جينوار.. قرية خاصة بالنساء في شمال سوريا

قرية النساء شمال سوريا
تتألف القرية من خمسين مبنى، ثلاثون منها مخصصة للسكن والباقي أبنية خدمية (الجزيرة)

شفان إبراهيم-الحسكة

في حديقة "جينوار" (أي موطن المرأة باللغة الكردية)، تراقب بدرة (35 عاماً) أبناءها السبعة وهم يلهون بفرح.

تروي بدرة المتحدرة من بلدة الشدادي شمال شرقي سوريا، كيف انتهى بها المطاف منذ شهرين في قرية مُخصصة للنساء فقط، بعد توسع رقعة الحرب ومقتل زوجها المنضوي في وحدات حماية الشعب، حيث لم يبق لها معيل.

وتقضي بدرة وقتها في مجموعة من الأعمال، وتصف حالها فتقول "أخبز في الفرن، أو تربية الأغنام، أو زراعة بعض الخضراوات.. لا أحتاج إلى أيّ شيء، وأبنائي لا ينقصهم شيء.. أنا وأطفالي سعداء هنا".

وتوضح أن والديها يقطنان في دمشق، وأن إخوتها لهم من المشكلات والفقر ما يمنعهم من تربية أبنائها. كما رفضت عائلة زوجها استقبالها، لكن منظمة "أسايش المرأة" الكردية عرضت على بدرة فكرة الالتحاق بالقرية. تقول "بقي أبنائي أكثر من سنة بدون دراسة، وتراكمت الديون وزادت المصاريف، ولم يكن لي أيّ معيل سوى راتب زوجي".

قرية النساء شمال سوريا (الجزيرة)
قرية النساء شمال سوريا (الجزيرة)

حكاية جينوار
وتشرح المشرفة على القرية "رومت" السبب وراء بنائها "تعاني المرأة من مشاكل وضغوطات وظلم كبير في المنطقة بسبب عقلية الأزواج".

بدأ بناء القرية رسميا في ريف الدرباسية بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا منذ 10 مارس/آذار 2017، بعد عامين من النقاشات.

لذا وبعد نقاشات طويلة قررت منظمة "مؤتمر ستار" النسائية وبالتعاون مع كلية "علم المرأة" في الحسكة العمل على إيجاد "مكان خاص بالنساء المعنفات أو الراغبات في العيش بعيداً عن ظلم الرجل والضرب".

وبحسب رومت فإن جميع نزيلات القرية هن "زوجات الشهداء، أو من توفى أزواجهن ويعانين من الظلم في بيوت الأهل أو أهل الزوج"، كحال أميرة.

حكاية أميرة
تنحدر أميرة (37 عاما) من قرية "حاج أوغلي" في مدينة الدرباسية، وبعد وفاة زوجها منذ سنة تقريبا، لم تعد تستطيع تلبية متطلبات أبنائها الخمسة وتأمين حاجياتهم المدرسية، فقررت اللجوء إلى "قرية المرأة".

تقول أميرة "شاهدت القرية عبر التلفاز، فعرضت عليهم العيش هناك، ووعدوني بأن يمنحوني بيتاً حين الانتهاء من البناء".

تواصلت إدارة القرية مع أميرة، وهي تعيش الآن في منزلها المؤلف من أربع غرف ومنافع مجهزة بكل ما يلزم أفراد عائلتها. ويحق لها استقبال الضيوف حتى قدوم المساء، و"استقبلت عائلتي مرتين منذ وصولي إلى هنا.. أشكر إخوتي لتفهمهم وضعي".

ويُتابع أبناء أميرة تعليمهم في المدرسة، وهي تعمل كبائعة في كشك القرية، ولا تخفي أنها في البداية كانت خائفة قلقة، وكانت تتساءل "كيف يمكن للنساء العيش بمفردهن؟ ومن يحميهن ويؤمن لهن حاجياتهن؟ لكنني الآن سعيدة وأعيش برفقة أبنائي ونساند النساء الأخريات".

نظام العائلة
ترى رومت أن "نظام العائلة اليوم لا يخدم المجتمع، بل يخدم الدول والأنظمة فقط، ولا نستطيع أن نغير العائلة كلها، وكل ما حولنا يعكس عدم المساواة بين الرجل والمرأة، لذلك لا بد من حماية المرأة وفكرها وحريتها".  

كما أنهم استشاروا النساء قبل تنفيذ الفكرة "دخلنا إلى بيوت الشهداء والأرامل وكل من يرغبن في العيش معنا، وسألناهن: هل يردن المجيء؟!".

بناء القرية بدأ رسميا يوم 10 مارس/آذار 2017 بعد عامين من النقاشات (الجزيرة)بناء القرية بدأ رسميا يوم 10 مارس/آذار 2017 بعد عامين من النقاشات (الجزيرة)
بناء القرية بدأ رسميا يوم 10 مارس/آذار 2017 بعد عامين من النقاشات (الجزيرة)بناء القرية بدأ رسميا يوم 10 مارس/آذار 2017 بعد عامين من النقاشات (الجزيرة)

معارضة الفكرة
أما السيدة إيمان أم إبراهيم (50 عاماً) فتعارض فكرة القرية وترى فكرتها مشابهة لفكرة الرهبنة في الديانة المسيحية وتقول "لا رهبنة في الإسلام، وهو استخفاف وإجحاف بحق المرأة.. لا قيمة للأنثى بدون زوجها، والعكس صحيح".

وتتصور أم إبراهيم أن هناك العديد من الطرق لحل المشاكل بين الزوجين وحماية الأسرة، "بدلاً من تأسيس ما يُشجع المرأة على الهروب.. بل يجدر بهم تشجيع الحوار والتواصل بين الزوجين وإنشاء مراكز للتنمية المهنية والفكرية، بدلاً من محاولات استقطاب النساء وهدم الأسرة".

وتتساءل عن مصير الأبناء المحرومين من حنان الأب "من سيعوضهم عن أبيهم؟ وكيف للأب أن يكتفي برؤية أبنائه في قرية نائية بين الحين والأخر؟ الأسرة عماد المجتمع ولا بد من الحفاظ عليها".

غير أن رومت تقول "لا نلزم أي واحدة بالمجيء أو البقاء في القرية.. هن حرات".

مكونات القرية
وتتألف القرية من خمسين مبنى، ثلاثون منها مخصصة للسكن، والباقي موزعة ما بين فرن ومدرسة ومستوصف ومستودع وأكاديمية تعليمية ومقر إداري. وتسكنها حالياً 14 امرأة برفقة أطفالهن البالغ عددهم 27 من المكونين العربي والكردي.

المصدر : الجزيرة