هل تشن إسرائيل عدواناً على لبنان؟

الموضوع الأكثر تداولاً في لبنان:
هل هناك ضربة عسكرية إسرائيلية وشيكة على لبنان؟
بادئ ذي بدء، فإن العدو الإسرائيلي لا يشن عدوانا على لبنان إلا عند وجود مسوغ لذلك. حصلت عملية "عناقيد الغضب" ١٩٩٦ بعد قنبلة أسفرت عن مقتل مدنيين إسرائيليين، حرب تموز ٢٠٠٦ بعد عميلة خطف لجنود إسرائيليين، إجتياح لبنان ١٩٨٢ بعد محاولة إغتيال السفير الإسرائيلي في بريطانيا. الأخيرة يُعتقد أنها فبركة إسرائيلية استُخدِمت كذريعة لشن الإجتياح. الخلاصة، أن العدو الإسرائيلي سينتظر ذريعة لشن عدوان جديد على لبنان، لن يقدمها "حزب الله" له على طبق من فضة، لقناعته التامة أنها في غير صالحه.

ما هو الهدف من العدوان؟
الإعلام الإسرائيلي ينقل تخوف الطبقة السياسية والعسكرية من حصول "حزب الله" على أسلحة إستراتيجية كيميائية من سوريا. لهذا السبب نسمع عن قصف ممنهج على مواقع يُعتقد أنها مركز تخزين لهذه الأسلحة، آخره الذي وقع في مطار دمشق البارحة. نذكر تصريح سياسي إيراني "المضحك" عن تدمير إسرائيل في مدة لا تتعدى ٨ دقائق، هي رسالة للعدو الإسرائيلي أن "حزب الله" يمتلك سلاح استراتيجي يستطيع الوصول إلى مراكز إسرائيلية حيوية في غضون دقائق.

إعلان
في حال إقدام العدو الإسرائيلي على شن عملية واسعة ضد "حزب الله"، فإنه لن يتوقف عند إبرام إتفاقية كتلك التي أبرمها بعد حرب تموز بانسحاب قوات الجانبين من جنوب لبنان وتسليم الحدود لقوات اليونيفيل للحفاظ على السلام (قرار مجلس الأمن ١٧٠١)، بل سيعمل على حل دائم وإعادة الهيبة لجيشه الذي كسرها "حزب الله" في حربه الأخيرة. الهدف من العدوان سيكون أبعد من التخلص من الأسلحة الإستراتيجية، وفرصة لترتيب المنطقة من جديد.

العدو الإسرائيلي يرى في "حزب الله" اليوم حجر عثرة أمام وصول "المجاهدين الإسلاميين"، ويتطلع إلى الحرب في سوريا كمعركة إستنزاف طويلة للطرفين.
إعلان

هل لـ"حزب الله" مصلحة في خوض حرب جديدة ضد العدو الإسرائيلي؟ قطعاً لا، لعدة أسباب:
١- خوفاً من نقمة شعبية، خاصة مسيحية، بتوريط لبنان في حرب لا يريدها. ولا مال خليجي أو مؤتمر دولي ينقذ لبنان وبنيته التحتية من الحالة التي سيصل إليها بعد حرب مدمرة.
٢- خوفاً من خسارة حليفه الرئيس عون الذي يتطلع لإنقاذ لبنان من الحالة الإقتصادية المزرية وليثبت نظرية أن لبنان عندما يحكمه رئيس مسيحي قوي سيصبح قوياً.
٣- عدم قدرته على فتح جبهتين، إحداها في سوريا يعتبرها أولوية لإنقاذ النظام السوري.

هل يريد "حزب الله" من عدوان إسرائيلي محتمل ذريعة للإنسحاب من سوريا؟
قطعاً لا، ما قاله يوماً "نصر الله" أنه في حال إضطراره للذهاب إلى سوريا كآخر جندي للدفاع عن النظام السوري فسيفعل، وهو صادق في هذا القول تحديداً. مسألة الدفاع عن النظام في سوريا هو طوق النجاة لمشروع إيران في المنطقة، ودونه سيسقط ملالي طهران. فمسألة انسحاب "حزب الله" من سوريا قبل إتمام المهمة هو ضرب من الخيال. "حزب الله" يستطيع الإستغناء عن الجنوب اللبناني مقابل حماية النظام السوري من السقوط.

في حال وجود المسوغ لشن العدوان الإسرائيلي، ما هي حدود الضربة؟
كل التهديدات التي أطلقها الرئيس عون اتجاه العدو الإسرائيلي لا قيمة لها سوى "عنتريات" أو لإثبات وجود، ولكنها تصريحات مسؤولة؛ أضف أيضاً التصريح الأخير لوزير الدفاع اللبناني يعقوب الصراف "أنا ملتزم خط حزب الله"؛ ومن الجهة المقابلة صرّح عميد في الجيش الإسرائيلي "الرئيس اللبناني يلغي التمييز بين الدولة التي تبدو كأنها سيادية وحزب الله، وبذلك يتحمل المسؤولية عن جميع عمليات حزب الله، وبضمنها عمليات ضد إسرائيل". حدود العدوان الإسرائيلي لن تكون محصورة بقواعد "حزب الله" أو التجمعات السكانية التي تحتضنه أو الطرقات والجسور؛ إنما تشمل مؤسسات حكومية وربما مراكز وثكنات للجيش اللبناني حسب التهديدات الإسرائيلية الأخيرة التي حذرت لبنان بإعادته إلى العصور الوسطى.

كانت إسرائيل ترى في إيران حليفا تكتيكيا، غير مباشر لإحداث توازن قوى بين العدوين إيران والعراق، تحت مسمى المبدأ المحيطي، ولكن الحلف انهار فور سقوط نظام صدام حسين.

ما الذي تغير من المنظور الإسرائيلي بعد الثورة السورية؟
العدو الإسرائيلي يرى في "حزب الله" اليوم حجر عثرة أمام وصول "المجاهدين الإسلاميين"، ويتطلع إلى الحرب في سوريا كمعركة استنزاف طويلة للطرفين. لكنه في الوقت نفسه، يقيس الأمور بمنظاره دون التطلع لأراء عواصم القرار، فإذا رأى في امتلاك "حزب الله" سلاح إستراتيجي يمكن أن يغير معادلة القوة، لا يمكن لأحد أن يوقفه من تنفيذ مهامه بحفاظ أمن حدوده، وبالتالي شن عدوان سيكون أقوى بمراحل من عدوان حرب تموز ٢٠٠٦. العدو الإسرائيلي سينظر إلى الحرب المقبلة كمحطة لاستبدال "حزب الله" المشاغب بالجيش اللبناني بعد ترميمه في وجود الرئيس عون الذي تربطه وثيقة إتفاق مع القطب المسيحي الآخر سمير جعجع تحت عنوان "عودة المسيحيين إلى الدولة". العدو الإسرائيلي سيحاول إستغلال هذا الأمر لتوجيه ضربة قاضية وقاصمة ل"حزب الله"، واستبداله بالجيش اللبناني لحماية حدوده الشمالية.

ما هو موقف إيران من الضربة إن حصلت؟
إيران كالعادة ستكون في موقف المتفرج لأنها لن تقوى على مواجهة يريدها الرئيس الأميركي ترامب في أقرب فرصة. الولايات المتحدة تنتظر تعثر إيران، وإدانتها في دعمها لميليشيات غير نظامية، ومحاولة زعزعة أمن المنطقة بشكل يخرج عن السيطرة، لتطلق عملية تأديبية تتمناها الدول الخليجية، لتحد من محاولة هيمنتها على المنطقة. إيران تدرك ذلك، ولهذا السبب ستقف موقف المتفرج، والداعم تحت الطاولة.

إعلان

ما هو موقف روسيا إن حصلت المواجهة؟
لا شك أن هناك مصالح مشتركة بين روسيا والعدو الإسرائيلي، وأهمها محاربة "الإرهاب" المتمثل في أغلب الفصائل الإسلامية المعارضة للنظام السوري حسب تصنيف الجانبين، لكن هذا لا يمنع من خشية إسرائيل وصول قوات إيرانية وبناء قواعد لها بموافقة روسية على مقربة من حدودها! قبل الغزو الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣، كانت إسرائيل ترى في إيران حليفا تكتيكيا، غير مباشر، لإحداث توازن قوى بين العدوين إيران والعراق، تحت مسمى "المبدأ المحيطي"، ولكن الحلف انهار فور سقوط نظام صدام حسين، وعودة الصراع الإستراتيجي بينهما، ووصول إيران إلى سوريا يعدّ تخطي للحدود الحمراء عند إسرائيل. في جميع الأحوال، والأقرب إلى المنطق، أن روسيا ستقف متفرجة في حال حصرت إسرائيل عدوانها في لبنان، خوفاً من خروج الأمر عن السيطرة وحدوث صِدام لا أحد يتوقع نهايته وحدوده، وربما يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة يحاول الجميع تجنبها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان