تكثيف أوكرانيا هجومها على القرم.. هل يحقق أهدافه ويدفع موسكو لخيارات مختلفة؟

اعتبر المحلل السياسي والأمني الأوكراني سيرغي شابوفالوف أن تكثيف قوات بلاده هجومها على شبه جزيرة القرم يعكس تطورا ملحوظا في أدائها، متوقعا أن يؤثر ذلك على مسار الحرب مع روسيا، فيما اتفق معه الخبير الأمني والسياسي الروسي غريغوري تروفيمتشوك في أن تهديدات موسكو بالمواجهة المباشرة مع حلف الناتو "فارغة" وغير جدية.

وأوضح شابوفالوف أن أوكرانيا تقوم بتصعيد قدراتها وانتصاراتها عبر ضربات في العمق الروسي والأراضي المحتلة، بما فيها شبه جزيرة القرم، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن كييف لم تكن في بداية الحرب تستخدم المسيّرات أو المدافع، فيما باتت تستخدمها الآن بفاعلية، وهو ما يعكس تطور أدائها القتالي.

يأتي ذلك في سياق حلقة برنامج "ما وراء الخبر" بتاريخ (2023/9/26)، والتي خصصتها لاستمرار تكثيف أوكرانيا هجماتها على شبه جزيرة القرم مستخدمة المسيّرات والصواريخ والهجمات الإلكترونية، وتحذيرات روسية من احتمال اندلاع مواجهة شاملة مع حلف الناتو على خلفية مد الغرب كييف بالأسلحة المتقدمة، وآخرها دبابات "أبرامز إم 1" الأميركية المتطورة.

وتساءلت الحلقة عن الأهداف التي تسعى كييف إلى تحقيقها بالاتجاه لتكثيف هجماتها على شبه جزيرة القرم مؤخرا، وفرص نجاحها في تحقيق هذه الأهداف، وخيارات موسكو في مقابل ذلك، ومدى انعكاس هذا التطور على مسار الحرب.

أهداف التكثيف

ويوضح شابوفالوف في حديثه لـ"ما وراء الخبر" أن شبه جزيرة القرم هي قاعدة عسكرية روسية كبيرة تحتفظ فيها بالذخيرة والجنود، وهدف هذه العمليات منع الاستفادة مما في القرم، وكذلك الحد من استخدام القوات الجوية طائرتها لإيقاف الهجوم الأوكراني المضاد.

وأكد الخبير الأوكراني على أنه خلال الضربات على مركز أسطول البحر الأسود استُخدمت صواريخ قادمة من بريطانيا وفرنسا، معتبرا عدم صدور ردود فعل سلبية من تلك الدول أمر مهم ويعكس اقتناعها بحق أوكرانيا في ذلك، حيث كانت سابقا تخشى التصعيد في حال استخدمت أسلحتها في استهداف ما تعتبرها موسكو أراضيها.

واعتبر أن تهديد ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي بالمواجهة المباشرة مع الناتو ليس أكثر من تصعيد كلامي، وهو في تقديره "أمر مضحك للجميع"، متسائلا: كيف تستطيع روسيا مواجهة الناتو وهي تخسر في معركتها مع أوكرانيا؟

تهديدات "فارغة"

واتفق مع شابوفالوف ضيف الحلقة الروسي الخبير المتخصص في السياسة الخارجية والدفاع والأمن غريغوري تروفيمتشوك في اعتبار تلك التهديدات غير جدية، واصفا إياها بـ"الحديث الفارغ" الذي يؤدي لقيام الطرف الآخر (أوكرانيا) بأعمال أكثر حدة عبر استخدام المزيد من الأسلحة المتطورة التي ترفع درجة النزاع.

ولفت إلى تزايد التساؤلات الاستنكارية لدى المراسلين العسكريين والمؤثرين الروس مؤخرا، بسبب عدم قيام موسكو بردود قوية وصارمة تجاه كثافة الهجمات الأوكرانية على جزيرة القرم، وأن الجميع يتطلع لتلك الردود حتى لا تتكرر مثل هذه الهجمات وتستمر.

ويرى تروفيمتشوك أنه في ظل هذه الظروف من الأفضل التركيز على العمل أكثر من الكلام بخلاف ما يحدث، حيث إن مثل هذه التهديدات من شأنها تقليل تأثير أي حديث لاحق يمكن أن يستهدف التأثير على نفسية الخصم، لافتا إلى أنه رغم تلك التهديدات فإن الدعم الغربي لكييف يتحرر أكثر من أي موانع أو مخاوف.

بعيد المنال

بدوره، يشير اللواء فايز الدويري الخبير العسكري والإستراتيجي إلى أن تصريحات السياسيين الأوكرانيين تحدثت عن هدف بعيد المنال في المدى المنظور وفقا للمعطيات المتاحة، وهو استعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم.

وأضاف الدويري في حديثه لـ"ما وراء الخبر" أن الهدف الأدنى ينطلق من اعتبار جزيرة القرم قاعدة خلفية لروسيا تتزود منها بكل أنواع الإمداد، ومن ثم فإن قطع هذا الشريان الحيوي عبر فرض حالة من عدم الأمن والاستقرار من شأنه أن ينعكس سلبا على القوات الروسية المقاتلة على الجبهة.

وتوقع الدويري نجاحا نسبيا في تحقيق هذا الهدف حتى إن استطاعت روسيا إسقاط 90% من الطائرات الأوكرانية المسيرة، لأن وصول الـ10% سيحقق معادلة عدم الاستقرار، ومن ثم ستكون له تداعياته القوية على الحرب بشكل عام.

واعتبر الخبير العسكري أن استخدام الصاروخي والطائرات المسيرة للإبقاء على الحرب دائرة هو مؤشر خطير جدا وبداية لدخول الطرفين حرب استنزاف مضنية قد تمتد لسنوات، ومن يحقق إنجازات شبه يومية هو من ستكون له مساحة للحديث بعد أشهر عن تغير في مقاربة الحرب، ومن سيطوّل نفَسَه هو من سيكسب المعركة في النهاية، حسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة