هل حكوماتنا سبب تخلفنا أم نحن؟!

في أوروبا القارة العجوز، معظم الدول هي دول من العالم الأول، تطورها يمس جميع الجوانب سياسيا بوجود أنظمة حاكمة عادلة تحفظ حقوق رعاياها، اقتصاديا بصناعة وإنتاج يحققان الاكتفاء الذاتي ويسمح لها بتصدير منتجاتها نحو دول العالم، واجتماعيا بوجود شعب مثقف واعي ومسؤول غالبا رغم بعض الاستثناءات. ورغم قلة طاقاتها الشبابية إلا أنها تعوض هذا النقص بشباب العالم الثالث الذي يخدمها ويساهم في تطورها.

أما بالنسبة لدول العالم الثالث التي تشمل جميع الدول العربية دون استثناء، فالأمر مختلف تماما: دول أغلب حكوماتها مستبدة، ورغم أن أغلب شعبها من الشباب إلا أنها تعاني من مشاكل في جميع الميادين، فسياسيا أغلب الأنظمة العربية ثابتة لا تتغير رغم الانتخابات التي تقام كل أربع أو خمس سنوات، ناهيك عن الأنظمة الملكية التي تورث حكمها لأبنائها، عندنا قد تجد نظاما يحكم لأربعين سنة رغم كونه نظاما جمهوريا ديموقراطيا، حكومات تعاني الشيخوخة ولا مكان للمعارضين فيها، فإذا ما عارضت ستجد نفسك بين جدران غرفة السجن، أنظمة سياساتها فاشلة وتابعة سياسيا لدول العالم الأول. أما شعوبها فهي تعاني البطالة والتهميش والفقر والتخلف… إلخ رغم طاقاتها الشبابية العظيمة.

أعلم أنك سئمت هذه الديباجة القديمة وسمعتها كثيرا في الشارع والمدرسة، في حصة الجغرافيا حتى بات الموضوع ممل. لكن لنركز قليلا حول أمرين مهمين "الشباب والسياسة" لماذا يخاف الشباب الانتفاضة؟! لماذا يخشى الشباب السياسة ويتجنبها؟! لماذا يعارض ويسب حكوماته في مواقع التواصل الاجتماعي ويغيب ويختفي في الساحات والواقع؟! ستجيبني على هذه الأسئلة وتقول أن الشباب حاول وقام ب "ربيع عربي" ولم يتغير شيئا، وستقول أن الدمار حل بسبب ديكتاتورية الحكومات وتصديها العنيق للمسيرات السلمية؛ سأقول نعم حصل كل هذا ولا أنكر معاناة شعب بسبب نظام ظالم، لكن ربما لم يتغير الوضع وزاد سوءا لأن الشباب اكتفى بالمطالب واللافتات واستسلم في نهاية الأمر ومنهم من فضل الموت فداء لفكرة ناقصة لم تكتمل بوجوده داخلها: فكرة سياسة جديدة يكون هو قائدها.

إعلان

أن تكون سياسة ناجحة يعني أن يكون نظاما (يفضل أن يكون "شابا") يخدم الشعب، بل ويخشى ألا يؤدي مهمته بنجاح لأنه يعلم أن شعبه واع ومثقف ولن يسمح بالخطأ

الآن اللوم في تخلفنا لا يقع على حكوماتنا العجوز التي هرمت ولم تمت ولم تورث الحكم لغيرها فقط، إنما اللوم أيضا على شعب يكرس تخلفه كل يوم بتصرفات يخالها حرية شخصية لكنها تقييد جماعي للبلد كله، ألم تفكر وأن مارا بالطريق أن تميط أذى وقعت عينيك عليه وقد يعرقل كفيفا أو يشوه منظرا ما؟! ألم تفكر قبل أن ترمي قمامتك من زجاج السيارة أن القمامة ليس مكانها حافة الطريق السريع وأن هناك أماكن مخصصة؟! ألم ينتبك الفضول حول كتاب رأيته في مكتبة والدك؟! هل قرأت كتب تاريخ وكتبا علمية وكتب فقه وكتب سيرة وتفسير؟! وأنت تحمل هاتفك مثلا، هل فتحت تطبيق يوتيوب وشاهدت وثائقيا واحدا كل يوم حول موضوع مهم؟! وأنت في الجامعة، كم مرة دخلت المكتبة وبحثت عن كتب حول تخصصك وقرأت فيها؟! هل قلدت الغرب في اختراع وفكرة كما قلدته في ثياب وتسريحة شعر؟! هل فكرت في تغيير محيطك ومجتمعك بدل أن تفكر في الهجرة غير الشرعية؟! أم تسير على مبدأ "عامل نظافة في الغرب أحسن من طبيب في بلدي"؟!

إعلان

تبدو أمورا سطحية وستقول حتما ما شأن هذا كله بالتطور وما ذنب شعب في استبداد الحكومات وظلمها؟! حسنا ألم أذكر سالفا أن التطور يشمل السياسة ويشمل المجتمع والشعب أيضا؟! أن تكون سياسة ناجحة يعني أن يكون نظاما (يفضل أن يكون "شابا") يخدم الشعب، بل ويخشى ألا يؤدي مهمته بنجاح لأنه يعلم أن شعبه واع ومثقف ولن يسمح بالخطأ. أن يكون شعبا متطورا يعني أن يكون شعبا مثقفا يعرف ماله وما عليه وله مبادئ صحيحة وثابتة في تعاملاته وفكره وأقواله وتصرفاته.

هل نملك نحن أيا من هذه الأشياء لنكون شعوبا ودولا قوية؟! ستقول شعوب العالم الأول فيها من الأشياء ما هو سيء، وسأقول لماذا لا نصنع الاستثناء نحن بكوننا شعوبا مثالية تنبثق منها حكومات مثالية؟! ربما تبدو لك الفكرة بعيدة ومثيرة للسخرية، ولا استبعد هذا الاحتمال لأن كثرنا لا يعرف سوى السخرية والانتقاد؛ لكن أوقع هذه الفكرة على ذاتك وضع احتمالاتك ثم اعمل عليها. حينها ربما نكون شعوبا تستحق الريادة. حينها سيكون لك الحق الكامل والحرية الكاملة في انتقاد خطأ من نظام الحكم، حينها تكون الحرية دون ضرائب وثمن وفداء لأنك حينها ستكون أنت من صنعتها وشكلتها كما تريد أنت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.