نساء بغداد وعمليات التجميل.. وجوه مكررة وملامح متشابهة

إحدى الفتيات التي تخضع لعملية تجميل في إحدى مراز التجميل في أربيل
اهتمام المرأة بجمالها غريزة فطرية منذ فجر التاريخ ولا تختلف المرأة العراقية عن نظيراتها من نساء العالم في ذلك (الجزيرة)

شذى علوان-الجزيرة نت

بين عمليات التجميل والهوس بالجمال مهما كان مصدره، وكيف كانت نتائجه، ربما لا يختلف اثنان على أن اهتمام المرأة بشكلها وأناقتها وجمالها والتباهي بزينتها غريزة فطرية منذ فجر التاريخ، ولا تختلف المرأة العراقية عن نظيراتها من نساء العالم في ذلك.

إلا أن غير الطبيعي –كما يراه البعض اليوم- هو كثرة الإقبال على مراكز التجميل ببغداد للقيام بتغيير ملامح الوجه وإبراز بعضها أو تصغير وتكبير البعض الآخر، في رحلة للبحث عن الجمال، ضمن جدول تكاد تحافظ عليه المرأة بشكل دوري، رغم حداثة تجربة هذه المراكز.

‪فتاة تخضع لعملية تجميل في أحد مراكز التجميل في‬ (الجزيرة)
‪فتاة تخضع لعملية تجميل في أحد مراكز التجميل في‬ (الجزيرة)

عمليات التجميل
أروى مصطفى إحدى المتعاملات مع هذه المراكز تحدثت عن تجربتها مع عمليات التجميل قائلة إن الجمال اليوم أصبح مطلبا وضرورة اجتماعية بالنسبة للفتيات لعدة أسباب؛ من أهمها أن سوق الوظائف المختلفة أصبح لا يتقبل العاملات فيه ما لم يحملن ملامح جذابة وشكلا جميلا، بغض النظر عن الثقافة التي يمتلكنها والتحصيل الدراسي والمهارات الأخرى، "حتى لو كان هذا الجمال مؤقتا أو مصطنعا".

فرص الزواج
وتضيف للجزيرة نت أن فرص الزواج لمرتادات هذه المراكز أعلى وأفضل في ما لو قورنت بأخريات أقل حظا من الجمال، لأن معايير شباب اليوم تغيرت في اختيار شريكات الحياة، حيث كانت الأجيال السابقة أكثر اهتماما بالتربية الجيدة والنسب الرفيع ومهارات الطبخ، وحتى التحصيل الدراسي والتفوق العلمي.

وتحكي أروى عن خوضها غمار تجربة التجميل، حيث إنها ترددت كثيرا قبل أن تجازف بالقيام بعملية لتعديل أنفها ونفخ شفتيها، لكنها قررت المضي في ذلك لتبدو اليوم أكثر جمالا وشبابا وثقة بنفسها وشعورا بالرضا، على حد قولها.

‪فتاة تخضع لعملية تجميل في أحد مراكز التجميل في‬ (الجزيرة)
‪فتاة تخضع لعملية تجميل في أحد مراكز التجميل في‬ (الجزيرة)

إدمان وتجارب
الشابة هديل ثامر تحكي عن تجربتها الفاشلة مع الحقن التجميلية، التي أدت إلى تشويه ملامح وجهها الناعمة، وتبديلها بأخرى أكثر خشونة لا تتلاءم مع حجم وشكل وجهها، مما سبب لها عزلة حادة لحين انتظار انتهاء الجمال المؤقت وعودة ملامحها إلى طبيعتها، متحدثة بحسرة وألم عن جمالها الطفولي والبريء الذي ضيعته الحقن، كما تقول.

تجميل يشوه!
عاملون في بعض مراكز التجميل في بغداد قالوا إن الإدمان على التجميل هو الذي يمكن أن يشوه ملامح الفتيات وليست العمليات التي تجري بشكل طبيعي وغير مبالغ فيه، وبحسب خبيرة التجميل ماري الجبوري -صاحبة مركز ماري للتجميل ببغداد- فإن عامل الغيرة حوّل هذه العمليات إلى موضة تشبه شراء "الإكسسوارات" أو الملابس الجديدة.

وجوه على الموضة
وباتت من المألوف مشاهدة فتيات يطلبن إجراء عمليات تجميلية معينة، رغم أنهن لسن بحاجة إليها، بحجة أن أشكال وجوههن لا تتناسب مع الموضة، حيث تسعى بعضهن إلى تعديلات تجعلهن أشبه بأسماء مشهورة في عالم الفن.

وأضافت الجبوري أن هذه العمليات تمثل بريق أمل لحالات يعاني أصحابها من مشاكل تستدعي تدخلا جراحيا لمعالجتها، كمن يعانون من تشوهات أو حروق أو سمنة مفرطة أو كسر بعظم الأنف أو الفك وغير ذلك.

وإجراء هذه العمليات يمكن أن يحدث تغييرا واضحا ويسهم في تحسن أوضاعهم النفسية وزيادة ثقتهم بأنفسهم، وممارسة حياتهم بشكل طبيعي. 

لفت الأنظار
الباحثة النفسية الدكتورة أفراح الزبيدي اعتبرت أن تعزيز ثقة المرأة بنفسها والشعور بالارتياح النفسي مقترن بظهورها في مظهر جميل ولائق لدى الآخرين، لكن محاولات الحصول على الجمال شيء والمبالغة في العبث بالشكل من أجل لفت الأنظار شيء آخر.

وتضيف أن الذائقة الفقيرة لبعض الفتيات باتت تثير النفور لدى الكثيرين، حيث إن استفحال ظاهرة ارتياد الفتيات مراكز التجميل في الآونة الأخيرة أنتجت أشكالا متشابهة إلى حد كبير، بسبب الطريقة المكررة التي يتم التعامل بها مع جميع الحالات.

‪الأجهزة المستخدمة في عمليات التجميل في أحد المراكز‬ (الجزيرة)
‪الأجهزة المستخدمة في عمليات التجميل في أحد المراكز‬ (الجزيرة)

الظفر بالجمال
ورغم أن النفس البشرية تميل إلى الجمال، وتحقيق نشوة شعور الشخص بكماله وتميز شكله، مما يجعله قادرا على مواصلة حياته بشكل أكثر إيجابية وفاعلية؛ فإن الإفراط في الحصول على ذلك يمكن أن يخلف قباحة وبشاعة وتشوها لا حدود له، بحسب تعبيرها.

وتؤكد الزبيدي أن الوضع الاقتصادي الحرج، وتفشي البطالة في العراق، قد سببا شرخا في العلاقات الاجتماعية بسبب محاولات النساء الظفر بالجمال مهما كلف الأمر، رغم الأثمان الباهظة التي تصرف على هذه العمليات التي تستنزف قوت الأسر، فضلا عن الشعور السلبي للمرأة التي لا تستطيع تحقيقه، وانعكاس ذلك على العلاقات العائلية، وفق ما ترى.

مبالغة وتقليد
مختصون وباحثون اجتماعيون حذروا من مغبة التمادي في المبالغة بعمليات التجميل وتبديل الوجوه بأخرى أكثر جمالا، وبلوغ الظاهرة مرحلة خطيرة لتشمل حتى بعض الرجال، حيث بات الكثيرون منهم يبحثون عن شباب دائم، إلا أن عددا لا يستهان به منهم تشوهت ملامحهم وباتت غير مقبولة اجتماعيا.

الباحث الاجتماعي أحمد الزبيدي تحدث للجزيرة نت عن أسباب انتعاش هذه الظاهرة مؤخرا، والمبالغة فيها، وأرجعها إلى سطحية التفكير والمستوى الثقافي لدى بعض النساء.

واعتبر أن غياب الهدف وزيادة أوقات الفراغ ومتابعة نجمات الفن والدخول إلى عوالمهن الضيقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولة التقليد "الأعمى" للجميلات؛ أدى كله إلى هذا الهوس المبالغ فيه، وفق تعبيره.

‪إحدى صالات عمليات التجميل في أحد المراكز بأربيل‬ (الجزيرة)
‪إحدى صالات عمليات التجميل في أحد المراكز بأربيل‬ (الجزيرة)

وشهدت بغداد خلال السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في أعداد مراكز التجميل، وارتفاع نسب الإقبال عليها من مختلف الأعمار، رغم وفاة عدد من صاحبات هذه المراكز في ظروف غامضة، إلا أن السؤال الأبرز الذي يطرحه البعض: هل أصبحت عمليات التجميل ضرورة ملحة لا تستقيم الحياة بدونها؟ أم أنها زوبعة ستنتهي سريعا بانتهاء نتائجها؟

المصدر : الجزيرة