حرب بلا أفق.. إلى متى يمكن أن يستمر الدعم الأوروبي لأوكرانيا؟

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصافح رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا (غيتي)

في مناقشته للمبادئ التوجيهية لإعداد موازنة 2025، توصل المجلس الأوروبي إلى اتفاق للاستمرار في تقديم الدعم إلى أوكرانيا في الحرب مع روسيا عبر الاستجابة للاحتياجات المالية والعسكرية، رغم اتساع رقعة التحفظات داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي وهو على مشارف انتخابات البرلمان الأوروبي منتصف العام الجاري.

وفي إحاطته الإعلامية أفاد المجلس، بشكل أكثر وضوحا، أن الاتحاد الأوروبي لا يزال ملتزما بتقديم المساعدة المالية لأوكرانيا، إلى جانب الشركاء، طوال مدة النزاع، ودعم صمودها وإعادة إعمارها على المدى الطويل.

وفي تقدير المجلس، فإن موازنة الاتحاد الأوروبي لعام 2025 سيكون لها دور رئيسي في تطوير وتحقيق الأهداف طويلة الأمد والأولويات السياسية التي وافق عليها الاتحاد، بما في ذلك قطع الطريق على موسكو لكسب الحرب في أوكرانيا.

بوريل صرح بأن أوروبا والناتو سيواصلان دعمهما العسكري لأوكرانيا لمواجهة الحرب التي شنتها روسيا (الجزيرة)

وهذا الالتزام الأوروبي تجاه كييف سبق أن أكده الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بمناسبة مرور عامين على هذه الحرب، في إفادة تضمنت "التصميم الأوروبي المشترك على إضعاف آلة الحرب الروسية ومساعدة أوكرانيا على الفوز في معركتها المشروعة للدفاع عن النفس واستعادة استقلالها وسلامة أراضيها وسيادتها".

98 مليار يورو منذ اندلاع الحرب

يستند هذا الالتزام إلى تعبئة مالية بعناوين مختلفة وصلت قيمتها الإجمالية منذ اندلاع الحرب إلى حوالي 98 مليار يورو حسب المجلس الأوروبي حتى مارس/آذار، بما في ذلك ما قيمته 33 مليارا مساعدات عسكرية بجانب برامج التدريب للجيش الأوكراني من قبل بعثة المساعدة العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي، التي تخطط لتدريب 20 ألف جندي أوكراني إضافي.

وبشكل عام أكد الاتحاد الأوروبي تصميمه على تلبية الاحتياجات العسكرية والدفاعية الملحة لأوكرانيا، يتضمن ذلك توفير الذخيرة والصواريخ، لا سيما في ضوء الالتزام بتزويد الجيش الأوكراني بمليون طلقة من ذخيرة المدفعية، والتزامه بتعزيز قدرتها على الدفاع عن سيادتها.

President Zelensky Talks At The European Parliament
زعماء الاتحاد الأوروبي اتفقوا على تمويلات بقيمة 50 مليار يورو لأوكرانيا للتأكيد على دعمهم الثابت (غيتي)

يضاف إلى ذلك قرار المجلس الأوروبي، في 18 مارس/آذار 2024، زيادة السقف المالي لـ"مرفق السلام الأوروبي" الذي أنشئ عام2021 ليكون بمثابة أداة مالية جديدة تغطي جميع الأعمال الخارجية للاتحاد، والتي لها آثار عسكرية أو دفاعية بموجب السياسة الخارجية والأمنية المشتركة.

وتقدر الزيادة بـ 5 مليارات يورو موجهة بالأساس لتمويل صندوق جديد مخصص لمساعدة أوكرانيا، مع ضبط قواعد إدارته لتكييفه مع الظروف الدولية الجديدة وجعله أكثر استدامة عبر إيداعات سنوية. وصرح بوريل تعليقا على هذه الخطوة "من خلال الصندوق، سنستمر في دعم أوكرانيا للدفاع عن نفسها ضد الحرب العدوانية الروسية بكل ما يتطلبه الأمر وطالما احتجنا إلى ذلك".

