العراق ما بعد الحرب

دور المسجد في العراق

كيفية التعامل مع القضية الطائفية وأثرها على مستقبل العراق، دور الوحدة بين الطوائف العراقية في مواجهة أعمال السلب والنهب، دور المسجد في العراق تجاه مستجدات ما بعد الحرب، دور المسجد في مواجهة علمانية المرحلة القادمة في العراق.

مقدم الحلقة:

ماهر عبد الله

ضيوف الحلقة:

الشيخ فاتح كاشف الغطاء: ممثل الحوزة العلمية في بغداد
د. محمود خلف العيساوي: أستاذ بالجامعة الإسلامية – بغداد
د. أنيس الراوي: أستاذ جامعي ورئيس جمعية الشباب المسلمين

تاريخ الحلقة:

02/05/2003

– كيفية التعامل مع القضية الطائفية وأثرها على مستقبل العراق
– دور الوحدة بين الطوائف العراقية في مواجهة أعمال السلب والنهب

– دور المسجد في العراق تجاه مستجدات ما بعد الحرب

– دور المسجد في مواجهة علمانية المرحلة القادمة في العراق


undefinedماهر عبد الله: سلامٌ من الله عليكم، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج (العراق ما بعد الحرب) والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من العاصمة العراقية بغداد.

بغداد التي لا تزال تبحث عن تعريف لنفسها، تبحث عن دور لنفسها، نتمنى أن تجد هذا الدور في المستقبل القريب، في الأيام الماضية التي تلت الاحتلال -إذا كان هذا هو الاسم الصحيح لما يجري في بغداد اليوم- كان للمسجد دور متميز ربما لم يتوقعه البعض، ربما اعتقد البعض أنه بولغ في.. في إبرازه، سنحاول في هذه الحلقة تسليط الضوء على دور المسجد، ما إذا كان له دور أساساً، ما إذا كان هذا الدور سيستمر أم لا، ما إذا كان يسبب إزعاجاً للبعض فهناك الكثير من الأصوات التي تتعالى صريحة بضرورة تحييد الدين عن الحياة السياسية القادمة في العراق.

لمناقشة هذا الموضوع يسعدني أن يكون معي على يساري فضيلة الشيخ فاتح كاشف الغطاء (الحاصل على الماجستير في الفقه والعلوم الإسلامية)، وإن كان تخصصه الأساسي الجامعي كان في الكيمياء وهو ممثل الحوزة العلمية في بغداد، وطالب بحث خارج، وإن كنت لا أدري ماذا تعني هذه العبارة بالدقة؟ وربما..

فاتح كاشف الغطاء: تحتاج حلقة خاصة.

ماهر عبد الله: نعم، ثم على يساره الدكتور محمود خلف العيساوي، والدكتور محمود (أستاذ جامعي وخطيب في جامع الشيخ عبد القادر الجيلاني) الذي يصر العراقيون على تسميته بالجيلاني، على يساره الدكتور أنيس مالك الراوي (رئيس جمعية الشبان المسلمين وأستاذ الكيمياء الذرية في جامعة بغداد)، أهلاً وسهلاً بكم في (الجزيرة).


كيفية التعامل مع القضية الطائفية وأثرها على مستقبل العراق

يعني بدايةً كان هناك تخوف شديد يعني ولنكن صرحاء في هذا النقاش، كان فيه تخوف شديد من المسألة الطائفية في العراق، العراق ربما كان البلد العربي الأكثر تنوعاً طائفياً ومذهبياً وعرقياً، وكان هناك رهانات ليس هناك تخوف.. تخوف من جانب العربي المسلم، لكن كان هناك رهان غربي، رهان أميركي تحديداً على أن الصراع الطائفي قد يكفي الأميركان موؤنة الكثير من القتال، 20 يوم بعد الاحتلال لا تكفي للحكم على الأشياء، لكن من حيث ترون وأنتم أهل البلد، كيف تم التعامل مع القضية الطائفية؟

لماذا لم نرَ -وهذا ليس بالضرورة سؤال تشكيكي يعني- لماذا لا نر الفتنة الطائفية التي كثُر الحديث عنها؟ وعندما نتحدث عن الفتنة الطائفية.. نحن نخشى الخشية من الطائفة الشيعية تحديداً، شيخ فاتح ما هو مبررات.. ما هي مبررات الخوف من الطائفة الشيعية على مستقبل العراق التي سبقت الحرب؟ ولماذا لم نرَ ما يشجع هذا الخوف اليوم؟

فاتح كاشف الغطاء: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائنا أجمعين من الآن إلى قيام الساعة يوم الدين، أما بعد:

بالحقيقة موضوع الطائفة الشيعية اتخذت صراع بعيد في التاريخ، وأرست شيء في التاريخ الإسلامي أنا لا يعنيني الماضي، ولكن أتكلم على.. على الماضي القريب كأيام الدولة العثمانية وسياسة التتريك، وما كان لها دور الطائفة الشيعية، أو.. أنا لا أسميها طائفة على كل، أتنزه وأنا أقول طائفة، في عملية توحيد والتئاف [ائتلاف] والتمام وملائمة وموائمة مع الطوائف الأخرى أو المذاهب الأخرى في سبيل الوقوف أمام سياسة التتريك أولاً، ثم جاءت.. جاء الحدث الكبير حديث.. حدث ثورة العشرين وقيام المسلمين حقيقة في هذه الثورة، والنظام الملكي وقيام النظام الشيوعي أيام عبد الكريم قاسم، وكان للدين دور كبير في ذلك في.. في تفتيت حكمه، وما إلى ذلك من أدوار إلى أن نأتي إلى موضوع 68 ونظام البعث ونظام صدام حسين أساساً واتخاذه هو جانب الطائفية، يعني نتذكر بالسبعينات إنه كانت تقوم عاشوراء كانت احتفالات تقوم بين جميع يعني يأتي عندي من المذهب السني يأتي عندي من المسيحي أيضاً يحضر هذه.. ولكن جاءت ثورة.. الثورة الإسلامية في إيران، حرب إيران، واتخاذ صدام حسين هذا الموقف الذي أراد أن يفرض هذه الطائفية من خلال الحرب التي كانت، وبالحقيقة دور صدام حسين هو دور ما سبق، هي محاولة استعمارية، محاولة خارجية، محاولة مستوردة لفرض الطائفية، لفرض فروقات بل لنكن أكثر صراحةً، فرض على المسجد بالخصوص الذي هو عنوان حلقتنا، فرض من.. من.. من يركز مثل هذه الطائفية، إن كان على المذهب الشيعي وإن كان على المذاهب الأخرى، الجميع يعرفون من الإخوة الموجودين هنا، أنه الكثير من أنه كثير من.. كثير في سنات.. في سنوات الثمانينات والتسعينات كان يفرض إمام المسجد وإمام الجامع خطبته وطريقة الخطبة، وحتى شخصية هذا.. هذا الإمام على الجامع وعلى المسجد، لكي يركز هذا الأمر، وأكثر من هذا حتى اتخذت الأنظمة طرق معينة في التوظيف في هذه الأمور، وحتى بكثير لفصل المجتمع، الحقيقة إنه أميركا بطغيانها وباحتلالها تصورت إنها ستلعب على هذا الوتر، لعبها على هذا الوتر لأجل -صراحة لنقل- وصلتها رسائل خاطئة، لأن على السطح من كان بارزاً هو كان بارزاً من قِبل النظام ليس من قِبل الشعب، أنا كمسلمين، من قِبل الشعب هناك لقاء الأستاذ أنيس أستاذي في كلية العلوم، وملتقي.. وكان شجاع جداً في الثمانينات، نعم أنا كنت في ذاك الوقت، علينا نوع من الضغط كان شجاع حتى وكان مستبعد، الأمر ليس شيعياً وإنما من يريد أن يتكلم بالمعنى أو بالفكر الإسلامي كان مستبعداً، كانت هناك حالة من فرض من..

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طب، اسمح لي نسمع من الدكتور محمود، دكتور محمود هل كان الخوف من الصراع الطائفي مفتعلاً أم كان حقيقياً؟

د. محمود خلف العيساوي: بسم الله.

ماهر عبد الله: خصوصاً لمسنا وحدة وطنية يعني لم تكن متوقعة.

د. محمود خلف العيساوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

في الحقيقة الكلام عن الطائفية في العراق، كلام فيه شيء من المبالغة جداً جداً أبداً يعني، الطائفية في العراق بدأت تتلاشى، ومن الأمور التي كادت أن تقضي على الطائفية هو النظام البعثي الصدامي، النظام البعثي الصدامي نظام علماني، لم يكن قائم على أمر عقائدي ولا على أمر طائفي، وإنما حارب العقيدة بكل مذاهبها ومن خلال اللقاء اللي كان يقوم بين شرائح المجتمع العراقي خصوصاً في الجامعات وفي المعسكرات، ومن خلال عملي كتدريسي في الجامعات، كنا نلتقي بكافة شرائح المجتمع، كلهم يشكون من صدام ومن علاقته بالشعب، فعداؤهم لصدام وعدائهم لفكر صدام، جعلهم يفكرون بالوحدة الوطنية، فالكلام عن الوحدة الوطنية، شو اسمه.. عن الطائفية كلام مبالغ فيه أبداً مبالغ فيه، والأحداث أثبتت بأن العراقيين بمستوى الحدث، وهم بعيدون كل البعد عن الطائفية، نعم هذه متغلغلة في أذهان كثير من الناس المتعصبين الجهلة، لكن العراقي المنفتح الواعي ارتفع إلى مستوى الحدث، خصوصاً وأن هناك قواسم مشتركة كثيرة تجمع بين العراقيين.

القاسم الأول اللي هو: الإسلام، حيث أن الإسلام يقول أن ربنا واحد، وأن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- واحد وأن قبلتنا واحدة، الأمور العقائدية الثوابت نحن متفقون عليها.

هناك قاسم آخر مشترك يجمع بيننا وهو: القومية، صلة الرحم فكثير من القبائل قسم منهم في الوسط وقسم في الشمال وقسم في الجنوب، فالطبيعة فرضت عليها أن تعتنق المذهب الفلاني أو المذهب الفلاني، لكن بينها صلة رحم وبينها أواصر، فصلة الرحم قاسم مشترك آخر.

القاسم المشترك الآخر الذي يجمع بيننا هو الوطنية، والعراق حينما أصبح مهدداً وراهنت أميركا وغيرها من حلفائها على الطائفية وعلى آثارها، فشلت أيما فشل، فأظن أن الطائفية يعني مبالغ فيها كثير، وعلى الذين يبالغون في هذا الأمر أن يراجعوا حساباتهم خصوصاً وأن الميدان أثبت بأن العراقيين بمستوى الحدث وأن الطائفية -إن شاء الله- لا وجود لها، هذا ما نظنه ونلمسه وخصوصاً من خلال الزيارات واللقاءات بين أئمة المساجد من المذهب السني والمذهب الشيعي، وكل منهم يمد يده للآخر كي يتعاونوا، وفعلاً تعاونوا، تعاونوا في الخدمة العامة، في خدمة التوعية، في إرجاع الممتلكات المسلوبة، في إشغال الكثير من المساجد التي شغرت حينما انهزم كثير من الذين يعملون فيها، أيضاً كانت لهم وقفات مشرفة في وجه العدوان وأمور كثيرة وكثيرة، كل هذه تدعو إلى أن العراقيين لازالوا جسد واحد متماسكين، كثير من الأحياء مثلاً تشوف السني بجوار الجعفري ويتبادلون المنفعة العامة والمودة، ويقومان بجهد متبادل مشترك، فأظن أن الطائفية لو سمحت لي مبالغ فيها كثير، والحديث عنها كثير، والعراقيون أظنهم تجاوز هذا الأمر وفوق مستوى الحدث.

ماهر عبد الله: طب، نسمع من.. من الدكتور أنيس الراوي، باعتبارك لست من علماء الدين، يعني قد يكون الشيخان -واسمحوا لي على.. على الصراحة- في المحصلة النهائية، أئمة في مساجد ومضطرين أن.. أن يتكلموا بهذه اللهجة الوحدوية على اعتبار أن هذا جزء من الواجب الملقى على كواهلهم، أنت باعتبار يعني أستخدم تعبير أرجو أن تعذرني عليه من.. من عامة الناس تتصل بهم بغير أن تكون مضطراً لأن تكون إماماً، هل تلمس هذه الروح التي تحدثا عنها في الشارع؟

د. أنيس الراوي: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، بدءاً أود أن أشكر قناة (الجزيرة) لإتاحة هذه الفرصة وأشكر الأخ الأستاذ ماهر عبد الله لهذه الفرصة الرائعة، أن نتحدث إلى العالم كله من خلال هذه الشاشة الصغيرة، الحقيقة أنا الآن ألمس أن هناك تقارب كبير بين الشيعة والسنة، وذلك لأن العدو هو عدو جاءنا غريب، وإحنا لدينا مثل عامي يقول: "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب"، الآن نحن على الغريب لأن هذا الغريب محتل، ويريد كالفيروس الذي يدخل الجسم ولابد أن الجسم كله يدافع يعني عن ذلك الفيروس، فأنا أعتقد أن كل العراقيين كانوا شيعة أو سنة، نصارى أو صابئة، بعثيين أو إخوان مسلمين، أو أي طائفة يجب كلها أن تجتمع للدفاع عن هذا البلد الذي احتله فيروس رهيب كالفيروس الذي الآن يضرب الصين (سارس)، لهذا أنا أرى الآن هناك الحقيقة توحد رائع بين هذه الطوائف، وإن شاء الله هذه الحقيقة في الأزمات تجتمع.. تجتمع الأمة على خيرها إن شاء الله.

ماهر عبد الله: طيب، حتى يعني نرى كيف ينعكس هذا في.. في مركز الحياة الدينية في المسجد نستمع إلى تقرير أعده الزميل عبد السلام أبو مالك عن المسجد.. عن دور المسجد في.. في.. في الخدمة العامة، إذن مع هذا التقرير للزميل عبد السلام أبو مالك.

*****

تقرير/ عبد السلام أبو مالك: ربما كانت المساجد في العراق هي المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تواصل أداء رسالتها بشكلٍ كامل، بل يمكن القول بأن دورها الآن بعد انهيار النظام السابق أصبح أكثر أهمية مما كان عليه خلال وجوده، فالمساجد والحسينيات تحولت إلى مستودعات لإعادة الممتلكات المسروقة إلى أصحابها، والخطباء يقودون حملة توعية وتعبئة لكي يعيدوا الأمور إلى نصابها جامع أم القرى في حي العدل هو ذات الجامع الذي كان حتى عهد قريب يعرف باسم جامع أم المعارك، وهو تحفة في فن العمارة الإسلامية، ولم يمضِ على افتتاحه سوى سنتين، وقد تطوعت مجموعة من سكان المنطقة بحمايته والدفاع عنه ضد كل من تسول له نفسه العبث بمحتوياته، في هذا الجامع وككل الجوامع في العراق التركيز أولاً وأخيراً على الوحدة بين كل المذاهب وعدم السماح بالفرقة أو الفتنة، ولا يقل عن ذلك أهمية توضيح الأهداف الحقيقية للغزو الأميركي، وقد حذر إمام المسجد وخطيبه من ثقافة الانحلال الأخلاقي التي قال إن الأميركيين يعملون على نشرها تمهيداً لتحقيق أهداف أخرى.

د. ثائر إبراهيم الشمري (إمام وخطيب): العراقيون يريدون ويطالبون بصوت موحد عالي، بحكومة إسلامية عراقية أصيلة وطنية موحدة عاجلة وسريعة ومستقلة، من غير ضغوط أميركية ولا تخطيطات يهودية ولا بريطانية.

عبد السلام أبو مالك: ويبدو أن المساجد في العراق بدأت تستعيد دورها القديم في التحذير من مخاطر الاحتلال الأجنبي والتحريض على مقاومته.

عبد السلام أبو مالك – (الجزيرة) – من جامع أم القرى – أم المعارك سابقاً- بغداد.

*****

ماهر عبد الله: سيدي، في هذا التقرير يعني استمعنا إلى جزء كبير مختصر عن.. عن الدور الذي قام به المسجد، سؤال للشيخ فاتح..

د. محمود خلف العيساوي [مقاطعاً]: بدي إضافة يعني على..

ماهر عبد الله: الموضوع الطائفي..

د. محمود خلف العيساوي: نعم.

ماهر عبد الله: اتفضل.. اتفضل.

د. محمود خلف العيساوي: كثير من الإخوة يصور نظام صدام البعثي بأنه نظام طائفي، وهذا أمر خلاف الحقيقة وخلاف الواقع، النظام الصدامي نظام علماني ليس بطائفي، ولذا نرى أن الأذية التي لحقت بالعراقيين أذية تكاد تكون متكافئة على كل.. على كل الطوائف -إن صحت.. إن صحت التسمية- يشكو الإخوة مثلاً في الجنوب من بعض الأمور أو بعض المجازر التي حدثت في كربلاء، أو في النجف، أو في أماكن أخرى، ماذا نقول عن الذي حدث مثلاً في حلابشة في شمال العراق، أو عن الذي حدث في الأنبار، أو عن الذي حدث في الفلوجة، أو عن الذي حدث في صلاح الدين، فالعراقيون كلهم نالوا قسطاً كبيراً من الأذية التي لحقت بهم، قولنا عن النظام بأنه نظام طائفي أظن هذا بحاجة إلى مراجعة حسابات، وإنما هو نظام علماني عقائدي، له طريقه وسيره وسلوكه، ويتعامل مع الآخرين كند، على.. على كل.. على كل المستويات.

دور الوحدة بين الطوائف العراقية في مواجهة أعمال السلب والنهب

ماهر عبد الله: طيب، يعني سيدي، مشكور.. مشكور جداً على.. على هذا التوضيح، صميم موضوع المسجد إن يعني نُقلت لنا نوعين من.. من الفتوى في.. في الأزمة، في الأيام الأولى قيل إن البعض اعتبر من.. من أئمة المساجد، اعتبر أن أموال الدولة أموال عامة يجوز نهبها، على اعتبار أن الدولة هي التي أفقرتنا طوال السنوات الماضية، ثم لما اتسعت دائرة السلب والنهب تراجع من قال بهذا، ثم كانت هبة من العلماء للتحريم، هل فعلاً صدر عن البعض فتاوى تقول إن أموال الدولة أموالاً عامة مما أعطى نوع من الضوء الأخضر بسرقتها؟

فاتح كاشف الغطاء: مطلقاً لا.. لا يوجد مثل هذه الفتوى أبداً، لم يقل بها أحد، ولم نسمع بها، بالحقيقة أنا أول مرة أسمع بهذا الأمر، ولكن سمعناها من بعض الجماعة الذين لا -إن صح التعبير -من الجانب الليبرالي، من الجانب الذين هم أقل تمسكاً بالمسجد، أو لنقل إن تمسكهم بالمسجد تمسك شكلي، ليس تمسك حقيقي، وهذا في لعله بداية أول الساعات، وموضوع النهب والسلب له حيثياته وله أموره، هل إنه حقيقةً قام به العراقيون أم جماعة آخرون، هذا أمر فيه حيثيات كثيرة، ولكن المسجد لم يعطِ… أنا أقول، وأنا مسؤول عن كلامي سنة وشيعة، بل أكثر من ذلك لا يوجد مكان للعبادة في العراق كان مسيحي، حسب علمي، هو ليس حسب علمي الاستدلالي ولكن حسب علمي استقرائي، يعني مستقرئ الأمر باحث هذا الأمر، ووافق على مثل هذا الأمر، أي من كان إن كان يزيدي، إن كان صابئي، إن كان مسيحي، فضلاً عن السنة والشيعة، لا يوجد مثل هذا مطلقاً.

ماهر عبد الله: طيب حدثنا باختصار عن المبادرة التي قام بها الأئمة، وأنا يعني أريد أن أسمع من الشق الشيعي، وإحنا مضطرين للتقسيم، بس تقسيم إجرائي صرف، يعني ليس تشكيكاً بالوحدة الوطنية، ولا دعوة إلى.. إلى شقها، لكن لأنه يعني جغرافياً فبعض الأحيان فمدينة الثورة حي شيعي شئنا أم أبينا، سمها ما تشاء، لكن هو إجرائياً حي شيعي، وكان هناك تخوف.

فاتح كاشف الغطاء: حي تسكنه أغلبية شيعية، وليس حياً شيعياً.

ماهر عبد الله: نعم، طيب برضو مشكور على التفصيل.

فاتح كاشف الغطاء: نحن الآن أمام خطاب سياسي خطر أستاذ، علينا أن ننتقي الكلمة.

ماهر عبد الله: ولهذا.. ولهذا نحن نريد أن نتواصل لتوضحوا لنا نحن المراقبون من الخارج، لا نعرف لا حساسيات الموقف بتفاصيلها، لكن كان واضح إنه هناك للمسجد دور، يعني الفتاوى انهالت ولا سبيل لإنكارها، بأنه يجب وقف ما جرى من نهب، بل وفُتحت المساجد؟

د. أنيس الراوي: هو فقط أضيف إلى السيد فاتح كلام حقيقة جاء بعض السراق إلى المسجد، وأرادوا أن يعني يرجعوا ما سرقوه، فقال لهم بعض العلماء: يعني ائتوا ما سرقتموه إلى المسجد، ونحن إن شاء الله سنتصرف به، هذا.. هكذا صار يعني الشيء أمام يعني.. ولم يعطوا فتوى مثل ما تفضل السيد فاتح، لكن قالوا الذي سُرق والإنسان يريد أن يعني يخلص ذاته أمام الله -سبحانه وتعالى- ويخلص نفسه أنت (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)، فهؤلاء الناس جاءوا بما سرقوه إلى المسجد، يعني كثير منهم.

ماهر عبد الله: هو معنى هذا.. هذا سؤالي إلى أي درجة كانت هذه الفتاوى منتشرة؟

د. محمود خلف العيساوي: لو سمحت لي يعني حقيقة، إذا يسمح لي الأستاذ، في حالة سقوط الدولة حرد.. حدث فراغ، وحدث فوضى سياسية ودينية، فظهرت كثير من الأمور، كثير من الناس يفرد إياها بأي طريقة، يقول لك: أفتى لي بعض العلماء، وربما يكون هذا من أناس جهلة أو هو غير صحيح، وشاع بين الناس بأن هذا فتوى، لكن حينما رجع الناس إلى رشدهم، وسمعوا ما يقوله العلماء المسؤولون عن ذلك أفاقوا، والعلماء أظنهم مجمعون على أن ذلك حرام، ولم يقولوا بإباحته، خصوصاً وأن الإسلام يحرم ذلك، في غزوة من الغزوات رجل استُشهد في تلك الغزوة، وكان.. آخذ شملة من.. من مال الغنيمة يرتديها، فقال الصحابة: هنيئاً له الجنة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ولكنه.. ولكن الشملة التي غلها من الغنيمة تتقد عليه ناراً في جهنم" إذا كان من مال الغنيمة، وأخذها بحق غير مشروع تتقد عليه ناراً في جهنم، ما بالك بإنسان يسرق الممتلكات الخاصة والممتلكات العامة؟ ولو أفتى بعض الناس الذين حقيقة لا يعتد بهم بجواز الأخذ من الأموال العامة بحجة أنهم هذا لم يكن حكراً على أحد، هو مال الجميع، ما الذي جعله يختص به دون الآخرين؟ هو مال لـ 25 مليون من العراقيين، هو يركب سيارة، وغيره لا يركب سيارة، أظن هذه الفتوى أيضاً من الأراجيف التي قالها الأعداء، ومن الأراجيف التي أشاع لها مرضى النفوس الذين يبيحون ذلك.

ماهر عبد الله: لكن هذا كان يعني بداية الرد على.. على هذه الفتوى، الرد على عملية السرقة نفسها.. كان من ناحية أعاد دور محوري ومركزي للمسجد، ومن ناحية أخرى كان مؤشر مهم على الوحدة الوطنية لاشتراك علماء..

فاتح كاشف الغطاء: أحب أن أركز، موضوع إنه إنسان يسرق حاجة وهو في حاجة له محروم، يصعد إمام مسجد ويقول في السماعة، أو لا يوجد كهرباء حتى بغير سماعة: هذا الأمر وصلنا من فلان منطقة أو من النجف أو من الأعظمية إن هذا الأمر حرام، وتأتي هذه ما يُسمى بالمسروقات أو المنهوبات ترجع إلى الجامع، ماذا تعطي هذه الصورة؟ هذا يعطي صورة حقيقية لأميركا إن هناك التفاف حقيقي ووعي حقيقي بين الجماهير، الذي يريد البعض أن يقول إن العراقيين قد نهبوا، إن العراقيين قد سرقوا، أنا أقول إن العراقيين قد توحدوا، إن العراقيين قد تخلصوا من الأنا الذي يحملونها، توحدوا حول المسجد، توحدوا حول معنى الحرمة، وهم بحاجة لها، ما حدث في الكويت جريمة حقيقة، وما حدث في الكويت لم يكن هناك البعض محتاجين إلى مثل ما.. ما سُرق، ولكن الآن هم محتاجون حقيقة، وأرجعوا ما كانوا محتاجين له برغم احتياجهم.

ماهر عبد الله: طيب أنا..

فاتح كاشف الغطاء: عفواً.. عفوً.

ماهر عبد الله: اتفضل.. اتفضل.

فاتح كاشف الغطاء: هذا.. هذا.. هذا يعطي شرعية لي لكي أقف أمام أميركا، تعرف حدث حالة في الشرطة الرابعة منطقة الشرطة الرابعة منطقة في.. في أقاصي بغداد في غرب بغداد، أناس حي فقير، هناك جامع شيعي وجامع سني، هل تعرف إن بعض الشيعة لبعدهم عن.. عن الجامع أو الحسينية الشيعية أرجعوا ما يملكون إلى الجامع السني، هذه حالة أنا أعتز بها.

د. محمود خلف العيساوي: لأ، وأكثر من هذا فضيلة الشيخ، هناك من الشباب الشيعي يلزمه واجب في المسجد السني ويتعاون مع إخوانه.

ماهر عبد الله: طب اسمحوا لي يعني هنحكي عليها بتفصيل شديد.

[فاصل إعلاني]

دور المسجد في العراق تجاه مستجدات ما بعد الحرب

ماهر عبد الله: ننتقل الآن إلى مقتطفات من بعض.. أقوال بعض المشاهدين المواطنين العراقيين التي أيضاً أعدها لنا الزميل عبد السلام أبو مالك.

مواطن عراقي1: الحالة الصحيحة هسه اللي المطلوبة من قبل أئمة المساجد والمسجد يعني كحالة خاصة في هذا البلد إنه هو يكون حالة التوعية وبيان الحق من الباطل وكشف الحقائق اللي غمضنا عيوننا أو فُرضت أن نغمض عيوننا عنها مدة طويلة من الزمن، فعلى أئمة المساجد أولاً أن يبينون الهدف، اللي إيجا من خلاله أو لأجله المستعمر الجديد الحقيقة أو المحتل الجديد اللي أول ما قام به هذا المحتل هو تشويه صورة الإنسان في هذا البلد، من خلال السماح لحثالة من الناس بنهب وحرق ممتلكات هذا البلد بدءاً من المكتبات اللي شفتها، خاصة مكتبة.. المكتبة في بغداد وبقية المستشفيات والوزارات، يعني قامت بها حثالة من الناس مكتوب في نفوسهم وجنسياتهم إنهم عراقيين، ولكن ضعاف النفوس.

مواطن عراقي2: طبعاً دور المساجد والعلماء في هذه الفترة بالذات إلهم دور كبير ومهم جداً لتوعية كافة أبناء الشعب، الدور اللي مناط بهم في الوقت الحاضر مو بس دور في مواجهة هذا الغزو الحاقد اللي يستهدف مو بس الإسلام، إنما يستهدف كل أخلاقيات الشعب العراقي بكل فواصله، بكل مقدساته من الأخلاق.. ومن الناحية الأخلاقية، ومن الناحية الاجتماعية، وكذلك حتى من الناحية المادية لكل أبناء الشعب العراقي، الهدف كبير مو هدف صغير أبداً، الهدف كبير بكل معانيه، يحاول يتغلل في المجتمع العراقي بكل فواصله، لا من الناحية الدينية بس، ولا من الناحية الأخلاقية بس، وإنها هدف تغيير جذري بالمجتمع العراقي، المطلوب من أئمة المساجد ومشكورين عليه، ما مقصرين في هذا الاتجاه إطلاقاً من الناحية المذهبية في كل طوائفه والناحية المذهبية أقصد كسُنَّة وكشيعة، كمسيحيين وباقي الطوائف الأخرى المطلوب منهم توعيات أكثر، لأنه إحنا دا نتعامل مع عقلية أميركية مو بس عقلية أميركية، الظاهرية أميركية، بس الداخل هي صهيونية، بنتعامل مع العقلية الأميركية بمستوى عقليتهم، أئمة.. أئمتنا بالذات يجب أن يتعاملوا مع هاي العقلية بشكل أكبر من عقليتهم.

مواطن عراقي3: أني أشجع الناس هسه هو الالتفاف حول الأئمة من شان سواء سُنة أو شيعة ماكو فرق، فديني هو دين الإسلام دين واحد والرب واحد ضد هؤلاء الكفرة، لأن هادولا صحيح خلصونا من طاغية، بس هم أطغى من الطغاة نفسهم، لأن هم جاءوا لتهديم دين الإسلام وبكل معانيه، والشيء اللي صار بالبلد هم بالدرجة الأولى اللي شجعوا عليه.

مواطن عراقي4: مساجدنا.. بيوتنا عامرة، والحمد لله، هذه البيوت للعبادة لعبادة الله لا شريك له، ورفع وإيصال كلمة المواطنين العراقيين بكافة أشكالهم ومآربهم ومواردهم بأننا عباد الله، نمد يدنا بالمصافحة لمن.. لمن يمدها، ونمد سيوفنا لقطع كل يد تمتد علينا، وبنفس الوقت ننكر ونشجب هذا العدوان الغازي الذي غزا بلدنا.

مواطن عراقي5: دور المساجد هسه بها الفترة هاي الحرجة دور مهم جداً، لأن.. يعني هسه هذا الموقع الوحيد المهم اللي يوعي الناس، وبخاصة في ها الظروف هاي في ظل ها الظروف هاي، وفي ظل الاحتلال الأميركي، إحنا يعني كمسلمين نرفض الاحتلال الأميركي، يعني هذا احتلال سافر، ضرب البلد، ضرب الوجود.. يعني الدين، واللي دا نشوفه هسه.. يعني هسه نشوف أنه ما.. الاحتلال الأميركي ما سوَّى شيء، اللي دا يسويه هو دا يحل من القيم الإسلامية بشتى أنواع الطرق بالتدرج، يعني اللي أولاً هو اللي سمح بـ…، وهذا شوف يعني نظر عيني، أشوف عيني الدبابة الأميركية تيجي على موقع مثلاً حكومي أو دائرة رسمية يحطموا السياج، وبتسمح للي أخلاقهم معدومة إنه يفوت يسرق.

*****

ماهر عبد الله: دكتور محمود، يعني ما تفضلت به كان تفضل به المواطنين على المقتطفات التي استمعنا لها سوا، عايز منك يعني مزيد من التفصيل في هذه، وفي.. في غيرها من.. من مفاخر ما فعله المسجد.. المسجد السني والمسجد الشيعي، إنه كان يمكن الأسرع مبادرة إلى تنظيم الحركة، تحدثنا في الجزئية الماضية عن إعادة المسروقات، أنت تحدثت، أو كنت تريد أن.. أن تتحدث عن هل هذا المجال الوحيد المجال الأمني حراسة المساجد؟ للجان اللي تفرعت عن المسجد وقامت بأدوار خدمية في بغداد في الأيام الماضية.

د. محمود خلف العيساوي: هو الحقيقة بعد انهيار الحكومة أو النظام وانفلات الوضع الأمني بالطريقة المأساوية التي شاهدتموها وشاهدها الآخرون، لم ينبرِ لعلاج هذه المشكلة إلا المسجد ورواد المساجد، فكل مسجد أصبح دائرة خدمات متكاملة، وتفرع منها مجموعة من الشباب، كلٌ اتجه إلى العمل المكلف به، مجموعة اتجهت للحراسات العامة، حراسة الممتلكات العامة، مثلاً عندنا في.. في الفلوجة مخازن خان داري ومخازن الجرما، وأيضاً مخازن أخرى هذه مخازن فيها مواد غذائية، وفيها كميات كبيرة من الأموال الأخرى، تبرع الشباب لحراستها، ولاقوا مخاطر، ولم يسمحوا لأحد -وطبعاً كلهم من شباب المساجد- فيه مجاميع أخرى توجهت للخدمات البلدية، إزالة الأنقاض ومخلفات الحرب وانسيابية الطرق، فيه شباب آخرين اتجهوا لتنظيم المرور، تشوفه واقف متبرع ويوجه السيارات، فيه شباب آخرين توجهوا إلى المستشفيات مع كونهم لا يعرفون شيئاً عن..، ويلقى توجيه من إمام المسجد، فيه مجاميع أخرى من الشباب مثلاً توجهت لتصليح محطات الكهرباء أو محطات الماء، دا أكثر من هذا فيه كثير من شباب المساجد يحمل ماء بدناكر ويتوجه بها لتوزيعها إلى البيوت، قضية الإغاثة أيضاً، إنقاذ كثير من.. من المجروحين، حقيقة عمل المسجد ودور المسجد أنسانا المصاب اللي حل بنا، إحنا من سنين طويلة وتدغدغنا الأحلام بأن بغداد تستعيد دورها الحضاري، وترفع راية الإسلام، وتصبح مشعل نور، هذا أمر طالما.. يعني ناضلنا من أجله ودغدغ أحلامنا، وإذا بنا بين عشية وضحاها أحلامنا تذهب أدراج الرياح، وإذا..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: يعني أنا تأييداً لجزء من كلامك فيما يتعلق بخزانات المياه، بالأمس في.. في حي الحرية كنا نسير في الشارع -وهو حي شعبي- رأينا بعض الخزانات مكتوب عليها مياه الحوزة العلمية، وكانت توزع..

فاتح كاشف الغطاء: نعم، أكثر من هذا، العفو..

د. محمود خلف العيساوي: والأكثر من هذا أستاذي حينما انقطعت الحركة، الشباب هرعوا إلى أقرب مسجد قريب، سواء كان سني أو شيعي، أقرب مسجد قريب وتشوفهم يتسارعون في تقديم الخدمات، أنا بالقرب مني حي أسميه بالعراق المصغر، حي سكني حكومي، يجمع كل طوائف العراق، القوميات والطوائف الأخرى، يعني وجدناهم جسداً واحداً، كلهم هرعوا إلى المساجد تشوفه شايل بندقية ويلزم حراسات ويتحرك.. يعني حقيقة دور المسجد والوحدة الوطنية اللي انطلقت منه أنستنا هذا المصاب، وحقيقة يعني ما لا يُدرك كله، لا يُترك جُله، وجدنا أننا قد زرعنا شيئاً في المجتمع، وأن المجتمع -إن شاء الله- في دوره.

أما ظهور مثلاً حالات سلبية حرامي هنا أو قاطع طريق أو بعض الناس اللي يسلبون، أظن هذه فقاعات تجد.. توجد في كل المجتمعات، وبعدما الناس سمعوا بأن هذا حلال وهذا حرام، وبدأ الناس يوبخونهم، الضمير استيقظ بدءوا يأتون بالأموال، سواء كان مسجد سني أو شيعي يضعونه فيه، وأيضاً يسلموه إلى شيخ المسجد، وبدأت الفتوات تتوالى من علماء الجنوب ومن علماء الشمال، هناك فتوات أيضاً موحدة بخصوص هذا الأمر.

ماهر عبد الله: يعني قبل بس ما أسأل الدكتور أنيس عن رأيه بحكم الجمعية اللي تعتمد على شباب المسجد، أنا أسمع من الشيخ فاتح عن إنه الحركة هذه التي وصفت جزء منها، ووصف الدكتور محمود جزء منها هل هي حركة عفوية من شباب المسجد، لأنه متدين، لأنه ورع، لأنه تقي، لأنه حريص على بلده، أم أن هناك كان نوع من التنظيم يعني؟ هل بادرتم أنتم كأئمة للمساجد، كممثلين للحوزات العلمية إلى الطلب من الشباب، بمعنى إنه هناك فيه تنسيق، فيه تعاون، كان ممكن كل الشباب يريد أن.. أن يوزع مياه فقط، تقع في أزمة أنه ليس هناك من يحمي الشوارع، قد يكون الجميع يريد أن يحمل الرشاش ليحمي الشارع، ولكن لن يكون هناك من يوزع المسروقات وإعادتها إلى أهلها، هذا بحاجة إلى تنسيق، وهذا لا يأتي بجهد متطوع من شاب متحمس، هل قام المسجد والأئمة بدور أكبر من مجرد أن.. أن ينبهوا الناس إلى عملية تنظيم حقيقية، إنه فلان يذهب إلى هذه المهمة، وفلان يذهب إلى تلك؟

فاتح كاشف الغطاء: أستاذ.. أكو شيء، أستاذ ماهر أكو أمر، إحنا صارت انتقالة بالشعب العراقي بالذات، عند الشعب المسلم بالذات، انتقالة هي انتقالة من مرحلة المكية إلى المرحلة المدنية، المرحلة المكية كانت عذاب وأسى وكتمان وصبر، كنا يعني.. أنا كنت أحاول أن أكون قريب من الناس في ذاك الوقت، لأنهم بحاجة إلى (…) يُعتقلون، كما أنا اعتقلت في فترة من الفترات، الانتقال إلى الحالة المدنية أو الحالة اليثربية أنا أسميها هي أنه الناس أصبحت هي قريبة مني، هي تريد مني أن أكون على مستواهم، على مستوى هؤلاء الناس.

ماهر عبد الله: جميل.

فاتح كاشف الغطاء: فهي أساساً تريد ما أريد هكذا، أنت كنت تقول صلوا في تلك الفترة، صوموا في تلك الفترة، الآن نريد منك أنت أيها الشيخ أن تعمل في هذه الفترة، ماذا نعمل؟ قلت نحن رجعنا.. حتى فتحنا المستشفيات، مستشفى اليرموك مستشفى تعليمي كبير كان مغلقاً، ومهدَّماً.. ذهبت له مجموعة من عندنا، وفتحنا هاي المستشفى وكانت لا شيء، وبالحقيقة أكون صريح أنها يعني جعلنا هذه المستشفى تقف على رجليها، (جاي غارنر) يعني لقيته بهاي المستشفى، قابلته، شو تسوي هنا؟ أنت رجل دين أيش عندك هنا المستشفى، قلت أنا رجل دين جابوني الناس، فقط لكي أنظم هذه المستشفى وما أبقى بها، أرجع لمسجدي، ولكن عليَّ أن أنطلق من عمل المسجد، لكي أنظم هذه المستشفى الماء.. أحواض الماء في فترة الحرب كانت معرضة إلى ذب نوع من الفيروسات ذهبوا مجموعة من الشبان وحموا أنها تُذب نوع من الفيروسات التي كان يُقال إن النظام (سامع) بها أو الأميركان أو أي جهة كانت، عملنا هذا.. أكو.. أكو رجال دين نظفوا الشوارع بأنفسهم، لكي يكون هناك حافزاً للآخرين أن ينظفوا الشارع، رجال دين وقفوا كشرطة مرور ينظمون السير، لكي يقف الناس في هذا الأمر، انتقلنا على.. أعطيك مثلاً في مجال التعليم، فتحنا المدارس الجامع تدخل لفتح المدارس والآن المدارس تُفتح، ليس بأمر التربية، ولكن نحن نحس إنه العراق، وخصوصاً الصفوف المنتهية يعني في مرحلة خطرة، وضعاف في بعض الدروس كالإنجليزي والكيمياء والفيزياء والرياضيات، وبعدين إلها بدها دروس تقوية، وتبرعوا.. حتى تبرعوا المعلمين في.. في ذاك، ومدرسين في هذا المجال، بل أكو أكثر من هذه، المرأة العراقية هذه المرأة العراقية المغيَّبة عن الساحة هاي المرأة العراقية التي كانت أماً وكانت أختاً وكانت زوجة.

د. محمود خلف العيساوي: ولازالت.

فاتح كاشف الغطاء: ولازالت، وتحمل كل المآسي.. كل المآسي، ولا تزال الله يستر ما الذي سيحصل، ولكنها وقفت موقف شجاع، المرأة العراقية أنا لا أستطيع أن أدخل للبيت، أنا رجل، المرأة العراقية قالت أنا أتبنى هذا الأمر، أدخل بدالك وأشوف ماذا تحتاج هذه العائلة من الداخل، سوينا لجان من النساء يدخلن إلى البيوت، لكي يشوفون ماذا يحتاجون، تعرف الذي صار أنه في فترة من الفترات عندما لم يكن هناك وقود، وزعنا الوقود بِطاطة [بزجاجة] البيبسي، نفط وزعنا الماء، مو أنا وزعت، ليس الشيخ، ليس المسجد، الناس وزعوا.

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طب اسمح لي.. اسمح لي أنا هأسأل الدكتور أنيس سؤال له علاقة بهذا، يعني حابب أسمع أيضاً رأيكما فيه، دكتور أنيس هذا الذي يتحدث عنه الشيخان وتتحدث عنه أنت أيضاً، مبرر للخوف في المستقبل، أنت كرجل دين تتدخل فيما لا شأن لك فيه.

د. محمود خلف العيساوي: من قال أنه خوف من المستقبل يا أستاذ ماهر؟

ماهر عبد الله: أنا.. أنا أعبر لك عن خوفي وأنا سأقول لك ما هو الخوف، وأريد أن أسمع رأيك بعد ما أسمع من الدكتور أنيس، جاي غارنر سأل الشيخ: أنت رجل دين، ماذا تعمل في هذا المستشفى؟ تفتح مدارس، ليس من.. من شأنك، حراسات مسلحة، ليس.. جزء من عمل دولة، عندما تقوم الدولة ويراد للعراق دولة علمانية في المخطط هذا الذي نشهد حلقاته، واحدة تلو الأخرى أليس هذا تكبيراً لدور المسجد فيما قد يكون مصدر خطورة على أي حكومة، علمانية قادمة إذا فُصِّلت كما يريد الخياط الأميركي؟

د. أنيس الراوي: أستاذ ماهر الحقيقة أنا التقيت أيضاً غارنر، وكان يعني من كلامه كأنه لا يريد أن يتدخل في شؤون المسلمين، ويعطي للمسلمين حقهم يعني، أنا الحقيقة اللي حصل لو لابد أن أعود إلى.. يعني فترة التسعينيات كان رئيس النظام العراقي جعل ما يُسمى بالحملة الإيمانية، هذه الحملة الإيمانية حقيقة كان يقصد فيها أن يضع للشباب برنامج ديني مقابل له برنامج بعثي، هنا تقرأ قال السيد الرئيس، وهنا تقرأ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الحقيقة يعني علماء الدين الأشراف والدعاة استغلوا الحملة الإيمانية في تكوين شباب له كمون، يعني أسميه (detention) كمون مطلق، صح الشاب يبدي أنه كأنه بعثي، لكن هو يخزن في نفسه الإيمان، يعني كالفلسطينيين عندما ضُغط عليهم ضغطاً شديداً من إسرائيل هناك صار انفجار كبير، يسمى ثورة الكمون يعني (Detention) اللي.. كذلك في العراق عندما يعني حدثت هذه الكارثة علينا، هب شباب المسجد كلهم هبة واحدة، وصار الكمون في أنفسهم، وعادوا إلى دينهم الحقيقة هناك كان إيماناً مخزوناً، إيماناً مختفياً..

دور المسجد في مواجهة علمانية المرحلة القادمة في العراق

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طيب، دكتور أنيس، أنا أقدر هذا الكلام تمام التقدير، أنا سؤالي إليك التالي: يعني بس أعيد لك إياه مرة ثانية، لأن الوقت بدا يدركنا، أنت تعلم أن أميركا عدوها الأكبر الآن هي الأصولية الإسلامية أي دور سياسي لن يُقبل، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية استُثني من.. من اللعبة القادمة، لأنه يريد.. -أو هكذا يُفهم أميركياً- نموذج إيراني للسلطة عندما يتضخم دور المسجد، ليعمل في السياسة ليعمل في الخدمات، ليقدم جزء من الخدمات التي يجب أن تقدمها الدولة بمجرد أن تقوم هذه الدولة، وتستعيد عافيتها لتقدم هذه الخدمات، ستُقطع أيدي المسجد عن هذا، بحجة أنه سيتدخل في السياسة، هل تتخوف.. هل هناك خوف حقيقي من أن أي نظام قائم سيلجأ إلى الموقف.. تبني الموقف الأميركي من الأصولية؟

د. أنيس الراوي: والله ممكن أن يكون مثل ما تفضلت، يعني الحقيقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعني لاقى من العنت الكثير والعنف الكثير، لكن يد الله -سبحانه وتعالى- وعين الله ترعاه، يعني نحن عندما نوجه المسجد ويبقى المسجد تحت أعيننا، ونحن يعني نرجو من الله ما لا يرجون، دع الناس تموت يعني الناس كلها تموت، لكن هناك فئة تنفرد بالمجد دون الأخرى، يعني لا.. يعني.. وماذا يحصل لو متنا كلنا؟ يعني أصحاب الأخدود كلهم قتلوا مرة واحدة لكن التاريخ والقرآن الكريم حقيقة يعني.. يعني ذكرهم إلى الأبد إنهم خالدين، فنحن نعمل لله -سبحانه وتعالى- ونعمل في المساجد، وإذا كانت المسألة عكسية علينا، فلنتحملها يعني..

ماهر عبد الله: دكتور محمود، هل.. هل ترى أنها ستكون عكسية النتائج؟

د. محمود خلف العيساوي: والله أنا بس (..) أقول الشيء يعني، نحن لسنا بخائفين من شيء، لأن الذي حل بنا ليس بسهل ولا بهيِّن.

وطالما أننا لم نمت، والموت بقدر الله تعالى، ننتظر آجالنا، وليكن على أي طريقة كانت، الإسلام.. الدين في العراق ليس بمحل نقاش، لا وجود للإلحادية ولا مكان للعلمانية في وسط مجتمع عراقي أنتم رأيتم عواطفه، وبعدين كل مقررات الأمم المتحدة تقول: من حق الشعوب أن تقرر مصيرها، وبعدين أميركا وغيرها تعدنا بالديمقراطية، وصناديق الاقتراع هي التي تقرر وجهة الشارع العراقي أو الشعب العراقي أو ما يريده..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: يعني هذا.. يعني يُقال للاستهلاك المحلي، أنا أزعم أنني أعرف الغرب أكثر مما تعرفون، يعني هذا علاقات عامة لأغراض انتخابية، لأغراض التسويق.. يجري التسويق له، شهدنا في أكثر من تجربة.. عندما يفوز الإسلاميون في السلطة يقع التشكيك، نحن نريد ديمقراطية مضمونة النتائج.

د. محمود خلف العيساوي: إذن.. إذن الديمقراطية.. إذن الديمقراطية التي يقولون عنها ليست بمضمونة النتائج.

ماهر عبد الله: أنا أؤكد لك أنهم لا يريدون الديمقراطية.

د. محمود خلف العيساوي: فهي الديمقراطية إذن هزيلة، غير صحيحة.

ماهر عبد الله: التي تأتي بإسلاميين الخوف.. الخوف، الهدف الأميركي بالخوف من الأصولية معلن يعني ليس سراً.

د. محمود خلف العيساوي: أخي.. أخي.. أخي، المسلمون في المساجد، أنت سألت قبل قليل، يعني هذه اللجان أعد لها مسبقاً، كل مسجد كان عنده خطة طوارئ، ومتهيئ للحدث، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وكل إمام مسجد سخَّر الشباب.. كل مُيسَّر لما خلق له.

ماهر عبد الله: طيب نسمع من الشيخ فاتح باختصار شديد، فعلاً أدركنا الآن الوقت، عندما يقول أحمد الجلبي -على سبيل المثال- إنه سنسمح بأحزاب دينية، لكن لن نسمح بدولة دينية، عندما يصرح أكثر من مسؤول أميركي: لن نسمح بدولة إسلامية على النمط الإيراني، كيف تجمع بين هذه التصريحات وبين طموحك كإمام مسجد، حريص على الرعية -إذا جاز التعبير- إنه هذه الخدمات قد تُفهم أنها في الطريق إلى النموذج الذي لا تريده أميركا للحكم؟

فاتح كاشف الغطاء: المسجد له شرعيتان، الشرعية الأولى: الشريعة الدينية، وهذا أمر أصولي حديثي في الحديث وفي السنة.

الشرعية الثانية: الشرعية الجماهيرية، أنا الآن أتعامل.. الشرعية الدينية لا يفهمها المقابل، أما الشرعية الجماهيرية يفهمها المقابل، ويفهم رسالة الجماهير، ويفهم رسالة الشعوب، أنا مُحدد بما يقوله شعبي، بما يقوله شارعي، بما يفرضه عليَّ الشارع أنا أرفض -حتى كحوزة علمية- أن يقال أغلبية شيعية، الأغلبية أغلبية إسلامية، وأقلية ليبرالية، إن كانوا يريدون ديمقراطية، إن كانوا يريدون أن يلغون هذا الأمر، فالعراق..

ماهر عبد الله: طب دكتور محمود معايا 30 ثانية أو أقل، هل تلقيتم أو ترغبون بتلقي أي دعم من 5 مليون عراقي يعيشون في الخارج؟

د. محمود خلف العيساوي: نحن نوجه إليهم من خلالكم دعوة أن يدعو لنا وألا ينسوا العراق، ونقول للغيارى منهم تعالوا كي تساهموا في بناء العراق الجديد كفاكم بعداً عنا ونحن نُمتحن، كفاكم بعداً عنا ونحن نلاقي ما نلاقي، لاقينا ظلماً سابقاً، ونلاقي الآن امتحاناً صعباً وعسيراً، فنحن بحاجة إلى مشورتهم، وبحاجة إلى إسداء رأيهم وإلى نصائحهم، فأدعوهم للعودة إلى البلد كي يساهموا في بنائه.

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: دكتور محمود.. دكتور محمود شكراً لك، كما أشكر أيضاً الشيخ فاتح كاشف الغطاء (ممثل الحوزة العلمية في بغداد)، أشكرك دكتور محمود بصفتك إمام جامع الشيخ عبد القادر الجيلاني.

د. محمود خلف العيساوي: شكراً لك.

ماهر عبد الله: الجيلاني كما أشكر الدكتور أنيس مالك الراوي، ثم الشكر لكم أولاً وأخيراً على حسن متابعتكم، إلى أن نلقاكم غداً أو بعد غد، تحية مني والسلام عليكم ورحمة الله -تعالى- وبركاته.

د. محمود خلف العيساوي: شكراً لك ولقناة (الجزيرة)، وبارك الله فيكم.

د. أنيس الراوي: شكراً لك.