بنصف فدان فقط.. ملاك تتربع على عرش القمح بالسودان

ملاك قدمت إنجازا جديدا للمرأة السودانية التي أصبحت بعد الثورة إحدى أيقونات التميز (الجزيرة)

بزي أصفر فاقع لونه، يختفي توهجه وسط البهجة التي تشع بها عيناها، صورة تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي في السودان، للمزارعة ملاك سعيد عبد الحفيظ، جسدها هزيل مثل أغلب نساء قارة أفريقيا، ووجهها الأسمر، زادا جلوسها هيبة، فوق أجولة القمح التي تم حصادها للتو. 12 جوال قمح ثمرة الحصاد السنوي الأول لما زرعته ملاك من نصف الفدان الذي أقدمت على زراعته لأول مرة في حياتها، فنالتها بركة البدايات.

أوقات عصيبة

في ولاية حفير مشو الشمالية، تعيش المواطنة الأربعينية التي حملت نصيبا كبيرا من اسمها، ومثلها مثل آلاف السودانيات، عانت ملاك من الفقر وعدم الاهتمام بالتعليم فتزوجت صغيرة وأنجبت أربع بنات وولدا وحيدا، ثم رحل الزوج وتركها وحيدة في مواجهة العالم بيد تعول خمسة أبناء واليد الأخرى تبني أفران الخبز لأهل الولاية في الصباح، وبعد الظهيرة تبيع أقراص الطعمية الساخنة (الفلافل) في أرغفة من الخبز المنزلي.

وما بين صلابة حجر الفرن، وطراوة أقراص الطعمية، مرت الحياة بملاك وأبنائها حتى تزوجت كبرى بناتها، ثم عادت إليها بعد سنوات قليلة مطلقة ومعها طفلان لتزيد من معاناة ملاك وصعوبة الحياة.

إعلان

نصف فدان، كل ما استطاعت ملاك أن تدخر للأيام، وكان سبيلها الوحيد للهروب من نيران الفقر، كما حالها دوما. لم تطلب من أحد أن يمد لها يد العون والمساعدة، وتكفلت وحدها بزراعة النصف فدان، قلمت الأرض واشترت بذور القمح، وسألت جيران أرضها عن مواعيد البذر والسقاية، تعلمت كل شيء، ثم شمرت ذراعيها وبدأت العمل.

على مدار موسم كامل، قررت أن تخصص أرضها لزراعة القمح رغم أن الجميع توقع أنها سوف تزرع أنواعا مختلفة من الخضراوات ثم تبيعها في السوق. لكن ملاك كانت على عكس الجميع، فهي أبدا لا تبحث عن الأشياء السهلة، فاختارت القمح، ليس فقط لصعوبته ولكن أيضا لقيمة سعره الذي سيعوضها عن أيام التعب. ومع كل المعاناة التي مرت بها وحيدة تحت لفحة شمس السودان، جاءتها النتيجة بما لم تكن تتوقعه لتصبح بين يوم وليلة حديث الشارع ومواقع التواصل السودانية.

رواد مواقع التواصل احتفوا بما حققته ملاك من إنجاز وحدها دون دعم من أحد (الجزيرة)

ملكة على عرش القمح

تقول ملاك للجزيرة نت، بصوت خفيض، ومخارج حروف أربكها الاحتفاء الإعلامي بها، إنها لم تكن تتوقع هذه الضجة التي حدثت بعد أن بارك الله في محصولها لتصل إنتاجية النصف فدان إلى 12 جوالا من القمح، رغم أن الفدان السوداني في العادة تصل إنتاجيته لحوالي سبعة إلى ثمانية أجولة، ولكن ما حققته هذه المواطنة بمفردها كان تميزا جديدا للمرأة السودانية التي تحولت بعد الثورة إلى أيقونة من أيقونات التميز وسط الثورات العربية. تحكي ملاك عن الصورة التي تجلس فيها فوق أجولة القمح، فخورة بما صنعت، أنها لم تكن تفكر يوما في كل هذا، وكل ما كانت تفكر به هو فقط توفير حياة كريمة وطعام نظيف لأبنائها وأحفادها.

إعلان

أحلام صغيرة

لا تمتلك ملاك هاتفا ذكيا يمكنها من التواصل مع العالم الخارجي، لذا يقوم شقيقها بالمهمة فينقل لها أخبارها التي تداولتها وكالات العالم والتكريمات التي وعدتها بها الحكومة والأوصاف التي وصفتها إياها سيدات العمل المجتمعي. لكن ملاك لم تهتم لكل هذا، وهي تخبر الجزيرة نت أن أجولة القمح لا تزال في الشونة لم يتم بيعها، ولم تعرض الحكومة عليها شراءها بسعر مناسب، مضيفة "أنا لا أنتظر تكريما، وكل ما أريده أن تصلح الحكومة بيتي المتهدم قبل موسم الأمطار".

عبر مواقع التواصل السودانية، قدم العديد من المغردين دعمهم لملاك، بشكرها وتحيتها على مجهودها الفائق، وإثباتها أن السودانية قادرة على تحقيق المستحيل، لكنهم أيضا حذروها من التعامل مع سماسرة القمح كي لا تخسر مجهودها ومحصولها للموسم الزراعي القادم. وتنوي ملاك زراعة البامية والملوخية والبطاطس، وفي وقت زراعة القمح ستعاود التجربة مرة أخرى وهي أشد بأسا وأكثر إصرارا على أن تستمر في ريادتها لمزارعي القمح حتى وإن كانت لا تملك سوى نصف فدان.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي