"انتكاسة".. صحفيو تونس ينددون بملاحقتهم والتضييق عليهم

جانب من احتجاجات الصحفيين التونسيين/مقر نقابة الصحفيين التونسيين/مايو/آيار 2024 (خاصة)
جانب من احتجاجات الصحفيين التونسيين عند مقر نقابة الصحفيين التونسيين (الجزيرة)

تونس– تصاعدت هتافات الصحفيين في تونس بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة لمطالبة السلطة الحالية بالكف عن الملاحقات والتضييقات والأحكام بالسجن ورفع القيود على حرية التعبير وحق النفاذ للمعلومة، معتبرين أن استخدام القوانين السالبة للحرية لن يؤسس سوى لنظام دكتاتوري.

ونفذ اليوم الجمعة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة عشرات الصحفيين وقفة احتجاجية أمام مبنى نقابة الصحفيين التونسيين رافعين شعارات تندد بما اعتبروه تضييقات أمنية من السلطة الحالية على القضاء على غرار "حريات حريات.. دولة البوليس وفات" و"السجون تعبات يا قضاء التعليمات" وغيرها.

يقول نقيب الصحفيين التونسيين زياد الدبار، للجزيرة نت، إن واقع الصحافة في تونس يعيش انتكاسة بسبب تصاعد استخدام القوانين الزجرية ضد الصحفيين مقابل دفن المرسوم 115 المنظم لمهنة الصحافة فضلا عن تصاعد الاعتداءات الأمنية ضد الصحفيين وتصاعد الملاحقات والأحكام بالسجن ضدهم والتضييق على حق النفاذ للمعلومة.

نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبار/مقر نقابة الصحفيين التونسيين/مايو/آيار 2024
نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبار قال إن 39 صحفيا يتعرض لملاحقة قضائية بتهم مختلفة بينها تهم إرهابية خطيرة (الجزيرة)

مراسيم خطيرة

ممارسة حرية الصحافة على الميدان يحفها الكثير من المخاطر بحسب نقيب الصحفيين الذي يعتبر أنه لم يعد هناك قانون ينظم مهنة الصحافة في ظل توجه النظام الحالي لاستخدام قوانين زجرية عقوباتها خطيرة على غرار قانون الإرهاب والمجلة الجزائية ومجلة الاتصالات والمرسوم 54 الذي صاغه الرئيس الحالي قيس سعيد.

ويعتبر زياد دبار أن من بين المراسيم الخطيرة التي تعيد قطاع الصحافة إلى مربع القمع المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، مشيرا إلى أنه سيف مسلط على رقاب الصحفيين وغيرهم لما يتضمنه من أحكام قاسية سالبة للحرية راح ضحيتها عدد من الصحفيين مثل الصحفي محمد بوغلاب.

ومؤخرا قضت محكمة تونسية بالسجن النافذ مدة 6 أشهر بحقّ الصحفي بوغلاب، المعروف بانتقاده سياسات الرئيس قيس سعيّد، بعدما أدانته بتهمة التشهير بموظفة عمومية. وفضلا عن بوغلاب، تقبع منذ أشهر الصحفية شذى الحاج مبارك في السجن بتهمة التآمر على أمن الدولة وتبييض الأموال وهي تهم تنفيها الصحفية.

وفي الإجمال، يقول نقيب الصحفيين إن هناك 39 صحفيا يتعرضون لملاحقة قضائية بتهم مختلفة بينها تهم إرهابية خطيرة على غرار الصحفي زياد الهاني المعروف بانتقاده للرئيس الحالي قيس سعيد. وبالإضافة إلى الملاحقات القضائية المتواترة سجلت نقابة الصحفيين التونسيين 211 اعتداء أمنيا ضد الصحفيين قبل سنة من الآن، وفق تأكيد دبار.

نظام دكتاتوري

من جهتها، تقول الصحفية أميرة محمد، للجزيرة نت، إن حرية الصحافة تراجعت إلى أدنى مستوياتها حتى قياسا بأحلك فترات الدكتاتورية في حقبة الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الدلائل الخطيرة على أرض الواقع تدل على قمع حرية التعبير والصحافة في ظل التضييقات والملاحقات والأحكام بالسجن.