وكان زعماء الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا في فبراير/شباط 2024 على تمويلات بقيمة 50 مليار يورو للفترة بين 2024 و2027 ستضخ في "مرفق أوكرانيا" للتأكيد على دعم الاتحاد الأوروبي الثابت.

وبحسب المجلس الأوروبي، سيسهم هذا المرفق في تعافي أوكرانيا وإعادة إعمارها، وتعزيز التماسك الاجتماعي والاندماج التدريجي لها في الاتحاد. وقد تلقت كييف مرحليا دفعة أولى من التمويل بقيمة 5.4 مليارات يورو.

A Ukranian armored vehicle is towed on the road towards the town of Artemivsk, Ukraine, Friday, Jan. 30, 2015. Fighting between government and Russian-backed separatist forces in eastern Ukraine has intensified in recent days as rebels seek to encircle the town of Debaltseve, which hosts a strategically important railway hub. (AP Photo/Petr David Josek)
المساعدات العسكرية الأوروبية لأوكرانيا تأتي ثانية بنسبة 27% بعد الدعم المالي والاقتصادي (أسوشيتد برس)

وسيخضع ثلثا التمويل، المتأتي من قروض، بنسبة فائدة ضعيفة، في حين ستمنح قرابة 17 مليار دولار في شكل هبات تقتطع من موازنة الاتحاد البالغة 1074 مليار يورو بين عامي 2021 و2027.

ويشير حسين الوائلي الخبير المتخصص في الشؤون الأوروبية والإعلامي المعتمد بالاتحاد الأوروبي، في حديثه مع الجزيرة نت، إلى أن هذا التمويل يعطي إشارة قوية إلى استمرار الدعم الأوروبي لأوكرانيا. ويستبعد الاتحاد الأوروبي فوزا روسياً، وإذا ما حدث ذلك فقد يكون له تداعيات على دول أخرى أعضاء بحلف الناتو على أطراف الاتحاد الأوروبي مثل بولندا ولاتفيا وليتوانيا.

ووفق بيانات المجلس الأوروبي، يمثل الدعم المالي والاقتصادي والإنساني عبر موازنة الاتحاد الأوروبي 31% من إجمالي التمويلات الأوروبية، وتأتي المساعدات العسكرية في المركز الثاني بنسبة 27% ثم المساعدات الموجهة للاجئين الأوكرانيين 17%، وتليها هبات وقروض 5.9% بضمانات دول الاتحاد.

دعم تحت لافتات عدة

يجد التمويل الأوروبي الواسع لكييف تبريره تحت عدة لافتات، أولها اللافتة الأمنية، حيث تعتبر أوكرانيا خط دفاع أول عن المجال الجغراسياسي للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وقد صرحت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فان دير لاين بأن الدعم المالي ضروري حتى تكسب أوكرانيا الحرب، وأنه يمثل "أولوية الأولويات" على مدار 2024.

انسحاب الجنود الأوكرانيين من مدينة "أفدييفكا" مثل أول مكسب على الأرض للروس منذ دخولهم باخموت (الأناضول)

وفي هذا السياق، صرح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال -لوسائل إعلام أوروبية- بأن الدعم المالي لأوكرانيا استثمار في مصالح الاتحاد وفي السلم والاستقرار لدول التكتل، محذرا من خطر فوز موسكو بالحرب باعتباره يمثل "تهديدا للقيم الأوروبية".

وقد دق انسحاب الجنود الأوكرانيين من مدينة "أفدييفكا" -منتصف شباط/فبراير 2024- ناقوس الخطر بوجه الأوروبيين، خاصة أنه مثل أول مكسب على الأرض للجنود الروس منذ دخولهم باخموت في مايو/أيار 2023.

وقالت أوانا لونجيسكو، الباحثة الفخرية في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن" -لموقع "أوراكتيف"- إن هذا التطور "لا يمثل فقط لحظة خطرة لأوكرانيا بل أيضا للأمن الأوروبي".

وتابعت أن "خسارة أفدييفكا تظهر التأثير الحقيقي لتأخير تسليم الأسلحة الغربية للأوكرانيين. لقد بذل الناتو ودول الاتحاد الأوروبي الكثير لدعم أوكرانيا عبر عقود توريد لذخائر بقيمة 1.2 مليار دولار أبرمها الناتو في يناير/كانون الثاني. لكن هذا ليس كافيا وليس بالسرعة المطلوبة".

وعلاوة على الهاجس الأمني، ينظر الاتحاد الأوروبي إلى الدعم المالي كخطوة مشروعة بوصف أوكرانيا دولة مرشحة لعضوية الاتحاد منذ قرار بروكسل بدء المفاوضات في ديسمبر/كانون الأول 2023. وعلى هذا الأساس تتضمن التمويلات الاستجابة للإصلاحات الضرروية لمطابقة المعايير الأوروبية. وأكد أورليفير فارهيليي منسق شؤون الجوار والتوسع في تصريح له بأن "الدعم الأوروبي لأوكرانيا سيستمر بكل الوسائل المتاحة، طالما أنها تتمتع بوضع الدولة المرشحة".

لكن الدعم الأوروبي لا يحمل الأولوية نفسها داخل دول الاتحاد، فبالعودة إلى تصنيف "معهد كيل" الألماني، الذي يمثل مرجعا إحصائيا للحرب في أوكرانيا، تتصدر ألمانيا الدول الأوروبية الداعمة عسكريا لكييف بما قيمته 17.1 مليار يورو، بفارق كبير عن فرنسا ثاني أكبر اقتصاد بالاتحاد والتي تحتل المركز الـ15 بدعم يقدر بنحو 540 مليون يورو.

وتأتي بولندا البلد المتاخم لأوكرانيا، والمتوجس من الخطر الروسي، السادسة بـ3 مليارات يورو، وحلت إيطاليا في المرتبة الـ13 بـ690 مليونا، وإسبانيا بالمركز الـ19 بـ340 مليونا.

وتقول الخبيرة لونجيسكو: إنه إذا أراد الأوروبيون إحداث الفارق في الحرب فإن عليهم تحويل التزاماتهم المالية إلى أفعال ملموسة. غير أن الاتحاد الأوروبي يعاني من معضلة البيروقراطية في اتخاذ القرارات وتضارب المصالح الوطنية للدول الأعضاء.

هدر المال الأوروبي لصناعة حرب

أقرت قمة زعماء منطقة اليورو يومي 21 و22 مارس/آذار 2024 بضرورة هزيمة روسيا بالحرب، بما يتطلبه ذلك من ضمان استمرار الدعم الأوروبي الكامل لأوكرانيا، بغض النظر عن سقف تلك المساعدات وأمد الحرب.

واتفق الزعماء في القمة على تسريع تقديم الاتحاد الأوروبي كل المساعدات العسكرية اللازمة وبكثافة، مما يمكن من توفير مليون طلقة من ذخيرة المدفعية. وقد أطلقت التشيك مبادرة لشراء ذخيرة من دول خارج الاتحاد.

مارياني انتقد دفعة التمويلات لأوكرانيا لتزامنها مع ذروة احتجاجات المزارعين بأرجاء أوروبا (الأناضول)

لكن الخطوة الأكثر خطورة تتمثل في بحث إمكانية توظيف الإيرادات المتأتية من الأصول الروسية المجمدة لتمويل الإمدادات العسكرية لأوكرانيا، رغم تحذيرات موسكو.

وجاءت الأصوات من نواب "التجمع الوطني" في البرلمان الأوروبي منتقدة الدفعة الأولى من التمويلات المقدرة بـ 50 مليار يورو في فبراير/شباط 2024. فقد انتقد النائب تيري مارياني تزامن التمويل مع ذروة احتجاجات المزارعين في أرجاء أوروبا. بينما وصفه نواب آخرون بـ"الصك الفضيحة" وبهدر المال في صناعة حرب.

وتضم الجبهة المعارضة للتمويلات المجر وسلوفاكيا، لكن من المرجح أن تتوسع القائمة مع تزايد كلفة الحرب وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي بمنطقة اليورو، بجانب مطالبات لمراجعة التمويل خلال الفترة بين 2024 و2027.

ويكشف الدمار الهائل في أوكرانيا حجم التحدي المالي المنتظر أمام دول الاتحاد. وقد قدر تقرير مشترك -صدر عن مجموعة البنك الدولي والمفوضية الأوروبية والأمم المتحدة- كلفة إعادة الإعمار في أوكرانيا بـ411 مليار دولار (388 مليار يورو) مقابل عام واحد فقط من الحرب.

ويكشف التقرير -في خلاصة عام واحد من الحرب- تضرر قرابة 20 قطاعا في أوكرانيا وانزلاق أكثر من 7 ملايين مواطن في دائرة الفقر وتأخر برامج التنمية بما يعادل 15 سنة إلى الوراء.

هاجس ترامب واليمين المتطرف

أفضت دراسة أعدها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى نتائج صادمة تتمثل في تزايد موجة التشاؤم لدى الأوروبيين بشأن مدى قدرة أوكرانيا على كسب الحرب. وتشير النتائج أيضا إلى أن أغلب الأوروبيين يؤيدون دعم كييف، لكن 10% فقط يعتقدون أنها قادرة على هزيمة روسيا. وترى الأغلبية المستطلعة آراؤهم أنه من الضروري وضع حد للحرب عبر التوصل لاتفاق سياسي.

ويقول مارك ليونارد، أحد الخبراء المشاركين في إعداد الدراسة "يظهر استطلاعنا أن معظم الأوروبيين على استعداد لفعل أي شيء لمنع فوز روسيا بالحرب. لكنهم أيضا لا يعتقدون أن أوكرانيا ستكون قادرة على استعادة كامل أراضيها".

ويخشى الاتحاد الأوروبي من هامش تحرك ضيق على المدى المتوسط في ظل ما ستفرزه الانتخابات الأميركية، حيث تعهد المرشح العائد دونالد ترامب بوقف الحرب في أوكرانيا اليوم التالي من تنصيبه إذا أصبح رئيسا، ويعني ذلك إمكانية وقف أي مساعدات لكييف إذا لم يتم التوصل إلى تسوية للنزاع.

وتنظر الجبهة الداعمة لأوكرانيا داخل الاتحاد الأوروبي بريبة إلى التهديد المحتمل من وراء صعود اليمين المتطرف بانتخابات البرلمان الأوروبي منتصف 2024.

وأظهر تقرير -صدر عن فريق التفكير التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- نسبا عالية لصعود اليمين على حساب يسار الوسط وأحزاب الخضر. ويتوقع أن يتصدر الشعبويون نتائج الاقتراع في 9 دول على الأقل، مما قد يؤدي إلى ظهور ائتلاف شعبوي كبير يضم أعضاء البرلمان من اليمين المتطرف والديمقراطيين المسيحيين والمحافظين، ليحل محل "الائتلاف الكبير" المسيطر على البرلمان الأوروبي.

ويتوقع حسين الوائلي الخبير في الشؤون الأوروبية -في حديثه للجزيرة نت- إمكانية تعطيل التمويلات الأوروبية لكييف في حال فاز اليمين المتطرف في دول مؤثرة داخل الاتحاد مثل فرنسا أو ألمانيا، وقد يمهد ذلك في تقديره إلى انتصار حاسم للروس.

وأوضح الوائلي -نقلا عن مصادر داخل الدوائر الأوروبية- أنه "يجري البحث عن بدائل لتجاوز إمكانية فوز اليمين المتطرف. وهناك مثلا توجه على المستوى الأطلسي، بناء على مقترح مشترك لوزراء خارجية الناتو، نحو إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار دولار لتمويل احتياجات أوكرانيا، بغض النظر عن مسار ونتائج انتخابات البرلمان الأوروبي أو الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان