تزوجيه ثوري سيدتي!

كلّما تقدمت "الفتاة" في العمر تُصبح القضايا التي تعتنقها (سواء الفكرية أو الحياتية) بالنسبة لها مغرية أكثر. تكتسبُ معاني ودلالات لم تكن تفهمها قبل المراهقة. تكبر الأنثى في مجتمعنا العربي لتعيش الحياة وفق ما تُمليه علينا العادات والتقاليد الصارمة نسبيا، وأي تجاوز بسيط لبعض القواعد يعتبره المجتمع "لا أخلاقي" رغم أن التمرد وفق معايير محترمة ليس جريمة. إن الأنثى تسعى دائمًا وراء الإطناب والمعرفة لتتخلّص من الجهل والعُقد التي عاشت معها في كلل مكان ابتداءا من المنزل إلى الشارع، لتفهم العالم جيدا وتعرف عُمق وجودها فيه. وتتطلّع إلى نقطة معينة أكثر إغراء معرفي وفكري من أجل فرصة مهمة في عمل ما. فأغلب الإناث تحبذن التطلّع لمستقبل مشرف وصاعد، فمنا لا تحب البرمجة والتبعية المعتادة التي جبلت عليها منذ الطفولة. فكسر الأنثى وانغلاقها على نفسها قد يسبب انفجار نفسي عميق جدا يأدي إلى دفن أحلامها.

لقد خلقت الأنثى لتكون نصف الحياة، الشريان الحقيقي لهذا العالم، بخجلها وأخلاقها وثبوتها لا كما يروج من قبل العنصريين أنها لا تصلح لشيء غير المنزل ورغم ذلك هنالك إناث يصنعن مستقبل زاهر ورائدات للعالم أكثر من الرجل نفسه. إن الأنثى الحالمة والطموحة، المثقفة والتي تعرف ما تريد، أنثى تعتنق التمرد وتسعى وراء كسب المعرفة وتجاوزات عادات وتقاليد كُبلت بها لأن المجتمع يراها "زوجة وأم" لا غير. فضولنا يدفعنا للبحث الدائم عن أنفسنا وعن ذواتنا، بحثٌ متواصل لدرجة التقديس وإثبات وجودنا في الحياة التي نملك منها نصيبا كبيرا.

أنتِ التي تخلُقين من المعاناة فرحة وتكتُبين بدم أفكارك تاريخًا مشرف لتبقى أفكارك بصمة كتب عنها التاريخ وتجاوزتي بها حدود الجغرافيا
إعلان

تعشق الأنثى فن المغامرة وفق معايير الحياة التي لا نستطيع تجاوز خطوطها الحمراء، فالنشأة الأولى والأخيرة التي نعتز بها هي نشأة "عربية" وجب احترامها من أجل احترم أنفسنا وأخلاقنا التي جُبلنا عليها. لذلك حين يأتي وقت الزواج يا امرأة تزوجيه "ثوري"، ذلك الرجل المناضل، الذي يسعى لتغيير الواقع المر. لا تنظري إلى مكانته المادية فلا بأس أن يكون ميسور الحال فقير، لا تنظري إلى مدى جماله بل لعمقه وما يحمله فكره فهو صدقيني مكسب عظيم لكِ. تزوجيه ثوري لأن العالم في يديه وبين أفكاره العميقة جدا، ذاك الذي يقول "لا"، ذاك الذي خلق ليحتج. ستعيشين معه أجمل قصة حب متمردة وتدخلين معه قلب الرواية، لن يجمعكم سوى السعادة رغم ألم الحياة.

إن حياتكم ستكون عبارة على فكرٌ لفكر وحياة من أجل الوطن. إن المناضل الكادح يا سيدتي إذا أحب الوطن تأكدي أنه سيخلص لكِ دوما. لن تملي التحديق به أبدا، لأن شعلته التي تكمن في داخله تولّد فيكِ أنت الشغف نحو تحقيق جميع أحلامك، فالشغف عدوى جميلة جدا. سيحتوي روحك ويحمي قلبك كأنك طفلة صغيرة في كنف أبيها ولن يفكر يوما في تركك أو العبث بمشاعرك النبيلة. ستكونين الملكة والقصيدة التي يتذكرها كلما احتج، المؤنسة في المنفى والحاضرة في الخيال والقلب أبدا الدهر. سيكتب فيك أجمل القصائد ويهديك أجمل العبارات التي نقشت من الحقيقة وخصّها بكِ أنتِ لا غير. سيحترم جميع قراراتك ويفهم عمق جموحكِ المتواصل نحو السعي وراء كسب حياتك التي تحلمين بها خارج تلك الحدود الضّيقة التي كنتِ تتعايشين معها رغم بؤسها.

