ويلات الحرب.. أم سورية تؤوي أولادها في حافلة مهجورة بإدلب

سيلا الوافي-إدلب

وسط وادٍ في بيرة أرمناز بريف إدلب الشمالي تعيش هيام دبيس مع أطفالها الأربعة، بعد أن أودت بهم ويلات الحرب في سوريا لافتراش الطرقات تارة والمكوث بين الجبال تارة أخرى، فما كان منها إلا البحث عن مأوى يقيهم برد الشتاء المقبل، فاتخذت من إحدى الحافلات المهجورة مسكنا لها ولأطفالها بدلا عن مكوثهم في العراء.

وهيام أصيبت بإعاقة بسبب فقدانها قدمها منذ سبع سنوات جراء تعرضها لإحدى القذائف، فأصبحت من ذوي الاحتياجات الخاصة، السبب الذي جعلها غير قادرة على تحمل مشقة الحياة ومتاعبها.

‪هيام دبيس فقدت قدمها منذ سبع سنوات جراء إحدى القذائف فأصبحت من ذوي الاحتياجات الخاصة‬ (الجزيرة)
‪هيام دبيس فقدت قدمها منذ سبع سنوات جراء إحدى القذائف فأصبحت من ذوي الاحتياجات الخاصة‬ (الجزيرة)

لو بقيت بداري ومت تحت أنقاضها
وتقول هيام للجزيرة نت "بت أتمنى الموت في كل لحظة بدلا عن معيشتي هذه، ولو أنني بقيت في داري ومت تحت أنقاضها لكان أهون علي من وضعي المأساوي هذا، وأفضل بكثير من أن أرى أطفالي جياعا وابني الرضيع بلا حليب".

وتضيف وعيناها تدمعان من الألم "لم أجد خيمة أو منزلا يؤويني، فلجأت لهذا الباص المهجور الذي أجبرته قذائف المدفعية والصواريخ لأن يصبح هو أيضا ملجأ لأشباهه، ألا وهم أنا وأطفالي".

ولم تتوانَ الحياة عن ضغطها أكثر وحرمانها من أساسيات الحياة عند حدود فقدانها منزلها، بل فقدت زوجها ومعيلها الذي وافته المنية قبل خمسة أشهر أثناء عمله في إحدى الأراضي الزراعية نتيجة انفجار لغم فيه.

وتقول هيام "ذهب هو وبقيت أنا أصارع الحياة في سبيل إعالة أطفالي، تخلى عنا جميع الأهل والأقارب لنجد أنفسنا في الطريق بلا مال أو معين، ولا تحمينا سوى ألواح هذا الباص المهترئ"، مشيرة إلى عدم قدرتها على استئجار غرفة أو حتى إطعام أطفالها.

‪هيام لا تنام الليل وتبقى مستيقظة خوفا على أطفالها من اقتراب حشرة سامة تلسعهم‬ (الجزيرة)
‪هيام لا تنام الليل وتبقى مستيقظة خوفا على أطفالها من اقتراب حشرة سامة تلسعهم‬ (الجزيرة)

تبقى مستيقظة خوفا على أطفالها
وتتابع هيام حديثها للجزيرة نت قائلة "من أعلى الجبل إلى أسفل الوادي مرورا بأشجار الزيتون خضت الصعاب مع أطفالي الصغار، لأصل إلى هذا المخيم الذي كنت آمل أن أحظى فيه بخيمة تؤويني مع أطفالي ولكنني فوجئت بسوء الأحوال وعدم وجود أي خيام"، الأمر الذي جعلها ترضخ للأمر الواقع وتتخذ الحافلة المهترئة مأوى لها ولأطفالها رغم معاناتها بالغة الصعوبة في الصعود إليها والنزول منها كونها بقدم واحدة.

وتشير هيام إلى أنها في الليل لا تنام وتبقى مستيقظة خوفا على أطفالها من اقتراب حشرة سامة تلسعهم، أو من لصوص قد يهجمون عليهم، خاصة أن ابنتها تبلغ من العمر 16 عاما.