وتضيف "لا يمكن الحديث عن ديمقراطية إذا كانت حرية التعبير مقموعة بهذا الشكل. وبالتالي فإن استخدام القوانين السالبة للحرية ضد الصحفيين لا يكون إلا في نظام دكتاتوري".

وتستنكر أميرة محمد الزج بعدد من الصحفيين في السجون بتهم تقول إنها واهية هدفها الضغط على الصحفيين وترهيبهم، مؤكدة أن الوضع يزداد قتامة بسبب ضرب حرية التعبير وتطويع الإعلام العمومي كبوق دعاية للنظام الحالي وتخويف الإعلام الخاص، حسب تعبيرها.

وبحسب التقرير السنوي الذي أصدرته اليوم نقابة الصحفيين التونسيين حول واقع حرية الصحافة في تونس لسنة 2024 اتسم الوضع بتصاعد الاعتداءات ضد الصحفيين والمصورين وتواتر المحاكمات في حقهم على خلفية أعمالهم الصحفية واعتماد السلطة الحالية سياسة الانغلاق ورفض الحوار مع وسائل الإعلام ونقابة الصحفيين.

الصحفية أميرة محمد/مقر نقابة الصحفيين التونسيين/مايو/آيار 2024(خاصة)
الصحفية أميرة محمد: الوضع يزداد قتامة بسبب ضرب حرية التعبير وتطويع الإعلام العمومي (الجزيرة)

سياسة التنكيل

وبحسب التقرير، فإن الهدف من تلك التضييقات هو التشفي والتنكيل بكل صحفي يسمح لنفسه بالخوض في مواضيع حارقة تشغل الرأي العام، أو لمجرد التعرض إلى أي مسؤول في الدولة وانتقاد أداء بعض الوزراء. وينتقد التقرير استعمال السلطة الحالية القضاء كأداة من أجل استهداف الصحفيين والتضييق على حرية التعبير.

وتأتي احتجاجات الصحفيين التونسيين في سنة تعيش فيها البلاد على وقع استحقاق انتخابي هام وهو الانتخابات الرئاسية، حيث ستنتهي ولاية الرئيس الحالي سعيد في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ولكن إلى الآن لم تحدد هيئة الانتخابات موعد الانتخابات كما لم يقم الرئيس سعيد بإصدار أمر يحدد الموعد.

كما يأتي هذا الاحتجاج في وقت أصدرت فيه منظمة مراسلون بلا حدود -اليوم الجمعة- تقريرها حول تصنيف حرية الصحافة العالمي.

وبحسب التقرير، تقدمت تونس خلال سنة 2024 بـ3 مراتب ضمن التصنيف العالمي لحرية الصحافة لتحتل المرتبة 118 من جملة 180 دولة ضمن هذا التصنيف.

لكن هذا التقدم لا يعني تحسن وضعية حرية الصحافة في تونس، بحسب ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في شمال أفريقيا خالد درارني، الذي أكد في مؤتمر صحفي اليوم الجمعة، أن "المنظمة لاحظت تأزم حرية الصحافة في تونس من خلال سجن الصحفيين وسن المرسوم 54 الذي أصبح يطبق بصفة عشوائية على الصحفيين".

ويواجه الرئيس قيس سعيد -منذ 25 يوليو/تموز 2021 تاريخ إعلانه تدابير استثنائية حل بها البرلمان السابق وغير بها الدستور ونظام الحكم من برلماني إلى رئاسي وسع فيه صلاحياته- اتهامات من المعارضة بالانقلاب على الديمقراطية وإرساء نظام استبدادي فردي.

في المقابل، يعتبر أنصار الرئيس سعيد أن ما قام به كان تصحيحا لمسار الثورة بدعوى أن الأحزاب التي حكمت البلاد بعد سقوط النظام السابق وطيلة العشرية الماضية كانت المتسببة الرئيسية في تدهور الأوضاع واستشراء الفساد جراء صراعها على السلطة وتقاسم المناصب في الدولة على حساب مصلحة الشعب.

المصدر : الجزيرة