برامج متفرقة

تهويد الخليل.. الجندي في خدمة المستوطن

ليس سوى الجحيم ما يعيشه أهل البلدة القديمة بمدينة الخليل، حيث يخدم جيش الاحتلال عند المستوطنين ويتلقى أوامره منهم. يجري الاستيلاء على العقارات وإذلال الفلسطيني وقتله بسهولة، لدفع الباقين للرحيل.

ليس أقل من الجحيم هو ما يعيشه أهل البلدة القديمة في الخليل، المدينة الفلسطينية الأهم اقتصاديا وديمغرافيا. سمح اتفاق الخليل الذي وقعته السلطة الوطنية وإسرائيل عام 1997 للأخيرة أن تتمدد من خلال المرحلة الانتقالية، ثم تدير ظهرها كاملا للاتفاق.

في الفيلم الوثائقي "تهويد الخليل" -الذي بثته الجزيرة الأحد (2016/9/25)- تلتقط الكاميرا صورة لافتة تقول "أخرجوا المستوطنين من قلب الخليل"، لكن المستوطنين ليسوا ضيوفا ثقيلي الظل، وإنما هم من يحددون مسار جنود جيش الاحتلال. باروخ مارزل هو وغيره من قادة المستوطنين لهم الكلمة الأولى.

بعد اتفاق الخليل أصبح هناك فصل حقيقي بين المدينة القديمة والحديثة، سميت الأولى "أتش واحد" وهي تحت سيطرة الفلسطينيين، والثانية "أتش اثنان" وهي تحت السيطرة الإسرائيلية.

البلدة القديمة
تصل المساحة التي يسيطر عليها الإسرائيليون إلى 18% من المدينة، وتضم البلدة القديمة وشارعي الشهداء والسهلة والأسواق المركزية وتل الرميدة وعشرات الحارات وآلاف الدونمات الزراعية، يضاف إليها التجمع الاستيطاني كريات أربع، والأهم من كل هذا: الحرم الإبراهيمي الشريف.

بصعوبة بالغة كان فريق الفيلم يتجول في البلدة القديمة، إذ يمنع أولا على الفلسطيني استخدام أي وسيلة نقل، أما حركة الناس تجاه بيوتهم أو مدارسهم أو محالهم فمسكونة بالخوف، لا كلمة سوى الخوف تحضر في هذا المكان.

فالمستوطنون الذين يحتلون الحرم الإبراهيمي يمكنهم بحماية الجيش أن يتوسعوا شيئا فشيئا في بناء مدارس دينية والاستيلاء على العقارات. يقول رئيس لجنة إحياء البلدة القديمة اللواء محمد الجعبري إن ثمة 1450 دكانا فلسطينيا مغلقا بأمر عسكري داخل قصبة السوق وشارع السهلة.

شارع الشهداء يمنع لأي من خارجه أن يدخله، ومن يقطنه -مثل المواطن مفيد الشرباتي- فإن عليه أن يحمل بطاقة عليها رقم، ويقول "لقد تحولنا إلى أرقام".

هذه الأرقام ليست حكما مبرما، وإلا لما فاضت بالناس دوافع الغضب حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة الموت بيد عزلاء. يتخلل الفيلم مشاهد من الموت السهل الذي لا تصله سيارة إسعاف فلسطينية بسبب المنع، بينما سيارة الإسعاف الإسرائيلية واقفة تتفرج، بل أحيانا تساعد في القتل.

الإسعاف الإسرائيلي
يعرض الفيلم مشاهد فيديو لهديل الهشلمون التي بقيت تتلوى على الأرض بوجود مسعفين إسرائيليين إلى أن استشهدت، وفيديو آخر للرجل المقعد ماجد فاخوري الذي اندفع بعربته نحو هديل، فركل جندي الاحتلال عربته وأوقعه عنها.

وفي تل الرميدة يخترق الرصاص جسدي الشابين عبد الفتاح الشريف ورمزي القصراوي. ترك رمزي ينزف حتى الموت، أما عبد الفتاح الشريف في فيديو آخر فقد أطلقت عليه رصاصة الموت من مسافة صفر، لكن الصادم أن أحد المستوطنين صُوِّر وهو يرمي سكينا بالقرب من الشريف.

ماذا يقول عوفر أوحنا المستوطن وضابط الإسعاف؟ إنه يقرر أن العرب هم من يقتلون بالسكاكين. ولكن بوصفه مسعفا كيف سيتعامل مع حالة على الأرض؟ قال "إذا كان مخربا وتأكدنا أنه لا يحمل مواد متفجرة، ندخله إلى الإسعاف بعد تجريده من ثيابه".

أما الناطق باسم بعثة الأمم المتحدة محمد جودة دفع الله، فقال "شاهدنا سيارات الإسعاف الفلسطينية تمنع من الوصول، وهذا انتهاك لحقوق الإنسان".

أخلاقيات جيش
وبالطبع فإن الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي لم يجد بدا من الحديث عن اعتداءات إرهابية، وأن عمليات زرع سكاكين بالقرب من الضحية ليست من أخلاق الجيش الذي -بحسبه- لا يعتدي على أحد.

رصدت الكاميرا شروق الشمس على البلدة القديمة، حيث المدارس لا تضمن أن تبدأ يومها بسلام. يقول مدير إحدى المدارس إسحاق بدر إنه لا يوجد طابور صباحي، وحين تضرب المنطقة بالغاز يخشى الأهالي إرسال أبنائهم للمدرسة مما يؤثر في مسيرتهم التعليمية.

يلخص الناشط الحقوقي نادر البيطار المشهد بأنه محاولة خلق رعب يمنع أبناء الخليل من التوجه للحرم والبلدة القديمة، بما يجعل المدينة "باروميترا" لما سيحدث في القدس، "هم يجربون في الخليل ويطبقون في القدس".