ربيعة الناصر: قراءة القصص "كنز تربوي" للطفل وعلى الآباء المواظبة عليها

ربيعة الناصر: الأطفال هم الملهم الأول لكتابة القصص (مواقع التواصل)

عمان – عبر رحلة ماتعة مغلفة بالتشويق والخبرة الواسعة في تأليف قصص الأطفال وقراءتها، تأخذنا الحكواتية خبيرة مكتبات الأطفال ربيعة الناصر (75 عاما) إلى عالم الطفولة، وتذكرنا بأن القصص "كنز تربوي" في صقل شخصية الطفل وإعدادها. فهل ما زال هناك آباء يواظبون على قراءة قصص الأطفال لأبنائهم؟

دور قراءة القصص في تعزيز العلاقة بين المربّين والطفل، إلى جانب دور القصة الكبير في التشويق وإثارة الخيال، وأيضا فتح الآفاق أمامه بعيدا عن الأجهزة الإلكترونية.. والعديد من فنون وأدوات قراءة قصص الأطفال، تطلعنا على كل ذلك ربيعة الناصر في حوارها مع الجزيرة نت.

الحكواتية الناصر تؤكد أن القراءة خير عادة لتنشئة أطفالنا (مواقع التواصل)

القراءة تعلم ذاتي

تقول الناصر "بداية، القراءة عادة تنشأ مع الطفل، فالأطفال الذين نشؤوا بين أبوين كلاهما أو أحدهما مهتم باقتناء الكتب والقراءة، حتما ستؤثر تلك العادة في السلوك والاتجاهات البناءة والإيجابية، ومنها شغف البحث والاطلاع والقراءة". وتضيف أن المشاركة في قراءة القصص بالطبع نشاط عدا عن أهميته في اكتساب المعرفة، فهو يمنح الطرفين "الأهل والابن" متعة معرفة لا يدركها إلا من عاشها.

وتؤكد الناصر أن القراءة خير عادة لتنشئة أطفالنا، "إنها تعلم ذاتي-تربية ذاتية، جميع المعارف موجودة في الكتب، ودوما أقول لو كنت صاحبة قرار لجعلت المكتبة هي المدرسة التي تزود الناشئة بالعلم والأدب وشتى صنوف المعرفة بما فيها الفنون".

 

القصة تفتح باب الحوار

قراءة الأهل القصص لأطفالهم، لا تعزز العلاقة فقط، بل تمنح الكبير فهما جديدا لمرحلة الطفولة، باحتياجاتها وتحدياتها وهمومها، لأن إحدى وظائف قراءة قصص الأطفال التعرف على خصائصها، وأهميتها في بناء الشخصية، والنمو النفسي والاجتماعي والعاطفي، وفق ما تقول الناصر.

وتضيف أن القراءة كما تساعد في تعزيز مهارات التفكير وحل المشكلات لكلا الطرفين، أقول دائما "تفيد كلا الطرفين، وذلك عن تجربة عملية مع أطفالي ومع طلبتي، القصة تساعدنا في فتح باب الحوار حول المواضيع الشائكة".

 

بماذا ننشغل؟

الانشغال بالأجهزة لا يقتصر على الصغار، فالكبار أيضا منشغلون بها، هم يشتكون من أن أطفالهم لا يصغون لهم، لكنهم أيضا مشغولون بأجهزتهم، الفرق أو السؤال هو: بماذا ننشغل؟

الناصر التي تنتمي لجيل محظوظ اكتسب كل أدوات المعرفة من فك الحرف إلى فك شيفرة التكنولوجيا، تقول "أنا من جيل اكتسب أولى معارفه من مصادرها الأصيلة، الكتاب والمعاجم والموسوعات (غوغل زمان-كما تسميها الناصر) والصحف والمجلات والمذياع والبيئة فقط، حتى التلفاز لم يظهر في حياتنا إلا بعد اجتيازنا الثانوية العامة".

لم تتلق الناصر أي دورة في استخدام الحاسوب بل تعلمت مهاراته من إحدى طالباتها في الصف العاشر، وكانت في نهاية خدمتها بالتعليم في المدارس.

وخلال أسبوع اكتسبت الناصر معرفة ومهارة في اكتشاف مزيد من خدمات هذه الشبكة، كيف؟ ولماذا؟، تقول "لأننا اكتشفنا أدوات المعرفة بالتدرج من ألفها إلى يائها، أصبحنا نملك مفاتيح أكثر، فعلى سبيل المثال، عند البحث عن المعلومة لا يستغرق الأمر معي سوى دقائق، لأننا تدربنا على صياغة أسئلتنا بممارسة القراءة الدائمة".

هذه التجربة رسالة من الناصر للأهل والمربين؛ تقول "لو أننا فقط نقرأ القصص لأطفالنا منذ الولادة حتى سن الثامنة، ستكتشفون فيما بعد أنهم في الغالب سيحسنون اختيار ما يشاهدون أو يقرؤون".

ربيعة الناصر فازت بجائزة الحوار الأورومتوسطي لعام 2013 التابعة لمؤسسة أنا ليند لحوار الثقافات (مواقع التواصل)

التكنولوجيا خير رديف للتربية إذا أردنا

وتنوه الناصر إلى أن دور الأهل يبقى مسؤولية إنسانية وتربوية واجتماعية، "لأن الأبوة والأمومة لا يجوز أن يُتركا كيفما اتفق، فالمستجدات التكنولوجية أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية المعاصرة؛ اقتحمت تفاصيل حياتنا، ولا نستطيع أن ننكر دورها في تطوير تفكير الناشئة، ويمكن أن تكون خير رديف للتربية إذا أردنا، بالمتابعة، أي متابعة كل ما يستجد ومتابعة أطفالنا".