‪الجيران اتفقوا على أن يقوم كل يوم أحدهم بتقديم وجبة صغيرة من الطعام لها ولأولادها‬ (الجزيرة)
‪الجيران اتفقوا على أن يقوم كل يوم أحدهم بتقديم وجبة صغيرة من الطعام لها ولأولادها‬ (الجزيرة)

كتلة حديدية شديدة البرودة والحرارة
تقول هيام "عندما وصلنا إلى هنا لم نكن نملك أي شيء سوى ملابسنا التي نرتديها لا غير، ولذلك قدم لنا الجيران وسائد ننام عليها وبعض الأغطية التي نفترشها ونتغطى بها في هذا الباص أو إن -صح التعبير أكثر -في هذه الكتلة الحديدية التي تغلي صيفا من شدة الحرارة وتتجمد شتاء من شدة البرودة بلا نوافذ ولا أبواب".

وبالنسبة للطعام، تقول هيام "اتفق الجيران على أن يقوم كل يوم أحدهم بتقديم وجبة صغيرة من الطعام لي ولأولادي، حيث إننا في كل يوم ننتظر صحن الطعام الذي يأتينا به أحد الجيران، وفي اليوم الذي يطول انتظارنا به نعلم أنه ما من طعام نأكله".

وتضيف أن "هذا الباص كنا نركب به لنجوب المدن والقرى، إلا أن حالتنا المأساوية أوصلتنا إلى أن يكون محطتنا الدائمة للسكن والمأوى، ومع انعدام المساعدات المادية قد يكون هذا الباص قبرنا ووسيلتنا للانتقال إلى الدار الآخرة".

‪الحافلة بعد أن شهدت على المجازر بحق السوريين باتت اليوم حاضنة لمآسيهم ومواجعهم‬ (الجزيرة)
‪الحافلة بعد أن شهدت على المجازر بحق السوريين باتت اليوم حاضنة لمآسيهم ومواجعهم‬ (الجزيرة)

الحافلة مسكن للمهجرين
يذكر أن هذه الحافلة بعد أن شهدت على المجازر بحق السوريين بايت اليوم حاضنة لمآسيهم ومواجعهم المستمرة، حيث تعرضت للقصف في قرية كفر تخاريم بريف إدلب عام 2015.

وكانت الحافلة نفسها شاهدة على مجزرة راح ضحيتها عشرات الأبرياء، فنقلها مالكوها إلى بيرة أرمناز للصيانة ولكنها بقيت تراوح مكانها منذ سنوات لتصبح منزلا ومحطة للنازحين وكأنها تحافظ على اسمها وصفتها بمكوث النازحين فيها.

‪هيام فقدت زوجها ومعيلها الذي وافته المنية قبل خمسة أشهر أثناء عمله بالزراعة نتيجة انفجار لغم فيه‬ (الجزيرة)
‪هيام فقدت زوجها ومعيلها الذي وافته المنية قبل خمسة أشهر أثناء عمله بالزراعة نتيجة انفجار لغم فيه‬ (الجزيرة)

يشار إلى أن محافظة إدلب شهدت في الآونة الأخيرة تضخما سكانيا كبيرا، الأمر الذي إلى أدى لحدوث أزمة بتأمين السكن وغلاء أسعار العقارات، خاصة بعد الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها كل من روسيا وإيران والنظام، حيث تراوح متوسط إيجار المنزل بين 50 و150 دولارا في شمالي المحافظة.

في المقابل، لم يجد الكثير من الناس منازل ولو بمواصفات بسيطة، فاضطروا للسكن في الخيم المنتشرة على الحدود مع تركيا والتي يقدر عددها بالآلاف، وأحد هؤلاء النازحين هيام التي اتخذت حافلة قديمة ملجأ لها لتداري فيها أطفالها ونفسها عن عيون المارة.

المصدر : الجزيرة