كيف يستثمر الأهل أيام رمضان في زرع قيم الخير بنفوس الصغار؟

قراءة القصص الدينية التي تحتوي على رسائل هادفة تعدل سلوك الأطفال وتقوم شخصياتهم (غيتي)

عمان- رمضان فرصة ذهبية لتعزيز قيم الخير في نفوس الأطفال، وما أن يهل الشهر الفضيل ويمسك الصائمون عن الطعام ترق النفوس، ويتجلى التعاطف مع الآخرين عبر قيم العطاء للمحتاجين والصبر على مجاهدة النفس للتغلب على الشهوات المتنوعة وبناء سلوك يومي يتوافق مع طبيعة الشهر الفضيل.

الجزيرة نت رصدت عدة قصص عائلية تشاركية لتجارب عملية تظهر كيفية قضاء اليوم ومحورها الإحسان والتطوع، بدءا من الاهتمام برعاية كبار السن، وحتى الإطعام خلال الشهر الفضيل، إلى أفكار مبتكرة هدفها زرع قيم الخير لدى الطفل.

6 أيام الصيام فرصة حقيقية لتعليم أبناءنا قيم دينا الاسلامي الحنيف (بيكسلز)
تخصيص حصالة في شهر رمضان ووضعها أمام الصغار لجمع المال ثم توزيعه على الفقراء (بيكسلز)

"حصالة رمضان"

وعن دور الوالدين في استثمار الشهر الفضيل في زرع هذه القيم، تقول أم شريف إنها وزوجها يحرصان على تخصيص حصالة في البيت قبيل أيام من حلول رمضان، وتضعها أمام نظر صغارها ليتم جمع المال، ومن ثم توزيعه على الفقراء.

وتضيف "كما اعتاد أبنائي توزيع التمر والماء على الصائمين في المسجد قبل موعد الإفطار، ولكن توقفت هذه الأعمال في العامين الماضيين جراء وباء كورونا والحظر، وعادت هذا العام والحمد الله".

أيام الصيام فرصة حقيقية لتعليم أبنائنا قيم ديننا الإسلامي الحنيف (غيتي)

طرود الخير

ويحرص الخمسيني أبو علاء على مشاركة أطفاله الثلاثة في توزيع طرود الخير على الفقراء، مما يدخل السرور على قلوبهم.

ويقول "عندما يشارك الأطفال في عملية شراء الطرود وتغليفها ونقلها، فإن هذه الأجواء تغرس القيم النبيلة في نفوسهم وتصقلها من جديد، لتتهذب النفوس ويشع الأمل في قلب كل صائم مهما كانت حاله".

ويضيف أنه في "نهاية الشهر يتوج العيد الفرحة بإتمام الشهر والاستمرار في العطاء والخير اللذين غُرسا في رمضان، لتنعكس جمالية القيم الكثيرة والمتناقلة بين كل أفراد المجتمع".

2 الأخصائية والمستشارة الإجتماعية د. فاديا ابراهيم- (الجزيرة)
فاديا إبراهيم: رمضان فرصة حقيقية لتحقيق معنى التكافل الاجتماعي في المجتمع (الجزيرة)

تقوية الروابط الاجتماعية

تؤكد الاختصاصية والمستشارة الاجتماعية الدكتورة فاديا إبراهيم أن شهر رمضان "فرصة حقيقية لتحقيق معنى التكافل الاجتماعي في المجتمع، لما يحمله من قيم الشعور والإحساس بالآخرين والسعي خلال هذا الشهر الفضيل لمساعدة المحتاجين، ويقوي الروابط الاجتماعية عن طريق العبادات الجماعية، مثل التراويح، ومن خلال اجتماع الأقارب ودعوتهم على موائد الإفطار".

وتبين أنه حتى على مستوى الأسرة فإنها تجتمع على مائدة الإفطار جميعها وتقوى الروابط بينهم، فلا وقت تجلس فيه الأسرة مع بعضها البعض بألفة ومحبة أكثر من شهر رمضان المبارك.

كما أن الجانب الروحاني يكون في أعلى وأفضل مراحله في هذا الشهر الفضيل من خلال العبادات -وفق فاديا- فهو سكينة للروح وطمأنينة للنفس، وبه يقوم السلوك الاجتماعي للأفراد عبر الابتعاد عن المحرمات والسلوك السلبي والتوجه نحو النواحي الإيجابية، كل هذا يعيشه أطفالنا خلال شهر رمضان المبارك.

