كيف بلغ هوكينغ بالفيزياء أقصى الحدود؟

Physicist Stephen Hawking sits on stage during an announcement of the Breakthrough Starshot initiative with investor Yuri Milner in New York April 12, 2016. REUTERS/Lucas Jackson
"مفارقة المعلومات" التي توصل إليها هوكينغ أرقت كثيرا من علماء الفيزياء النظرية حتى اليوم (رويترز)

قال الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ -الذي توفي عن 76 عاما- العام الماضي إنه يريد أن "يلهم الناس في جميع أنحاء العالم أن ينظروا عاليا إلى النجوم لا إلى موضع أقدامهم"، وكان هوكينغ -الذي ترأس حتى عام 2009 كرسيّا في جامعة كامبريدج كان يشغله إسحاق نيوتن- في مكان فريد ليكون هذا الملهم.

ورغم إصابته بمرض التصلب الجانبي الضموري، الذي يؤثر على الخلايا العصبية المسؤولة عن الحركات الإرادية ما يؤدي إلى الشلل بشكل تدريجي، أظهر هوكينغ حدة ذهن واضحة، وكان طموحه فهم حقيقة الكون، ومشاركة ما يكتشفه من عجائب.

وبناء على ذلك حاول في وقت مبكر من حياته المهنية أن يجمع بين حقلين متوازيين في الفيزياء: عالم دون الذرة للفيزياء الكمية، والمقياس الهائل للكون، الذي يتشكل أساسا بفعل الجاذبية. وتعتبر الثقوب السوداء جبابرة الجاذبية في المشهد الكوني، التي لا يمكن حتى للضوء أن يهرب منها.

ومن خلال تطبيق حسابات الفيزياء الكمية على الثقوب السوداء، حسب هوكينغ أنها ستسرب الطاقة (الإشعاعات). و"إشعاعات هوكينغ" -كما أصبحت تعرف- ستؤدي في نهاية المطاف إلى تلاشي الثقب الأسود ومعه كافة المعلومات في داخله. وهذا الذي اكتشفه أصبح يعرف بـ"مفارقة المعلومات"، وكان ذلك مشكلة كبيرة لأنه يكسر قانون بقاء المعلومات الذي يفترض أن المعلومات (الطاقة) لا تفنى ولا تُستحدث من العدم، ولكن يمكن تحويلها من صورة إلى أخرى.

هذه النظرة الرياضية المزعجة ظلت تطارد وتفرق أقرانه، وقال أحد أكاديميي جامعة هارفارد مؤخرا إن ورقة هوكينغ عام 1976 حول هذا الموضوع تسببت في "ليالٍ من الأرق كثيرة بين علماء الفيزياء النظرية أكثر من أي ورقة أخرى في التاريخ".

ويستمر القلق مع نظرية "إشعاع هوكينغ" التي تحرك علم الكونيات، فعلى الرغم من أنه يستحيل تقريبا رصد هذه الظاهرة في ثقوب سوداء حقيقية، فقد ادعى باحثون عام 2016 أنهم اكتشفوا هذا التدفق من ثقب أسود صناعي. ومع ذلك يعتقد كثيرون بأن النسخ المختبرية لا تقدم شيئا عن ظروف الثقوب السوداء الأصلية، ويُعتقد بأن عدم وجود تأكيد ملموس لهذه النظرية هو السبب الرئيسي وراء عدم فوز هوكينغ بجائزة نوبل،. كما ألقت أبحاث هوكينغ أيضا الضوء على النسبية والانفجار العظيم.

وما يزال العلماء يحاولون حل إشكال "مفارقة المعلومات"، وسعى هوكينغ لحل هذه المشكلة حتى النهاية، وفي الواقع شارك عام 2016 في تأليف ورقة عرضت حلا محتملا لهذا اللغز، تقول إن المعلومات تتحرك داخل وخارج الثقب الأسود عبر تخزينها على جسيمات لينة، وهي نسخة منخفضة الطاقة من الفوتونات، لكن هذا لم ينه الجدل المستمر حول الأمر.

وقلة هم من يمكنهم مقارعة هذه المفاهيم العميقة، والقيام بذلك مع عدم القدرة على كتابة المعادلات بيده أو العمل بشكل تقليدي على الحاسوب أمر مذهل، فقد أدت إعاقة هوكينغ إلى "مفهوم رومانسي" لعقل لامع عالق في جسد غير متوافق. وقد أضاف استخدام الصوت الإلكتروني بالاستعانة بقصبة هوائية إلى غموض الرجل، معززا صورة ذكاء فائق حاول كشف أسرار الكون.

المصدر : فايننشال تايمز