هل تعود المرأة الأفغانية حبيسة منزلها؟

مظاهرات نسائية ضد حركة طالبان بعد وصولها إلى السلطة تطالب بحق المرأة في التعليم والعمل (الفرنسية)

كابل- بعد أقل من شهر من وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان وجدت المرأة الأفغانية نفسها حبيسة منزلها لأن الحركة أصدرت أوامر إلى جميع الموظفات ما عدا موظفات القطاع الصحي بالبقاء في المنازل حتى تنظر حركة طالبان في أمر المرأة الأفغانية التي تمكنت من ممارسة دورها في المجتمع الأفغاني طوال العقدين الماضيين.

بعد وصول طالبان إلى السلطة، أبدت الحركة نبرة تصالحية، وتعهدت بدعم حقوق المرأة واحترامها "في حدود الإسلام"، حيث تم منع الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية وكان على الجامعات أن تفصل الصفوف حسب الجنس، كما عينت حركة طالبان حكومة أفغانية جديدة من دون نساء في مناصب وزارية.

عودة 12 موظفة للعمل في المطار من بين أكثر من 80 امرأة يعملن فيه لم يوافقن على العودة (الجزيرة)

طالبان وعمل المرأة

موقف حركة طالبان من عمل المرأة يمكن وصفه بالحذر لأنها لا تريد أن تواجه المجتمع الدولي والمرأة الأفغانية على السواء، وسمحت لعاملات في القطاع الطبي والمطار وعدد من المدارس الابتدائية بالعودة إلى العمل. ويقول مصدر في حركة طالبان للجزيرة نت "لدينا من الأدلة ما يؤكد وقوف بعض الدول والمؤسسات وراء قضية المرأة وكأن أفغانستان لا تعاني مشاكل أخرى، وما تشاهدون من مظاهرات ومسيرات في العاصمة كابل ومسلحين من طالبان يوفرون لها الأمن دليل على أن الحركة ملتزمة بحقوق المرأة، وهذه الزمرة من النساء لا تمثل بقية النساء".

وتساءل المصدر نفسه "ماذا قدمت الحكومات السابقة خلال 20 سنة للمرأة الريفية؟ كم من امرأة خسرت حياتها أثناء الولادة؟ لا نسمح لمن يتاجر بقضية المرأة بالمزاودة.. وستوفر الحركة للمرأة الأفغانية جميع حقوقها وستفتح أبواب المدارس والجامعات بعد توفير البيئة الآمنة لذلك، أما سمعت بالتيارات التي تنادي في الغرب بفصل البنين والبنات في المدارس والجامعات؟ الغرب يريد منا المساومة على حقوق المرأة وأدرك أنهم سيربطون أمورا كثيرة بحقوق المرأة".

جانب من مظاهرة نسائية ضد حركة طالبان يوم 30 سبتمبر/أيلول الماضي (الفرنسية)

موظفات المطار

على عكس الدوائر الحكومية، تمكنت شركة أمنية من إقناع المسؤولين في مطار كابل الدولي بالسماح لموظفات بالعودة إلى أعمالهن ولكن الاستجابة كانت ضعيفة جدا، إذ وافقت 12 موظفة من بين أكثر من 80 امرأة على العودة إلى العمل في المطار.

تقول راحلة (اسم مستعار) للجزيرة نت "أعمل منذ 10 سنوات في قسم التفتيش الأمني في صالة الرحلات الدولية بمطار كابل، أريد مغادرة البلد، ليس لدي دافع للعمل هنا. لم أحصل على راتبي منذ شهرين، لكني ما زلت أعمل. أنا خائفة جدًا من الوضع الحالي ولا يمكنني العيش في هذه الأجواء المتوترة، أريد أن أبني حياة كريمة لأولادي، وهذا لا يتوفر هنا، قدمت طلب اللجوء إلى دول عدة وأرجو أن أجد من يساعدني، سقوط كابل بهذه الصورة فاجأني كثيرا".

شركة أمنية تمكنت من إقناع المسؤولين في مطار كابل بالسماح لموظفات بالعودة إلى أعمالهن (الجزيرة)

وترى زميلة راحلة أن الوضع سيتحسن وعليها البقاء في بلدها، وهي تعمل منذ 10 سنوات في شركة أجنبية تقدم الخدمات الأمنية في مطار كابل الدولي. وتقول جميلة راتب للجزيرة نت "أعمل في قسم التحكم والتفتيش النسائي في الجزء المحلي لمطار كابل، في البداية كنت خائفة لدرجة كبيرة جدا".

وتضيف "لم أحضر إلى العمل منذ أيام، ثم قررت العودة ولم يكن لدي أمل في الاستمرار لكن الأمور تسير حتى الآن بصورة جيدة، لا أملك المال وعائلتي تطلب مني مغادرة أفغانستان، لكنني أقول لها إن الأمور ستتحسن بإذن الله، وهذا بلدي، أين أذهب؟ وأين أهرب من قدري؟ لا أستطيع تحمل الغربة".

تمنا صديقي: المكاسب التي حققتها نساء أفغانستان خلال 20 سنة الماضية مهددة الآن (الجزيرة)

مظاهرات نسائية

وتدرك حركة طالبان أن المجتمع الأفغاني تغير كثيرا وأن المرأة الأفغانية تعرف حقوقها، ومنذ وصول حركة طالبان إلى السلطة خرجت مظاهرات نسائية عدة تطالب بحق المرأة في الوظيفة والتعليم.

تقول تمنا صديقي للجزيرة نت "منذ وصول حركة طالبان إلى السلطة خرجت مظاهرات عدة في العاصمة كابل وبقية المدن، وهذا دليل على أن المرأة الأفغانية تطالب بحقها في التعليم والعمل وأن حركة طالبان تحاول سلب حريتها".

وتبين صديقي أن "تشكيل الحكومة الجديدة دليل على أن المكاسب التي حققتها المرأة خلال 20 سنة الماضية مهددة، لقد حصلت المرأة على المقاعد في البرلمان والحكومة، وعهد الرئيس الأفغاني المنصرف يمكن وصفه بالعصر الذهبي للمرأة حيث وصلت إلى السفارات ومقعد مندوبة أفغانستان الدائمة في الأمم المتحدة، كل هذه المكاسب خسرناها بدخول طالبان إلى كابل".

فتيات الريف محرومات من التعليم لأن الحقوق التي حصلت عليها المرأة الأفغانية كانت لنساء العاصمة فقط (رويترز)

معاناة نساء الريف

وهناك من يرى أن الحقوق التي حصلت عليها المرأة الأفغانية كانت للمرأة في العاصمة والمدن الرئيسة الأخرى، لأن المرأة الريفية ما زالت تعاني الأمية والمرض ولم تحصل على أبسط حقوقها، والحكومات السابقة تستغل حقوق المرأة من أجل الحصول على أمور أخرى من المجتمع الدولي والتعامل مع المرأة كان شكليا فقط.

ويقول مصدر حكومي سابق للجزيرة نت إن "الرئيس الأفغاني المنصرف محمد أشرف غني رشح 3 وزيرات في حكومته، فضلا عن عدد كبير من النساء كنائبة للوزير حتى عين فتاة نائبة لوزير الدفاع، وهذه تعدّ سابقة في أفغانستان".

كما أن السيدة الأولى رولا غني كانت تجتمع كل أسبوع مع وزير الدفاع الأفغاني من أجل حصة المرأة في الجيش والقوات الأمنية، فالاهتمام بحق المرأة على هذه الصورة غير مبرر أصلا لأن بلدا مثل أفغانستان له أولويات أخرى، ولكن الرئيس الأفغاني المنصرف وزوجته كانا يعرفان المزاج الأميركي والغربي لذلك اهتما بالمرأة الأفغانية على حساب أولويات المجتمع الأفغاني، حسب المصدر الحكومي نفسه.

المصدر : الجزيرة