مرة كل 32 عاما.. هكذا يجمع الإيرانيون بين رمضان والنوروز
طهران- للمرة الثانية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، يحل -معا- رمضان المبارك وبداية السنة الفارسية الجديدة، ليحتفل الإيرانيون بعد مضي 32 عاما في آن واحد بمناسبتين دينية ووطنية؛ الشهر الفضيل وفق التقويم الهجري القمري وعيد "نوروز" وفق التقويم الفارسي الشمسي.
وللمرة الأولى في تاريخ البلاد الحديث، يصوم الإيرانيون الأول من رمضان للعام الهجري 1445 عشية آخر أربعاء في عام 1402 للهجرة الشمسية التي تُعرف في التقويم الفارسي بمهرجان "جهارشنبه سوري" أو "الأربعاء الأحمر" أو "أربعاء النار"، ويُعتبر أول الاحتفالات الجماعية بقدوم فصل الربيع.
وعلى النقيض من الأعوام الماضية حيث دأب الإيرانيون على الاحتفال بالمناسبة عصر يوم الثلاثاء حتى فجر الأربعاء عبر إضرام النار والقفز فوقها، تعالت أصوات المفرقعات هذه السنة عقب إفطار الأول من الشهر الفضيل.
وحدة الموائد
ولعل أبرز ما أتى به تزامنُ هاتين المناسبتين، اتصال مائدة سحور التاسع من رمضان بمائدة عيد النوروز؛ فقد جاء التوقيت الفلكي الدقيق لرأس السنة الإيرانية الجديدة والاعتدال الربيعي في تمام الساعة السادسة و36 دقيقة و26 ثانية (03:06:26 بتوقيت غرينتش) أي بعد أقل من ساعتين من أذان الفجر في العاصمة طهران.
وما بين السحور ورأس السنة الجديدة، قد لا يجد الإيرانيون هذه السنة فرصة لإعداد مائدة السينات السبع التي تختار 7 أشياء تبدأ بحرف "سين"، وأبرزها: سير (ثوم) وسكة (عملة نقدية) وسنجد (ثمرة مجففة تشبه العناب) وسبزه (الخضرة) وسماق (السماق) وسيب (التفاح) وسركه (الخل) وسمنو (حلوى براعم القمح)، فيفضلون هذا العام تناول السحور على مائدة عيد النوروز.
ويُعد النوروز عيد الإيرانيين الأكبر بصفته القومية والوطنية منذ قرون، حيث تقول الأساطير إن الملك الفارسي "جمشيد" أمر بنصب عرش قبل نحو أكثر من 3500 عام، وعندما تربع عليه أشرقت الشمس على تاجه فابتهج شعبه وقال "نو روز" أي "يوم جديد"، فاحتفلوا به كل عام وسموه عيد النوروز.
وتبدأ عطلة رأس السنة الإيرانية كل عام بترديدهم الدعاء المأثور "يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوِّل حالنا إلى أحسن حال"، الذي توارثوه منذ دخول الإسلام بلاد فارس قبل أكثر من 14 قرنا، ما يدل على تمازج الطقوس الدينية والقومية في الجمهورية الإسلامية.
يوم الطبيعة
وبما أن الأسواق الإيرانية تشهد -عادة- إقبالا كبيرا على شراء الحلوى والمكسرات والألبسة الجديدة في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار من كل عام، لم يمنعهم التضخم المستفحل من التحضير للاحتفال بالمناسبتين.
بيد أن صيام رمضان يترك بصمته هذا العام بتغيير مواعيد التزاور وصلة الأرحام إلى ساعات الليل، كما أنه يقلل من السفر بين المدن والمحافظات البعيدة الذي يستوجب الإفطار.
وخلافا لما دأب المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي -منذ اختياره عام 1989 خليفة لمؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني– على إلقاء كلمة بمناسبة حلول عيد النوروز في العتبة الرضوية بمدينة مشهد شمال شرقي البلاد، أعلن مكتبه أنه سوف يستقبل هذا العام حشدا من المواطنين في العاصمة طهران.
وتتواصل الاحتفالات برأس السنة الشمسية على مدى أسبوعين تقريبا؛ حيث يحرص الإيرانيون كل عام على الخروج من بيوتهم في اليوم 13 من السنة الجديدة وتناول الطعام بين أحضان الطبيعة، اعتقادا منهم أن الاحتفاء بيوم الطبيعة المعروف بيوم "سيزده بدر" يطرد النحس وسوء الحظ من حياتهم.
صبغة دينية
وعلى غرار الثقافة الدينية التي ترفض ربط اليُمن أو النحس بالأعداد والأرقام، عملت الجمهورية الإسلامية -منذ قيامها قبل أكثر من 44 عاما- على إضافة صبغة دينية على المناسبات الوطنية والتركيز على القواسم المشتركة القائلة إن التراث الإيراني لا ينفصل عن الإسلام.
وهذا فتح الباب على مصراعيه أمام وسائل الإعلام الفارسية للحث علی الاحتفال بيوم الطبيعة بعد الإفطار، وما على البلديات سوی تهيئة الحدائق العامة للاحتفال الليلي هذا العام.
وخلافا للأعوام الماضية حيث تنتهي العطلة بيوم "سيزده بدر" الذي يحل بعد مرور 12 يوما من السنة الجديدة وكل يوم منها يدل على شهر من أشهر السنة الشمسية، فإن يوم الطبيعة لعام 1403 الشمسية يصادف الاثنين الموافق للأول من أبريل/نيسان المقبل؛ أي قبل 10 أيام فقط من عيد الفطر المبارك.
وبذلك سيكون الإيرانيون على موعد مع عطلة جديدة من العاشر حتى الثاني عشر من أبريل/نيسان المقبل، لتبقى مائدة السينات السبع -برمزيتها التراثية الدالة على التفاؤل والحب والأمل والسلام- ممدودة حتى العيد السعيد، طالما وضع الإيرانيون نسخة من المصحف الشريف عليها وجعلوه جزءا أساسيا من مكوناتها.