متى يصبح الكذب ميزة لدى طفلك؟ هذه واجبات الوالدين

Nagwan Lithy - يكذب معظم الأطفال لكسب إعجاب الآخرين (بيكساباي) - حكايات طفلك الوهمية دليل على حدة ذكاءه
الحقائق تتداخل بالخيالات عند الأطفال في أعمار محددة (بيكساباي)

د. عامر الغضبان

أكاذيب الأطفال خيالات، والتخيل عند الأطفال ظاهرة طبيعية يجب ألا نمنعها، بل يجب أن ننميها، هذا ما يعتقده كثير من الآباء والأمهات، فيتركون الاهتمام بمعالجة ظاهرة الكذب عند أبنائهم.

وهذا الاعتقاد جزء من الحقيقة، وليس الحقيقة كاملة، فليست أكاذيب الأبناء دائما بدافع تعبيرهم عن خيالهم ونموهم العقلي، ومن المعالم المهمة التي يجب أن نلاحظها لتكتمل لدينا الصورة:

  • تتداخل الحقائق بالخيالات عند الأطفال في أعمار محددة في طفولتهم المبكرة، ويتحدثون ببعض القصص الخيالية وكأنها وقائع وحقائق، لكن هذه الظاهرة لا تمتد للمراحل العمرية التالية، ولا تبقى مطلبا لازما لتنمية خيال الابن وإبداعه، بل من معالم النمو السوي وجود القدرة على الإدراك الصحيح للواقع بعناصره المختلفة المادية والبشرية.

  • الكذب خلق مذموم وتصرف خاطئ، والأطفال يدركون هذا في مراحل مبكرة من طفولتهم أيضا، فنمو الجانب الخلقي للطفل في الحياة يبدأ مبكرا، وإدراكه بوجود معايير تحكم تعامله مع الآخرين وتعامل الآخرين معه أمر ملاحظ عند الأطفال في الثقافات المختلفة، وإن أردنا التأكد من ذلك فلنتذكر كيف كانت ردود أفعال أبنائنا في أي موقف اعتقدوا فيه أننا غدرنا بهم، أو كذبنا عليهم، أو خذلناهم، أو فضلنا أحد إخوانهم عليهم.

  • الدور التربوي للآباء والأمهات دور ضروري أساسي، لا تلغيه الظروف مهما تغيرت، ولا يعذر في تركه الوالدان، ولا من يقوم مقامهما، وهذا الدور يتضمن حفظ الأبناء من السلوكيات الخاطئة، وتنمية القيم الفاضلة.

على الوالدين أن يتجاوبا مع الابن ليشبع نمو الخيال عنده (بيكساباي)
على الوالدين أن يتجاوبا مع الابن ليشبع نمو الخيال عنده (بيكساباي)

وحتى نقرب الصورة الكاملة نذكر بعض الاستجابات والأدوار المطلوبة من الوالدين فيما يتعلق بمعالجة الكذب وتنمية الصدق.

المعرفة هي أول واجبات الوالدين، فعلى الوالدين أن يعرفا ويتعرفا إلى السلوك الصحيح والسلوك الخاطئ، وعلام يبنى كل منهما، وإلى ماذا يؤدي وجود كل منهما، وعليهم أن يعرفوا أن مواقف الكذب ليست متشابهة، ويتعرفوا إلى أنواع الكذب ودوافعه المختلفة، ويتعلموا كيف تختلف الاستجابات باختلاف المواقف.

ومن المعرفة الضرورية للوالدين معرفتهم بأبنائهم، باختلافات هؤلاء الأبناء، والمعالم البارزة في شخصية كل منهم من اهتمامات ودوافع ومظاهر للنمو، فهذا يمكنهم من الوصول للتقدير الصحيح للموقف بأقل جهد وأقصر وقت، إذ يستطيع الوالد توقع توجه الابن وأسباب اختياره لهذا السلوك عندما يكون متتبعا لنموه، وقريبا من واقعه.

وعند وجود هذه العلاقة القريبة بين الوالد والابن، يكون من السهل اكتشاف الخيالات في أحاديث الأبناء، وعندما يكون هذا الحديث من ابن في عمر الطفولة المبكرة التي لا يعبر الخيال فيها عن كذب مقصود، يكون مطلوبا من الوالد أن يتجاوب مع الابن ليشبع نمو الخيال عنده، لكن من المفيد أيضا أن يوصل له رسالة بأنه يعلم أن هذه خيالات.

فيمكن للأب مثلا أن يسمع القصة لآخرها، بل أن يضفي عليها من عنده إضافات تجعلها أجمل، وربما تكون هذه الاستجابة -أي الإضافة إلى القصة- هي التي يعلم الابن منها أن الوالد لا يستمع للقصة لأنها حدثت فعلا، إنما يستمع إليها لأنها قصة ممتعة. وكما قلنا، من المهم أيضا أن يتعلم الابن كيف ينقل حادثة واقعية مثلما حدثت إن كان الأمر يتعلق بالواقع، وعلى الوالدين أن يدرباه على هذه المهارة أيضا، خاصة عندما يتعلق بالأمر بمتعلقات مهمة، مثل ضرر يقع على أحد أفراد الأسرة.

وتوجد حالات من الكذب تستحق معالجة ضرورية ومواجهة مباشرة، وهي التي ترتبط بصفات خطيرة أو مذمومة، مثل الكذب الذي يكون بداعي التفاخر والتباهي، خاصة عندما يكون منمقا ومزخرفا بقدر من الخيال المجهول الذي يقنع الآخرين بصورة مخالفة للواقع، مثل أن يدعي الابن أنه من أبناء الطبقات العليا للمجتمع، ويبني قصصا محبوكة على ذلك، كلها من صنع خياله، وكذلك الأكاذيب التي تكون بدافع الانتقام من آخرين أو سعيا للإيقاع بهم.

‪بعض الأطفال‬ يؤلفون (مواقع التواصل)
‪بعض الأطفال‬ يؤلفون (مواقع التواصل)

وهناك حالات أخرى قد لا تستدعي مواجهات مباشرة، لكنها تتطلب إجراءات للوقاية من آثارها ومنع تكرارها وتحولها إلى عادة دائمة، مثل الكذب الذي يؤلفه الأطفال بسرعة عندما يحاولون الدفاع عن أنفسهم في مواجهة الاتهام، فهذه الأكاذيب لا تقبل، والتخلص منها يكون بحكمة الوالد في تحويل الابن إلى قول الصدق، وفي اختيار العقوبة المناسبة، وفي اعتماد أسلوب التنشئة الذي يشجع الأبناء على مواجهة واقعهم وتحمل مسؤولياتهم.

وعلى المدى الطويل، أكثر الإجراءات والأساليب فعالية في التخلص من الكذب هو التربية على قيمة الصدق وتنميتها، وترسيخ الاعتقاد بأنه قيمة عليا تستحق أن تجتمع الأسرة جميعا عليها، وأن نتعاهد على إقرارها قولا وفعلا، وهذا يعني أن يقوم الوالد بدوره بصفته قدوة صالحة وموجها مقنعا، فهذا يعين الابن على تكوين تصور متكامل عن الحياة، والسعي لاتخاذ الرشد سبيلا، واعتماد القيم التي سيحملها زادا له في معركته مع الحياة.

*مختص في علم النفس التربوي

المصدر : الجزيرة