معايير الجمال تتغير.. تمرد هادئ للشعر المجعد في مصر

الشعر المجعد يمثل شكلا من أنماط التحدي في مجتمع كان ينظر إليه بشكل سلبي (وكالات)

لعقود من الزمان، تبنت العديد من النساء المصريات نهج "فرد الشعر المجعد" باعتباره أحد معايير الجمال والأنوثة.

وفي تقريرها الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (NYtimes) الأميركية، أشارت الكاتبة فيفيان لي إلى إعلان تلفزيوني من الثمانينيات يتذكره بعض المصريين جيدا حول كريم تمليس الشعر "غلات شوارزكوف"، حيث تقف امرأتان أمام المرآة إحداهما ذات شعر مجعد سميك وداكن، تجد صعوبة في مشطه والأخرى تتمتع بشعر أملس ولامع. وبعد تطبيق المنتج، عادت المرأة الأولى إلى المرآة وكان المشط ينزلق بسهولة عبر شعرها الناعم والرضا واضح على وجهها.

يقف وراء هذه المواقف تحيز عرقي وطبقي متجذر في المجتمع المصري. وفي حين أن المنتجات ومعايير الجمال الغربية ذات قيمة عالية في مصر، فإن العكس ينطبق على أي شيء "بلدي" كما يقول المصريون، أو أي شيء يعتقدون أنه يربطهم بأفارقة جنوب الصحراء، مثل الشعر المجعد الطبيعي.

تحول ثقافي

في الأعوام الأخيرة، انتشرت موضة تجعيد الشعر مرة أخرى في جميع أنحاء مصر، وهو تذكير مرئي بالتحولات الطفيفة التي شهدها المجتمع المصري والتي يرى العديد من الشباب المصري أنها تعود إلى أيام ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

وذكرت الكاتبة أنه نظرا للضغط الشديد على الشابات المصريات على وجه الخصوص لاتباع معايير الجمال والهندام السائدة، وهو أمر تفرضه الأسرة والأصدقاء والأشخاص العشوائيون في الشارع، يمكن أن يمثل الشعر المجعد شكلا من أنماط التحدي.

تقول دعاء جاويش، مؤسسة مجموعة "ذا هير أديكت"، وهو منتدى على الإنترنت وشركة للعناية بالشعر، لديه حوالي 500 ألف متابع على مواقع التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء مصر والخليج العربي "الآن عندما أنظر إلى الشعر الطبيعي، أرى مقدار الشخصية التي يعكسها ومدى استقلالي".

تجعيد الشعر يظل نادرا في أحياء الطبقة الوسطى والطبقة العاملة في القاهرة (بيكسلز)

بات المزيد من المصريين يتباهون بقصات الشعر الدرامية هذه الأيام، لكن في الغالب، ستلاحظ الشعر المجعد. وفي الواقع، لم تعد تصفيفة الشعر المجعد تجعل صاحبها محل الكثير من السخرية في شوارع القاهرة. كما اكتسب المؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي ذوو الشعر المجعد عشرات الآلاف من المتابعين وعززوا صناعة صغيرة من الصالونات ومنتجات العناية بالشعر المصنوعة محليا.

وأضافت الكاتبة أن النساء المصريات اللواتي يُظهرن شعرهن المجعد علنا هن في الغالب شابات ينحدرن من عائلات ثرية، في حين يظل تجعيد الشعر الواضح نادرا في أحياء الطبقة الوسطى والطبقة العاملة في القاهرة وكذلك في المناطق الريفية، وحتى مع تزايد قبول التصفيفات الطبيعية، تظل الأحكام المسبقة حول الطبقة والعرق سائدة.

مع ذلك، تظهر اللوحات الإعلانية التي تعلو الطرق السريعة والجسور العلوية بالمدينة الآن عارضات بشعر مجعد وتصفيفات أفريقية، وهو تحول جذري منذ أيام إعلان "غلات" القديم.

قالت ثريا هاشم (38 عاما) وهي مديرة صالون "جي كيرلز" المتخصص في تجعيد الشعر "كان ذلك الإعلان يدفعني إلى الجنون. كان هناك نوع من الضغط المجتمعي حيث لا يتم الترحيب بالشعر المجعد، أي المظهر الطبيعي. سيقولون لك: شعرك مجعد جدا، حاولي الذهاب إلى مصفف الشعر وحاولي أن تكوني أنيقة".

موضة المشاهير

في أوائل القرن الـ21، عادت شعبية الشعر الطبيعي بين النساء السود في الولايات المتحدة، وازداد الطلب على منتجات الشعر المجعد ومصففي الشعر المختصين في الشعر المجعد. وساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في جلب هذه النقلة إلى مصر، وتعزيز التوجه نحو منتجات التجميل الطبيعية والسلامة وتقبل الذات.

وأصبح نجم كرة القدم محمد صلاح وشعره "الأفرو" رمزا في مصر، ولم يعد من الغريب لمح تسريحات الشعر المجعد على السجادة الحمراء في مهرجان الجونة السينمائي الذي يقام سنويا على البحر الأحمر.

كان أبرز أسباب انتقال الكثيرين للشعر الطبيعي حقيقة كونه عمليا. وسواء باستخدام الحرارة أو المواد الكيميائية، يمكن أن يؤدي التمليس المتكرر إلى إضعاف خصلات الشعر، مما يؤدي إلى تقصفه وتساقطه.

ميدان - محمد صلاح
نجم كرة القدم محمد صلاح ذو الشعر "الأفرو" أصبح رمزا في مصر (رويترز)

في عام 2016، بعد أن بدأت السيدة دعاء في التحدث عن منتجات الشعر المصنوعة من مكونات طبيعية، قفز عدد متابعيها على "فيسبوك" من 5 آلاف إلى 80 ألفا في غضون بضعة أشهر. وأصبحت صفحتها بمثابة منصة لتبادل النصائح والمؤازرة بين ذوات الشعر المجعد.

افتتحت غادة الهنداوي (44 عامًا) صالون "جي كيرلز" بعد البحث عن علاجات لشعر ابنتها المجعد، دون إجبارها على المرور بمعاناة تمليسه. قالت غادة إن الرفض الثقافي للشعر المجعد "مضر للغاية بالشعر والنفس. عندما يُترك الشعر على حالته المجعدة، فسوف يتمتع بصحة أكبر. لذلك، بات الناس يتوجهون للمظهر الطبيعي، ويتقبلون أنفسهم على ما هي".

ينتمي أغلب عملاء "جي كيرلز"، إلى فئة الشباب الأثرياء محبي السفر الذين حصلوا على درجة من التعليم من إحدى المدارس الدولية في القاهرة، لكن ذلك بدأ في التغيّر أيضا. ففي العام الماضي، بدأ الصالون في جذب المزيد من نساء الطبقة الوسطى والمحجبات.

كما تأتي العديد من متابعات "ذا هير أديكت" من صعيد مصر، بعيدًا عن المناطق المعروفة بالشعر المجعد مثل القاهرة والإسكندرية، وذلك حسب ما أكدته غادة الهنداوي.

المصدر : نيويورك تايمز