3 رمضان شهر خير تعزز فيه القيم الجمالية النفسية عند الأطفال (بيكسلز)
رمضان شهر خير تعزز فيه القيم الجمالية النفسية عند الأطفال ومساعدة كبار السن (بيكسلز)

الصدقة ومساعدة الآخرين

وتشير المستشارة الاجتماعية إلى أن "رمضان فرصة حقيقية لتعليم أبنائنا قيم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي جاء بمكارم الأخلاق والمحبة والتسامح ومساعدة الآخرين وشعور المسلم بأخيه المسلم، فيجب على كل عائلة أن تستغل هذا الشهر الفضيل لتعليم الأطفال العبادات من صوم وصلاة وقراءة القرآن الكريم، وتعليمهم فعل الخير من خلال الصدقة ومساعدة الآخرين".

إلى جانب إشراكهم في الأعمال التطوعية مثل توزيع الماء والتمر، واصطحابهم إلى المساجد، وتعليمهم أهمية احترام هذا المكان المقدس من خلال الانضباط.

كما تشدد على ضرورة أن يستغل الآباء والأمهات هذا الشهر الفضيل لتقويم بعض الأعمال السلبية عند أطفالهم، واستبدالها بسلوك حميد استنادا إلى أن القيام ببعض التصرفات والأفعال غير جائز في هذا الشهر الفضيل، ويكون ذلك بشرح بعض القصص والمواعظ الدينية بأسلوب لطيف يتناسب مع أعمار أبنائنا.

وتنوه إلى أنه يمكننا قراءة القصص الدينية لأطفالنا، وعرض الأفلام الهادفة التي تحتوي على رسائل حميدة، فقد تُعدل وتقوم شخصيتهم. ويجب أن ينتبه الآباء والأمهات لفكرة القدوة خلال الشهر الفضيل بتقويم سلوك الأطفال والمبادرة بالأعمال الاجتماعية الجيدة ليتعلم منهم الأبناء.

5 رمضان فرصة لتعديل بعض السلوكيات السلبية عند أطفالهم (بيكسلز)
شهر رمضان فرصة لتعديل السلوك السلبي عند الأطفال وتعليمهم الصبر وتحمل الجوع والعطش (بيكسلز)

قيم تربوية

الاختصاصي التربوي والأسري عايش نوايسة يقول "إن شهر رمضان الذي فرض فيه الصيام شهر تربوي، إذ لا معنى للإمساك عن الطعام والشراب من الفجر إلى غروب الشمس من دون تدريب النفس وتنمية القيم الذاتية الفردية والجماعية؛ فالصوم رسالة تربوية تهدف إلى تعويد الناس على الصبر والتحمل".

وهنا يمكن تربية الأطفال على عادة الصبر وتحمل الجوع والعطش، وعكسها كنموذج تربوي يقارن فيه الأطفال بين وضعهم، وما يعانيه الأطفال في المناطق الأخرى من الفقر والجوع الشديد، وهنا تكمن القيمة التربوية بحمد الله وشكره والمحافظة على النعم وعدم الإسراف فيها وتبذيرها، وفق نوايسة.

ويبين نوايسة أن "رمضان فرصة لتعزيز القيم الاجتماعية عند الأطفال، ويعبر عنها باهتمام الأطفال بتكوين علاقة اجتماعية مع غيره من الأطفال كمحبتهم ومساعدتهم وصداقتهم، والتعاون معهم في أعمال الخير في المساجد، ومساعدة الجمعيات في توزيع المياه والمساعدات وغيرها".

بالإضافة إلى تعويدهم على التواصل الاجتماعي الفعال مع أقرانهم في الحي، وتشجيعهم حتى على ممارسة الألعاب الشعبية الجماعية في رمضان.

1 الاختصاصي التربوي والأسري الدكتور عايش نوايسة- (الجزيرة)
عايش نوايسة: رمضان ينمي القيم الاقتصادية عند الأطفال مثل عدم الإسراف والتبذير (الجزيرة)

تنمية القيم الاقتصادية

ويشير نوايسة إلى أن "الشهر الفضيل له دور في تنمية القيم الاقتصادية عند الأطفال، ومنها عدم الإسراف والتبذير، والتكافل الاقتصادي مع الآخرين ذوي الحاجة من خلال طرح أفكار تتعلق بسلوك التبرع مثلاً بالمصروف أو الحصالة أو المشاركة في جمعية هدفها مساعدة الأسر الفقيرة، وكذلك تعويد الأطفال على ضبط مصروفهم وفق حاجاتهم الملحة".

ويضيف أن رمضان شهر خير تعزز فيه القيم الجمالية النفسية عند الأطفال من خلال التمعن في ماهية الصيام والغاية منه وانعكاسه على تهذيب الروح والسمو بها بعيدًا عن التفكير في شكلية الحياة الدنيوية.

ويتابع "الصيام يعزز القيم الفردية أو الشخصية، ويعبر عنها باهتمام الأطفال ببعض الخصال والسمات التي يعجب بها، وتتعلق بالشخصية أثناء الصيام وجوانبها المختلفة المتعلقة بحب الآخرين ومساعدتهم والبعد عن المشاحنات وغيرها".

المصدر : الجزيرة