"قاوم" سند شعبي فاعل لضحايا الابتزاز الإلكتروني بمصر.. ماذا تفعلين إذا ابتزك أحدهم؟

يتجاوز عدد الرسائل والشكاوى التي تصل إلى صفحة "قاوم" يوميا ألف رسالة، يتم التفاعل مع نحو 85% منها، مع الحفاظ على خصوصية أصحابها، بحسب مؤسس الصفحة.

Dramatic closeup portrait of young scared, depressed girl crying alone, feeling hopeless suffering from harassment or domestic violence. Stop child abuse and neglect. Social campaign concept.; Shutterstock ID 1335893288; purchase_order: ajnet; job: ; client: ; other:
"قاوم" منصة فاعلة ومؤثرة في التصدي لظاهرة الابتزاز الإلكتروني (شترستوك)

القاهرة- بات "الابتزاز الإلكتروني" من أبرز الجرائم التي تتصدر أخبار الحوادث في مصر خلال الآونة الأخيرة، خصوصا مع تداعياتها التي أوصلت بعض ضحاياه إلى الانتحار، أو القتل على يد أفراد من الأسرة هربا من "العار والفضيحة".

وبالتوازي مع تزايد قصص تلك الجرائم، برزت محاولات مختلفة للحد منها ومحاصرة مرتكبيها، ومن ذلك مساع برلمانية لتشريعات تغلظ من عقوبة المبتزين، ومنصات توعوية توجه الضحايا إلى الأساليب الصحيحة لمواجهة أساليب الابتزاز وعدم الاستسلام لها.

ومع الأيام الأخيرة من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبالتزامن مع نهاية عام 2021، تصدرت واقعة انتحار الشابة بسنت خالد (17 عاما) من مدينة كفر الزيات في محافظة الغربية مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن وقعت ضحية ابتزاز إلكتروني، ففضلت الموت على أن تواجه أسرتها والمجتمع.

ومثّلت مبادرة "قاوم" على موقع فيسبوك لدعم ضحايا الابتزاز الإلكتروني، مقصدا فاعلا ومؤثرا في التصدي لتلك الظاهرة، حيث تتلقى شكاوى ضحايا الابتزاز، وتعمل على دعمهن والضغط على المبتز ليتراجع عما يقوم به، كما تساعد الضحايا في اللجوء للجهات ذات الاختصاص.

مؤسس المبادرة محمد اليماني، استعرض -في حديثه للجزيرة نت- فكرة المنصة التي باتت الأبرز في هذا المسار، واعتبرها مراقبون الأكثر فاعلية وأمانا للتعامل مع حالات الابتزاز الإلكتروني ودعم ضحاياه، مع مراعاة خصوصية الشاكي وسرية شخصيته.

محمد اليماني: يشاركنا 400 متطوع ونستقبل أكثر من ألف رسالة يوميا نتعامل مع 85% منها (الصورة مأخوذة من المصدر)
محمد اليماني: يشاركنا 400 متطوع ونستقبل أكثر من ألف رسالة يوميا نتعامل مع 85% منها (الجزيرة)

الفكرة والتأسيس

فكرة المبادرة بدأت -بحسب اليماني- منتصف عام 2020، حين لجأ إليه عدد من الفتيات، تعرضت صديقتهن القاصرة للابتزاز من شخص بصور خاصة لها، قبل أن يقوم المبتز بإرسال الصور إلى أخيها، مما دفع الفتاة إلى الانتحار.

هذا الأمر ترك أثرا نفسيا في اليماني، وأثار لديه تساؤلات حول عدد من قررن الانتحار بسبب تعرضهن لذات الموقف، ومن حينها تشكّلت لديه فكرة "قاوم"، وسعى لتكوين فريقها من خلال مجموعة على موقع فيسبوك، وبعدها بشهر دشن صفحة "قاوم" الرسمية التي وصل متابعوها خلال 3 شهور إلى 150 ألفا.

حجم الانتشار

وبعد إغلاق الصفحة الأولى لقاوم، تم تدشين صفحة جديدة، وتجاوز عدد متابعيها نصف مليون، بينما يشارك في عمليات الدعم بمراحلها المختلفة قرابة 400 متطوع ومتطوعة، مقسمين على فرق مختلفة، أولها لاستقبال الشكاوى، والثاني للدعم القانوني، والثالث للدعم التقني، إضافة إلى فريقين لحل المشكلات ولتجميع المعلومات والبيانات المطلوبة.

ويلفت اليماني إلى أن نجاح المبادرة وفاعليتها واتساع دائرة الثقة بها دفع إلى التفكير في عمل مؤسسة رسمية، وهو ما يسعون إلى تحقيقه خلال المرحلة المقبلة، لتكون تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، وتحت مظلة وإشراف الدولة، حتى يسهل الحصول على الدعم القانوني والرسمي.

وبحسب اليماني، يتجاوز عدد الرسائل والشكاوى التي تصل إلى الصفحة يوميا ألف رسالة، يتم التفاعل مع نحو 85% منها، في ظل سعي مستمر لزيادة عدد المتطوعات من البنات بهدف الرد على أكبر عدد ممكن من الشكاوى، إلا أن ذلك يتم في حدود بضوابط ضرورية، للحفاظ على خصوصية أصحاب الشكاوى.

آلية المساعدة

وتتمثل آلية التعامل مع الشكاوى في توزيع المهام على الفرق العاملة ضمن المبادرة، حيث يستقبل فريق الشكوى، وهو فريق من البنات المدربات على التعامل مع تلك الشكاوى، يدرن صفحة "قاوم". وبعد استقبال الشكاوى يتم تحليلها وتصنيفها، ووضع تصور لمعالجتها، كما يقمن بدور الداعم النفسي والمعنوي لضحية الابتزاز.

ويستمر هذا الفريق بالتواصل مع الضحية خلال مراحل معالجة مشكلتها حتى حلها بشكل كامل، ويتداخل معه فريق يعمل على جمع المعلومات والبيانات اللازمة للتعامل مع المبتز، كما يقوم فريق آخر بدراسة المشكلة وأبعادها قانونيا للمساهمة في دعم الضحية.

شرائح الابتزاز

ولفت اليماني إلى أنه بخلاف ما قد يتصوره البعض، فإن ضحايا الابتزاز ليسوا محصورين في الفتيات الصغيرات السن فقط، فهناك من يستهدف سيدات تجاوزن الخمسين، كما يتعرض ذكور لحالات ابتزاز ربما تكون أكثر تعقيدا وصعوبة في التعامل من قضايا الابتزاز العادية.

وفي هذا السياق، يستحضر اليماني قصتين من قصص الابتزاز التي تعاملت معها الصفحة، الأولى كانت ضحيتها سيدة خمسينية وابنها، حيث كان المبتز يهددها بصور خاصة لها، وحين رفضت السيدة مطالبه توجه إلى ابنها وهدده بنشر صور والدته في حال لم يستجب لطلباته المالية، لكن "قاوم" تعاملت معه.

والثانية، لأرملة تجاوزت الخمسين من العمر، تعرف عليها شاب عشريني، وحاول ابتزازها والاستفادة أكبر قدر ممكن منها، وطالبها بمبلغ نصف مليون جنيه وإلا فسيقوم بالتواصل مع أبنائها وفضحها. لكن الصفحة نجحت في التعامل معه وإجباره على إرسال رسالة اعتذار وتعهد بعدم التعرّض للضحية مرة أخرى.

ويكشف اليماني عن أن شكاوى الذكور التي تصلهم ليست قليلة، وإن كانت شكاوى الإناث أكثر، إلا أنه لفت إلى أن شكاوى الذكور أشد صعوبة، حيث يقع الابتزاز فيها عادة من عصابات محترفة، وهو ما يستدعي اهتماما أكبر ووقتا أطول في المعاملة.

التفاعل الرسمي

تجاوب مؤسسات الدولة مع طلبات الصفحة إيجابي في عمومه، بحسب اليماني الذي يؤكد وجود تشجيع ودعم من قبل تلك الهيئات. مشيرا في هذا السياق إلى حالة حديثة لفتاة، تطلب علاج عملية الابتزاز القبض على المبتز، وهو ما قامت به قوات الأمن بعد التوجه إليهم وعرض المشكلة.

ترحيب نسوي

هذه المبادرات تحظى باحتفاء ودعم المعنيين بحقوق المرأة، فهي في تقديرهم تساهم في الحد من الجرائم الإلكترونية بحق النساء، كونهن الأكثر تضررا من هذه النوعية من الجرائم.

وفي هذا السياق، تعتبر أميمة أبو بكر نائبة رئيس مجلس أمناء مؤسسة "المرأة والذاكرة" في مصر، أستاذة الأدب المقارن بجامعة القاهرة، هذه المبادرة "إيجابية جدا"، كونها ذات فاعلية حقيقية، وتسهم في رفع وعي المجتمع بهذه الجرائم، وتلفت انتباه الدولة وربما تدفعها لاحقا لسن قوانين أكثر فاعلية في حماية المتضررين.

أميمة أبو بكر: مبادرة قاوم إيجابية جدا كونها فاعلة وتسهم في رفع وعي المجتمع (الصورة مأخوذة من المصدر)
أميمة أبو بكر: مبادرة قاوم إيجابية جدا كونها فاعلة وتسهم في رفع وعي المجتمع (الجزيرة)

وتؤكد أميمة -في حديثها للجزيرة نت- على أهمية ما توفره هذه المبادرة من دعم ومساندة كبيرة للضحايا، وهو ما يسهم في تجنب مآسٍ بات من المؤسف تكرارها مؤخرا، مثل الانتحار أو تلويث وتدمير سمعة الفتيات أو قتل الأهل لهن.

لكنها أشارت إلى ضرورة أن تلتزم هذه المنصات بضوابط تضمن لها التأكد من صحة المعلومات وهوية الأشخاص، وأن يتضمن عملها جانب التوعية للفتيات بشكل عام في التعامل مع أي طرف، بحيث يتجنبن التسرع في إعطاء الثقة لمن لا يستحقها، والتحفظ والتعقل في مشاركة صور أو أي مواد خاصة.

حضور مجتمعي

بدورها، تقول كوثر الخولي مديرة مؤسسة "وومن فور جستس" إن مثل هذه المبادرات تعد وسيلة مهمة من أجل الضغط المجتمعي للحد من التحرش والابتزاز الجنسي، خاصة مع تزايد معدلات الجرائم الإلكترونية التي باتت أخبارها شبه يومية، وآخرها حادثة انتحار الطالبة بسنت شلبي (17 سنة).

واعتبرت  الخولي -في حديثها للجزيرة نت- أن أهمية هذا الحضور المجتمعي تزداد، كونه يأتي في مقابل آفة تتمثل في قيام قطاع من المجتمع بلوم الضحية بدلا من معاقبة المبتز والمتحرش، كما أنه يساهم في سد فجوة تشريعية، حيث لا يتوفر قانون رادع لمثل هذه الجرائم التي تطال من سمعة فتيات وتدمر حياتهن.

ولفتت إلى أن الخوف من الفضيحة وعدم الثقة في السلطات التنفيذية ممثلة في الشرطة، من أسباب إحجام الكثير من الفتيات عن الإبلاغ عما يتعرضن له من جرائم إلكترونية، فحتى الآن لا تتوفر مظلة حماية حقيقية للمبلغات عن جرائم الابتزاز الجنسي، ولا توجد سياسة صارمة تحميهن.

كوثر الخولي: مثل هذه المبادرات مهم من أجل الضغط المجتمعي للحد من التحرش والابتزاز الجنسي (الصورة مأخوذة من المصدر)
كوثر الخولي: هذه المبادرات مهمة من أجل الضغط المجتمعي للحد من التحرش والابتزاز الجنسي (الجزيرة)

تشريعات لتغليظ العقوبة

وفي 4 يناير/كانون الثاني الماضي، قدمت عضو مجلس النواب (الغرفة الأولى) آمال عبد الحميد مقترحا بتعديل قانون، "لإعادة النظر في العقوبات المقررة على جريمة الابتزاز الإلكتروني؛ لتحقيق الردع المرجو منها"، على خلفية قضية الفتاة بسنت.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صادق على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في آب/أغسطس 2018، والذي تنص إحدى مواده على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (نحو 3 آلاف دولار) ولا تتجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية (..) والقيام بالنشر لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه".

وطالبت عبد الحميد بتعديل العقوبة لـ "تصبح السجن المشدد 10 سنوات لكل من أفشى أمورا مخلة بالشرف أو تمس حياة الآخرين، وكان التهديد مصحوبًا بالحصول على طلب أو منفعة أو بتكليف وتنفيذ أمر غير أخلاقي".

وفي 9 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية) ياسر الهضيبي تقدمه باقتراح للمجلس لتعديل قانون مكافحة جرائم الإنترنت، بهدف تغليظ العقوبة الموجودة حاليا التي "أثبت الواقع العملي أنها غير رادعة"، بعد صدمة كبرى للرأي العام في واقعة بسنت، مطالبا بأن تكون العقوبة الحبس 15 عاما إذا تسببت الجريمة في فقدان شخص حياته.

ولم يتطرق قانون مكافحة جرائم المعلومات صراحة إلى جريمة أو لفظ الابتزاز الإلكتروني، الذي سلطت عليه دراما مصرية عام 2021 الضوء، بوقائع في مسلسلي "حرب أهلية"، و"إلا أنا" (الموسم الثاني)، وإحصائيات الابتزاز الإلكتروني التي ليست لها أرقام رسمية بعد بالبلاد.

غير أن صحيفة اليوم السابع (خاصة) نقلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 دراسة للجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كشفت أن سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته شهدا تقديم 1038 بلاغا بجريمة إلكترونية، تتضمن تركيب صور للفتيات، ونجحت وزارة الداخلية في ضبط غالبية المتهمين بهذه الجرائم.

المصدر : الجزيرة