فلسطين تحت المجهر

منسيون خارج الوطن

فتحت حلقة برنامج “فلسطين تحت المجهر” جراح الفلسطينيين مرة أخرى، ونقلت قصص أولئك الذين فقدوا الوطن مرتين: مرة بالاحتلال وأخرى بالإبعاد.

منذ البدء، أدركنا أنَّ فيلما عن المُبعدين لن يكون بالأمر السهل، لأنهُ سيروي قصة من فقدوا الوطن مرتين. الأولى  حين احتُلَّ جهارًا نهارًا أمامهم، فاختاروا المقاومة طريقا لاسترداد ما سُلب. و نتيجة وفائهم للأرض، كان السجن أولى محطاتهم مع القضية قبل أن تلحقهم عقوبة "الإبعاد" كمرحلة ثانية من الفقدان.

الإبعاد هو السجن الأكبر الذي يذكره الناس بقشوره ويعرفه الفلسطينيّ جد المعرفة بآلامه وأشجانه. ومن خلال هذا الفيلم أردنا أن نرفع شبح النسيان الذي يلحق المبعدين، كما هو حال القضية الفلسطينية ككل، فأدرنا الكاميرا صوبهم تسرد قصصهم وحكاياهم.

حين توسعنا في تفاصيل حكايا المُبعدين، وجدنا كُل واحد منهم يحوي في داخله ألف قصة.  فكان لزاما علينا ملء هذه الثغرة التاريخية في الواقع الفلسطيني، وهو ما خلق تحديا جديدا أمامنا ممثلا في القدرة على سرد تفاصيل الألم الدقيقة، والإلمام بتفاصيل الأحداث التاريخية دون إسهاب أو انتقاص خلال زمن محدد هو مدة الفيلم، بالشكل الذي يسمح لهذه اللوحة الإنسانية بالتشكل غير منقوصة الألوان.

غدت الصورة وكأنها مقطوعة موسيقية بعزف متفرد أساسه الصدق المنبعث من عيون المعنيين دون تملق للكاميرا أو وجل من حضورها. كان لابد للوجع أن يُعلن هيمنته وأن تُخط به حروف وكلمات رسالة جماعية واضحة مفادها أن الإبعاد كرس الانتماء لفلسطين وزاده ترسخا وتجذرا، عكس ما سعت إسرائيل إلى تحقيقه من تبني تلك السياسة من إلغاء فلسطين في أعماق المبعدين. لقد غاب عن ذهنها أن فلسطين سكنت قلوب مُحبيها، وأن البُعد لن يزيدها إلا حضورا.

كثيرة كانت التفاصيل في الكواليس دون أن تلقى طريقها للظهور في الفيلم، على أهميتها، سعيا لجعل قضية الإبعاد القصة المركزية ودرء تشتيت انتباه المتفرج عنها. لكن تلك التفاصيل لن تمحى من ذاكرتي ومن ذاكرة فريق العمل، فقد شاركنا ضيوفنا الدمعات كالبسمات. فتحوا أمامنا دفاتر حياتهم وسمحوا لنا بالاطلاع على أدق التفاصيل التي حوتها ذاكرتهم وما يحملون من صور وذكريات حاولنا في الفيلم إنعاشها وإحياءها.

في بعض المقابلات، ينتابك شعور عال بالمسؤولية، يصير معه همك الأكبر أن تحيا أطول لِتَرُدّ لهم بَعضا مما سُلِب منهم ومنا حتى إن روحي أصبحت تخجل من أوجاعها بل تستصغرها في حضرة أوجاعهم!

الأمل أن يكون هذا العمل مساهمًا في استكمال مسيرة إثبات الجرائم الإسرائيلية المتكررة والمنتهكة للحقوق الدولية في حق الشعب الفلسطيني. وحتى لا يكون الصمت خيار الجميع كان فيلم "منسيون خارج الوطن!".

مخرجة العمل: بهية نمور