فلسطين تحت المجهر

غزة.. الصورة الأخيرة

انفردت حلقة (27/4/2016) من برنامج “فلسطين تحت المجهر” بنقل قصة استثنائية لصحفي ومسعف من غزة، كرّسا حياتهما لنقل معاناة أهلها، لكنهما استشهدا خلال الحرب الإسرائيلية عام 2014.

خلال الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 لم يكن أحد يتوقع كم سيستمر العدوان وعن ماذا سيسفر، ومع مرور الوقت، تأكد أن العدوان مستمر أياما طويلة، فانتابني شعور المقصر، مثل الطبيب الذي لم يذهب إلى عمله مقصرا في إسعاف المرضى، أو المقاتل الذي يملك بندقية  لكنه تخاذل في الذهاب إلى جبهة القتال لأداء الواجب.

كان الزميل المصور خالد حمد يعمل ضمن بحث تخرج عن الاستهداف في الحروب، وكنت مهتما بتوثيق قصة المسعفين خلال العدوان الإسرائيلي، وعملت وإياه سويا لصناعة ما كنا نهدف أن يكون "فلما وثائقيا"، وتابعنا قصة مسعف بحد ذاته هو "فؤاد جابر".

كانت الحرب قد بدأت وطال أمدها وكنا نتابع ونرصد عن كثب تحديات عمل المسعفين في ظل القصف المتواصل وحالة الاستهداف التي كانوا ضحية لها ومعها حيثيات الحرب  ومآلاتها.

يوم الأحد الموافق لـ 20 يوليو/تموز عام 2014، وفي أوج الحرب المتواصلة، فقدت  الاتصال بزميلي خالد، الذي كان في مهمة تصوير مع المسعف فؤاد جابر في حي الشجاعية، الذي شهدت يومها مجزرة في حق السكان المدنيين. مرت ساعات أربع من انقطاع الاتصال دون أية أخبار عن خالد وفؤاد.

وقتها  جاءني المسعفون  وبيدهم "كاميرا خالد"، فهمت فورا مصير "صاحب الكاميرا"، استشهاد خالد حمد وفؤاد الجابر وهما يمارسان عملهما من أجلنا جميعا.

استشهد صاحب الكاميرا، لكن الأخيرة لم تتكسر، فحملت معها صورا توثق للحظات الأخيرة من حياة خالد ورفيقه المسعف فؤاد قبل استشهادهما. كان واضحاً لدي أن خالد وثق أحداث ذلك اليوم منذ لحظات  القصف الأولى الذي كان استهدف المسعفين وسيارات الإسعاف. وما هي إلا دقائق حتى وجهت لخالد وزملائه قذيفة مباشرة أنتجت  مشهداً قاسياً ومؤثراً لا يضاهيه أي مشهد تخيلي درامي يمكن أن يوكل لمخرج مهما بلغ من الإبداع إنجازه. 

 وهكذا تدخل القدر لتغيير مسار الفيلم الأولي الذي سعينا أنا وخالد لإنتاجه ليتحول إلى فيلم يجمع حياة الصحفيين والمسعفين بعضا ببعض بدل الاقتصار على وجه واحد لتحديات العمل أثناء الحروب.

وتحول "خالد" من مشارك في "صناعة" الفلم إلى "قصة الفلم" وصارت  المهمة الملقاة على عاتقي أن أصنع فيلم يوثق يوميات مصور صحفي ومسعف طبي جمعهما قدر الحرب الإسرائيلية على غزة، لنقل معاناة الناس والتخفيف منها فدفعا حياتهما ثمنا لذلك.

وقد قضيت أكثر من عام وأنا أعمل على هذا الفيلم، وأقابل عائلات الشهيدين، وأوثق قصتهما من البداية، ووقع الاستشهاد على عائلتهما اليوم، وأزور قبرهما، وأمشي على خطى القصة لحظة بلحظة.

وكان دعم فريق برنامج "فلسطين تحت المجهر" في الدوحة من الاقتناع بالفكرة من اللحظة الأولى إلى مصاحبتي في كل خطوات العمل والمونتاج، وملاحظاتهم التفصيلية، مما جود هذا العمل كثيرا، وكل من عمل في هذا العمل يهدي هذا الفلم لروح الشهيدين خالد وفؤاد.