وتبيّن أن هنالك مواقع جادة تنشر المفيد والممتع من أدب الطفل باللغة العربية واللغة الإنجليزية، "طبعا ما زال المحتوى العربي أقل بكثير من غيره، لكن هناك مدارس -مع الأسف معظمها خاصة وليست حكومية- اعتمدت برنامج قراءات قصصية لطلبتها عدا عن اهتمام تلك المدارس بتطوير مكتباتها بما يتناسب وروح العصر".

الحكواتية ربيعة الناصر في إحدى دورات أمينات المكتبات (مواقع التواصل)

كيف نجذب الطفل للقراءة؟

تقول الناصر "بالأصل أنا شخص نشأ مع الكتاب، شغفي الأول والأخير القراءة، وصادف أن اشتغلت بالتعليم، ومع دور الأمومة اتسعت دائرة قراءاتي. وبشكل تلقائي وظّفت هذه القراءات في تطوير علاقتي مع أولادي وطلبتي، وبعد سنوات في التعليم الصفي أصبحت المكتبة المدرسية سواء في مدرسة حكومية أو خاصة فضاء اتسع لكل ما يخطر على بالي من أنشطة ثقافية وفنية لدعم عملية التعلم".

 

وعملت الناصر فيما بعد على تأسيس مكتبات للناشئة تتضمن أركانا لممارسة الأنشطة الفنية المختلفة من تدوين ورسم وموسيقى ومسرح، فضلا عن إعادة تأهيل عدد من المكتبات العامة.

ولم تتوقف اهتمامات الناصر عند المكتبات، فالكتابة كانت دوما ملاذها، كتبت في بعض الصحف والمجلات المقالة والقصة القصيرة، وعملت معدّة لعدد من الأفلام الوثائقية، لكن ميدانها المفضل ظل المكتبات وأدب الطفل، كما أنها بصدد إصدار مجموعة كتب قريبا.

وكي نجذب الطفل للقراءة علينا توفير الكتب والأوراق والألوان في متناول يدي الطفل، ليتسنى له القراءة والاطلاع والتعبير وقتما يشاء فالرسم هو اللغة الثانية، وفق الناصر.

بيت الحكايات والموسيقى

الحديث عن "بيت الحكايات والموسيقى" مؤلم للحكواتية الناصر، فقد اضطرت إلى إغلاقه عام 2019، لأن كلفته أصبحت عبئا ماليا أكبر من طاقتها، وفق قولها، "كان حلما جميلا، والداعم الوحيد بإنشائه عائلتي/أولادي".

ضمّ هذا البيت برامج وفعاليات أبهجت الصغار بالقص الممتع والموسيقى والغناء والرسم والأداء المسرحي، وتقول إن العدد الذي بلغه تجاوز البيت "من خلال باص الحكايات والموسيقى الذي حصلنا عليه (الباص)، كمكافأة بعد حصولي على جائزة الحوار الأوروبي عام 2013، من مؤسسة أنا ليند لحوار الثقافات، التي حملت عنوان (المهاجرون كسفراء للتفاهم المتبادل)"، وذلك لعملها في مساعدة الأطفال المتضررين من النزاعات والفقر والحرمان، وتضيف "عشرات الآلاف بل أكثر من الأطفال واليافعين، في المدن والقرى والبادية والمخيمات والمدارس، عدا عن دور الأيتام ومراكز التأهيل استمتعوا بفعاليات البيت".

وتوضح للجزيرة نت "البيت كان تحصيلا حاصلا لخبراتي المتراكمة في العمل بالتعليم والمكتبات المدرسية والمكتبات العامة؛ معلمة غير تقليدية، ولطبيعتي الشغوفة بالقراءة والبحث، فضلا عن دور الأم، فقد أحسنت الدراسة في المدرسة، والحمد لله امتلكت سمعة جيدة بفضل ما كنت أقرأ من كتب خارجية، أكثر مما درسته في الكتب الدراسية بحثا عما هو جديد في التربية والتعليم".

الأطفال الملهم الأول لكتابة القصص

تقول الناصر "العمل مع الأطفال قصة، الأطفال هم الملهم الأول لكتابة قصص الأطفال، وهذا بحكم اطلاعي الواسع على ما يكتب للطفل محليا وعربيا وعالميا، كتبت مجموعة كبيرة من نصوص أزعم أنها تصلح قصصا للأطفال، لكن انشغالي بالعمل الميداني لم يتح لي فرصة نشرها، فقد عملت من دون توقف طوال 54 عاما".

ونشرت الناصر حديثا قصة "بسبس غاضبة" عن دار المنى، وتقول عنها "هي حادثة حقيقية لقطتنا التي نسيناها في البيت، وهي دعوة لبث الرحمة في قلوبنا صغارا وكبارا نحو هذه الكائنات التي تتعرض للتعذيب في كثير من مجتمعاتنا، وهو أول كتاب يصدر لي".

 

 

 

وتضيف أنها تتمنى أن يتيح لها العمر نشر بقية القصص المخطوطة، فكلفة إصدار كتاب مصور للطفل باهظة، و"ليت دور النشر تستكتب العاملين في مجال الطفولة، لأنهم أكثر دراية بعالم الطفل وقضاياه واحتياجاته واهتماماته".

المصدر : الجزيرة