تركيا.. "تيك توك" يتعهد بفرض رقابة على المحتوى المنشور
إسطنبول- راج استخدام تطبيق الفيديوهات القصيرة الصيني "تيك توك" بين رواد منصات التواصل الاجتماعي في تركيا خلال السنوات الماضية، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 35% من الأتراك يتصفحون البرنامج بشكل يومي، سواء كانوا يشاركون مقاطعهم مع الآخرين أو يكتفون بالمشاهدة.
ولفتت دراسة نشرها موقع "وي آر سوشيال"، إلى عدم وجود فئة عمرية معينة تتصدر استخدام التطبيق، إذ يتراوح أعمار المستخدمين ما بين 16 و64 عاما، 38% منهم نساء.
ويُرجع محللون ارتفاع أعداد مستخدمي التطبيق إلى الأزمات المتعددة التي يمر بها الاقتصاد التركي منذ عدة سنوات مما أثر بشكل مباشر في ظروف المواطنين الاقتصادية، حيث يعتمد العديد من مستخدميه على ما يجنونه من خلال فتح البث المباشر أو الأموال التي يقدمها التطبيق لهم مقابل عدد معين من المشاهدات على مقاطعهم.
انتقادات رسمية
رغم النجاح الكبير الذي حققه تطبيق "تيك توك" في تركيا، فإنه أيضا شكل تحديات اجتماعية كان لبعضها أثر سلبي كبير، كالقلق بشأن الخصوصية والأمان، وانتشار المحتوى غير اللائق أو غير الأخلاقي، مما أثار قلق الآباء والمربين بشأن تأثير هذا المحتوى على فئة المراهقين، إضافة إلى تداول المعلومات المغلوطة والكاذبة بشكل واسع وسريع دون أي رقابة.
في هذا السياق، انطلقت أصوات تركية تُعبّر عن قلقها إزاء التأثير السلبي المحتمل لتطبيق "تيك توك" على المجتمع، مما دفع بعض الجهات والأفراد إلى التطلع نحو اتخاذ إجراءات للحد من المخاطر الاجتماعية المرتبطة به.
وأثار رئيس لجنة الإعلام الرقمي في البرلمان التركي، حسين يامان، جدلا واسعا بتصريحاته حول هذا التطبيق، حيث أدانه بشدة ووجَّه انتقادات حادة لمحتواه ولتأثيره على التقاليد والعادات والقيم الاجتماعية في البلاد.
وقال يامان: "نحن لا نقبل أبدا موقف شبكة رقمية تسمى "تيك توك"، التي لا تتوافق مع تقاليدنا وثقافتنا وعاداتنا وديننا وأي أعراف اجتماعية في تركيا، وأنا أدينها، وأطالب القضاء باتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن".
وأضاف أن هذه الممارسات، التي يعتبرها تهديدا للنظام العام وهيكل الأسرة، لا يمكن تجاهلها، وأن حماية القيم والأخلاق الاجتماعية لا تقل أهمية عن الحريات الفردية، وأكد أن المجلس لا يتجه نحو حظر التطبيق.
وأشار يامان إلى أنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بإغلاق وسائل الإعلام الرقمية، مشددا على أهمية تعزيز التوعية حيال التحديات الأخلاقية التي قد تنشأ على منصات التواصل الاجتماعي، مع تأكيد أن الحلول يمكن أن تأتي من خلال التثقيف وتعزيز الوعي بدلا من فرض حظر المنصات.
قلق وتحذير
تعبيرا عن القلق من التأثيرات السلبية المحتملة على الأطفال والمراهقين، حذرت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية في تركيا من استخدام تطبيق "تيك توك"، وأشارت إلى أن هناك آثارا بالغة الخطورة قد تنجم عن استخدامه، مما قد يؤثر على ترابط الأسرة وتكوينها السليم.
وانتقدت الوزارة الأساليب التي يتبعها بعض مستخدمي التطبيق لجمع الأموال عبر البث المباشر، محذرة من الأنشطة المحتملة لاستغلال المال أو التبرعات بشكل غير مراقب، مما يعرض الأطفال والمراهقين للمخاطر المالية والاستغلال المحتمل.
واجتمعت لجنة الإعلام الرقمي في البرلمان التركي بمدير السياسة العامة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا في "تيك توك" أمير جيلين، الأسبوع الماضي، موجهة له انتقادات عديدة حول المحتوى المتداول على التطبيق وسياسات الرقابة والمتابعة التي يعمل وفقها.
بدوره، أكد جيلين أن المنصة بصدد إطلاق نظام جديد يحول دون نشر محتويات "الرذيلة" والمنشورات التي تتناقض مع قيم الأسرة في تركيا، كما تعهد بإيقاف مشاهد البث المباشر في حال ثبت انتهاكها قواعد المجتمع، في حين سيغلق الحساب في حال تكرر هذا النوع من المحتوى.
كما شدد على أن الشركة تولي أقصى درجات الاهتمام للحساسيات الاجتماعية، مشيرا إلى أن كميات ضخمة من المحتوى يتم إنتاجها يوميا وحتى كل دقيقة على المنصة، وأن فرق التكنولوجيا والإشراف تعمل بجد للتعامل بشكل صحيح مع هذا الكم الهائل من المحتوى.
وأقر جيلين بأنه -في بعض الأحيان- يمكن أن يحدث عدم اعتدال في التعامل مع الحوادث أو عدم الوفاء بالسرعة المتوقعة في الاستجابة. ولكنه أكد أن هدف "تيك توك" دائما هو ضمان تجربة آمنة وإيجابية وممتعة للمستخدمين على المنصة، خاصة بالنسبة للشباب والعائلات.
تحسين الرقابة
وأشار أمير جيلين إلى أن الشركة تلتزم بالامتثال للقوانين واللوائح في بلدانها، بالإضافة إلى مراعاة الحساسيات الاجتماعية.
وفي ختام تصريحه، أكد ممثل التطبيق في تركيا استمرار تعزيز الجهود للامتثال وتحسين الرقابة، وأعرب عن استعداد الشركة للتعاون مع المعنيين وجميع الأطراف ذات الصلة لضمان استمرارية التحسين في هذا الاتجاه.
من جانبه أكد عمر تشوبان، أحد النشطاء الأتراك الذين رفعوا قضايا ضد تطبيق "تيك توك"، للجزيرة نت، أن هذه التطبيقات تشكل تهديدا للقيم الأساسية في المجتمع التركي التي تم ترسيخها على مر العقود، وقال إنها تفقد الآباء قدرتهم على مراقبة وتوجيه أبنائهم.
وشدد تشوبان على أن المسؤولية تقع بشكل كبير على عاتق الأسر والدولة لمواجهة التحديات التي قد تنشأ نتيجة لتأثير هذه التطبيقات، كما طالب بفرض رقابة جادة على مثل هذه التطبيقات وغيرها بهدف الحفاظ على الهوية الثقافية والقيم في المجتمع التركي.
وأبرز الناشط ذاته أهمية التدخل الفعّال للسلطات للحفاظ على التوازن ومعالجة التحديات التي قد تنشأ نتيجة لتأثير هذه التطبيقات على نسيج المجتمع.