ليبين الفيلم أنها تعرضت لتطهير عرقي من عصابات صهيون، كما طرح السؤال ذاته على لميس المهجرة من قرية نحف قضاء عكا، وخاطبها بعد جولة للكاميرا في شوارعها بالقول "إنها أجمل من أي مدينة ألمانية، في مسعى لإعادة ربطهم بالوطن الأم.

‪لقطة من الفيلم‬ (الجزيرة)
‪لقطة من الفيلم‬ (الجزيرة)

وأبقى مخرج الفيلم رشيد مشهراوي سؤالا مفاده: ما العمل؟  دون إجابة، متهما النظام السوري، ومعربا عن خيبة أمله من تعامل السلطة الفلسطينية مع مأساة المخيم. ووفق ما أعلنه مشهراوي، فإن الفيلم سيعرض في قاعة الأمم المتحدة في جنيف في 27 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني.

وخاطب الجمهور قائلا إن الفيلم يعرض رسالة صمود وثبات شباب المخيم الذين يعانون من حرب ليسوا طرفا فيها، موجها نقدا لاذعا للأحزاب والنظام السوري، وقال "بعض الفصائل الفلسطينية تحاصر المخيم وتمنع الناس من الخروج"، لكنه لم يذكرها مباشرة.

وأضاف "نحن مع الحياة والسينما نسعى لتغيير ملموس على الأرض والتركيز على حالات إنسانية وتقديم أمل وتفاؤل للمحرومين والمهمشين وعشاق الحياة".

يذكر أن الفيلم عرض في مهرجان دبي السينمائي العام الماضي، وعرضت صوره في متحف الشاعر الراحل محمود درويش في رام الله.

المصدر : الجزيرة