دور الأيتام بمصر.. هل من حل حاسم للانتهاكات؟

رغم وجود قوانين لحماية الطفولة في مصر فإن الانتهاكات مستمرة (غيتي)

القاهرة – دعا مختصون وزارةَ التضامن الاجتماعي بمصر، والمسؤولين عن ملف دور الأيتام خاصة، إلى التركيز على خطوات تصحيحية عاجلة وحلول مدروسة لإنقاذ الأيتام.

يأتي هذا، في حين تتكرر الانتهاكات في مؤسسات الرعاية التي باتت أقرب لروافد المحاكم وأبواب الحوادث بشكل يتناسى الجميع معه أنها بالأساس مؤسسات رعاية، وذلك عبر اعتماد المسارات الحقوقية والقيمية والاجتماعية.

الحقوق أولا

يدعو الخبير القانوني علاء عبد المنصف، في تصريحات للجزيرة نت، إلى إعلاء الجانب الحقوقي والقانوني في أي حلول لهذه الفئة المستضعفة.

ويوضح أن الاتجاه الحكومي للإلغاء التدريجي لدور الرعاية الاجتماعية، وإحلال نظام الرعاية الأسرية البديلة مازال غير واضح المعالم لعدم مناقشة مشروع القانون، وهو ما يتطلب حوارا مجتمعيا لإنجازه وفق المأمول من الجميع في القوانين التي تمس المجتمع.

ويشير الخبير القانوني إلى أنه من الأهمية بمكان رد الاعتبار لمنظومة الحقوق المفترضة للأيتام في ظل أي شكل قانوني مقترح، موضحا أنه رغم وجود قوانين تزعم حماية الطفولة لكن الانتهاكات مستمرة.

ويؤكد أن إنزال سيف العدالة، على رقاب مرتكبي الانتهاكات، مهم لردع من تسول له نفسه التوجه لذلك، مع التوعية الحقوقية والقانونية للمسؤولين عن الأيتام والأيتام أنفسهم "بحيث نقاوم سبل الابتزاز والانحراف".

افتتاح وزيرة التضامن مؤسسة الأيدي الأمينة بحضور رجل الأعمال محمد الأمين (مواقع إلكترونية)

المسار القيمي

من جانبه، يرى أستاذ الفلسفة والأخلاق الدكتور جمال نصار، في تصريحات للجزيرة نت، أن أزمة دور الأيتام وسر إنقاذها يمكن في الجانب الاجتماعي القيمي، وهو ما يتطلب بعث المسار الأخلاقي في المجتمع، وتقوية البعد القيمي فيه، فالمسألة قيمية والمجتمع بات ككل يعاني هذا الأمر، وظهرت الأزمة في مسارات أخرى كالطب على سبيل المثال، فسمع الناس عن تجارة الأعضاء البشرية.

ويوضح أستاذ الفلسفة والأخلاق أن استهداف الأيتام، واعتبارهم فئة ضعيفة، جعل التعامل معهم يجرى على نحو استغلالي أحيانا، فظهرت الجرائم التي يسمع عنها المجتمع بين الحين والآخر مستهدفة هؤلاء الأيتام.

ويُرجع الأزمةَ كذلك إلى الخلل الأخلاقي للقائمين على مؤسسات رعاية الأيتام، مشيرا إلى أن الرائج أن بعض الأفراد المسؤولين عن هذه الدور ليسوا على مستوى أخلاقي جدير بتحمل مسؤولية الأيتام، ولذلك يجب التدقيق في حاملي هذه المسؤولية.

ويشير الدكتور نصار إلى أهمية مواجهة الفقر بسبل تنقذ المجتمع من براثن الجوع بكل أنواعه، وتحمي إحدى نتائجه وهم الأيتام أينما وجدوا خاصة في دور أعلنت أنها لرعاية الأيتام.

التوعية الدينية

ويرى الباحث الشرعي والداعية الشاب حسين رضا فعالية الحل الديني في مقاومة الانتهاكات ضد الأيتام، مطالبا -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- العلماء بتوعية المواطنين بمخاطر ظلم اليتامى في الدنيا والآخرة، وتعاليم الإسلام بالإحسان إليهم بالمشاعر والكلمات والأفعال، وكفالتهم وتيسير حياتهم، وتجنب قهرهم أو ذلتهم أو إيذائهم باللفظ أو اليد.

‎ويوضح أنه بقدر ما حثّ الإسلام على إكرام اليتيم، بقدر ما رهّب من إيذائهم حيث قال الله عز وجل عن صفات أصحاب القلوب السيئة في كتابه الكريم "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم" وتقصد الآية وفق ما قاله المفسرون أن كل من يقهر اليتيم أو يظلمه أو يبخسه حقه، فيحرمه الطعام والمال والعلم والنفع، عاصٍ لربه، قاسٍ يستحق العذاب في الآخرة وانقطاع الخير عنه في الدنيا.

‎ويدعو الشيخ رضا كل مسؤول عن الأيتام إلى أن يتقي الله تعالى في مسؤوليته عن حمايتهم أو تنشئتهم.

افتتاح وزيرة التضامن مؤسسة الأيدي الأمينة لرعاية الأيتام بحضور رجل الأعمال محمد الأمين (مواقع إلكترونية)

توابع مستمرة

ولا تزال التوابع مستمرة في حادث توقيف رجل الأعمال المصري محمد الأمين على ذمة اتهامات باستغلال جنسي لدار الأيتام الخاصة به، وما زالت القضية رهن التحقيق، وتم إغلاق دار "الأيدي الأمينة" التابعة له.

وبحسب إحصائيات رسمية من وزارة التضامن الاجتماعي، يبلغ عدد الأطفال والأبناء المستفيدين من الاستضافة بمؤسسات الرعاية الاجتماعية 10 آلاف و800 يقيمون في 516 مؤسسة رعاية.

وقررت الوزارة حزمة من الإجراءات، عقب الحادث، في مقدمتها تمديد وقف التراخيص الخاصة بدور الأيتام لمدة عام بدأت في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ونشرت الجريدة الرسمية القرار.

كما أعلنت في بيان رسمي أنها تسعى لتقليل عدد تلك المؤسسات، وتتجه نحو الرعاية الأسرية بشكل تدريجي.

وكشفت الوزارة أنها تتبنى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للرعاية البديلة عبر تعزيز الرعاية الأسرية وتيسير إجراءات الكفالة والحد من مؤسسات الرعاية. وأكدت إعدادها مسودة مشروع قانون الرعاية البديلة تمهيدًا لمناقشته مع الجهات المختصة ثم إرساله لمجلس الوزراء.

وأطلقت في أبريل/نيسان 2021 الإستراتيجية الوطنية للرعاية البديلة. وفي هذا الإطار، أصدرت تراخيص لـ 3 بيوت رعاية صغيرة كبديل مؤقت، اثنان منها بمحافظة الإسكندرية شمال البلاد وواحد بالعاصمة القاهرة.

اتهامات وانتهاكات

وتعددت الانتهاكات الفترات الماضية بدور الأيتام. وقدم عضو مجلس النواب محمد عبد الله زين الدين في 15 يناير/كانون الثاني الماضي طلب إحاطة ضد تلك الانتهاكات.

ودعا النائب -بحسب تقارير إعلامية محلية- إلى الكشف عن كافة الانتهاكات بدور الرعاية، والقيام بجولات مفاجئة على جميع دور الرعاية الاجتماعية للتأكد من عدم وجود مخالفات أو استغلال غير قانوني.

ووفق تقديرات غير رسمية فإن الانتهاكات -التي وقعت في دور الأيتام خلال السنوات الماضية- كانت سببا لإغلاق أكثر من 25 دار أيتام وحل مجلس إدارة وعزل نحو 4 مجالس إدارات أخرى.

وأزالت الوزارة مؤخرا مؤسستي "ليلة القدر" و"أم القرى" لتحولهما لبؤر إجرامية، وأغلقت دار "الأيدي الأمينة" بعد إحالة انتهاكاتها إلى النيابة العامة.

وقد راجت الفترات الماضية فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، كان أحدها سببا في إقالة مجلس إدارة دار للأيتام.

ووثقت شبكة أريج للصحافة الاستقصائية أواخر العام الماضي بعض الانتهاكات التي يتعرض لها القصّر في دور رعاية الأيتام بمصر، ومنهم 8 فتيات.

وتتكرر الاتهامات من رواد مواقع التواصل بمصر ضد بعض دور الرعاية بين الحين والآخر.

مطلع العام الجاري، شكلت وزارة التضامن لجنة وزارية للكشف عن أحد البلاغات عن سوء المعاملة. وعقب توقيف "الأمين" دفع مغردون إلى مطالبة رئيس الجمهورية بالتدخل وإلغاء دور الرعاية من الأصل.

وقد طالبت الدكتورة فاطمة سعد -في تغريدة على موقع تويتر- الدولة ببناء دور رعاية ضخمة تحت إشراف صندوق "تحيا مصر" (جهة رسمية) تتولى رعاية هؤلاء الأطفال وتأهيلهم بشكل سليم علمياً ومهنيا. واتهمت دور رعاية الأيتام بأنها "سبوبة" يشوبها فساد.

وفي تعليق آخر على تويتر، طالب صاحب حساب "د.فخر الدين" الرئيسَ بإصدار قرار بإلغاء ومنع ترخيص أي دور رعاية.

ودعا صاحب التغريدة إلى أن تتولى الدولة، بإشراف وحرص شديدين، رعاية الأطفال وتعليمهم وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا تحت مراقبة شديدة جدا.

المصدر : الجزيرة