أنتِ التي كنت دائما استثناء، تبحثين عن البساطة ونبل المشاعر، عن رجل تجدين فيه الوطن والحياة والإخلاص لتكملي حياتك كامرأة سعيدة. أنتِ التي تخلُقين من المعاناة فرحة وتكتُبين بدم أفكارك تاريخًا مشرف لتبقى أفكارك بصمة كتب عنها التاريخ وتجاوزتي بها حدود الجغرافيا. أنتِ التي تحبنين الموت بين زخات الرصاص، من أجل المظلومين، تزوجيه ثوري يرى فيكِ روائع الدنيا ويخاف الله فيك أنتي يا امرأة. لن تندمي أبدا في زواجك هذا الغير تقليدي الذي شبع المجتمع به وازداد به اختناق وعدم اكتمال بل قطيعة بين من تزوجوا بطريقة تقليدية صرف. فبين التعرية والتحريض وبين القسوة والسعادة وبين الوعي بالتاريخ الذي جمعكم من أجل قضية ما كان هدفكم واحد "تمرد على الباطل" من أجل "الحق والحرية."

إعلان
إن الحب مع رجل ثوري له طعم ذو مذاق خاص، ذاك السياسي والأديب وحتى الشاعر المخضرم الذي يجعلكِ تحسين أن العالم بين يديك، لك أنت لوحدك

سيجمعكم " الميدان" و "الشعارات" وليالي تغيير العالم وأغاني الحب الجميل بين إنت عمري كان قلبكم ينبض شغفا. ما أجمل أن تجمعكم "شهادة" من أجل الوطن. حتى تلك الدموع التي تنزل عند الحنين لها فنها الخاص بينكم، فرغم الرعب الذي سيتربص بكم سيكون هو الجندي الوحيد الذي يدفع حياته من أجلك أنتِ يا امرأة. سيهديكِ حياته وخوفه وقلبه الصاخب بحب صادق جوهري وتهديه بيت يملئه الحب والراحة والكثير من الإخلاص. إن الحب يا امرأة عتق من النار والظلم، عتق من الباطل والكره إنه العتق من الرذيلة والأوهام. إن الحب لغة توحد الجميع، توحد الفقير ولا تقصيه، توحد جمال الروح وبالحب نقترب من الله. إن الحب يا سيدتي ثوري، كالنار في الهشيم لغتنا التي ندافع عنها من أجل نبذ الرذيلة وصنع الفضيلة، هو من يوحد إنسانيتنا به يستطيع المرء اعتناق السماء وبه تنتهي الحرب ويزول الظلم ويعود المناضل إلى حضن أمه. به نتكلم بحرية ونقول الصدق وندخل به الجنة.

يا سيدتي تزوجيه ثوري لتتنفس الحرية لتكوني امرأة ليست عادية يليق بها الأبيض، محلقة بأفكارها عنان السماء، فحين يجتمع الفكر مع الفكر يخلق القوة والطهارة وعدم الاستسلام، يخلق العشق الكبير والاحترام والتفاهم. معه لن تكوني مجرد فكرة بل الرصاصة الصلبة والسيف الحاد التي يصوبها نحو جلاده. أنتِ يا امرأة انطوى في قلبك الجميل العالم الأكبر تستحقين أن تكوني الملكة والأم وكل الحياة. بالحب يصنعُ الإنسان العجائب وبه أيضًا نقترب من الإنسانية. ننسى أننا نريدُ المادة ولغة البرجوازية بل نختبأ بين أضلع العقل والإحساس أننا مهمين فوق الأرض. تزوجيه ثوري أو لا لكن اعلم أيتها الأنثى أن الزواج مقدّس ولا يقبل الخضوع، بل الزواج شيء صافي كالثلج يجمعنا لا يفرقنا، يقلصنا لواحد لا لإثنين. تزوجيه ثوري من أجل الواقع والوعي مع رجل يفهم جيدا عمق العلاقات ويسعى هو الآخر ليترك بصمة.

دائمًا ما ننصاع تحت قرارات الأهل حول مفهوم الزواج، لكن القرار الصائب أن نتزوج حين نفهم أننا بحاجة إلى طرف يحمل نصف الكمال وكل "الوفاء"، ذاك الذي يريد الزواج من القلب والروح قبل الجسد، ذاك الذي يغامرُ معنا لا يسجننا وستكونين وسط جنة الراحة والجمال. إن الحب مع رجل ثوري له طعم ذو مذاق خاص، ذاك السياسي والأديب وحتى الشاعر المخضرم الذي يجعلكِ تحسين أن العالم بين يديك، لك أنت لوحدك. بالحب يولد الإنسان، وبالعقل نعتنق ديانة الوطن و حين نفهم الإنسانية وجب أن نناضل من أجلها ولذلك كان الحب دائما وسيبقى لصيق الشغف مادام في قلب الإنسان ثورة وحين يكون في قلب المرء ثورة كان حبنا عميق والزواج من هذا الثوري أعمق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان