"أسرى اتفاق أوسلو" الـ22.. ماذا عنهم؟
جنين- فقدَ السمع والبصر معا، وبما تبقى من جسد نحيل لا يقوى على تحريك معظمه، يجلس الحاج محمد شريف السعدي (أبو عماد) منتظرا أملا بأن يحتضن نجله الأسير رائد ولو لمرة واحدة قبل أن يُقضى أجله، ويحاول تصبير نفسه على مرِّ الفراق وحسرته بصورة لابنه يضمها إلى صدره.
اعتقل نجله رائد السعدي (57 عاما) عام 1989، وحكم بالسجن المؤبد مرتين بعد إدانته بمقاومة الاحتلال، وهو اليوم يقضي عامه الـ35 في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ليكون ضمن 22 أسيرا فلسطينيا باتوا يعرفون باسم "أسرى ما قبل أوسلو".
لم يحمل هؤلاء الأسرى من أوسلو سوى الاسم فقط، إذ ظلت إسرائيل وأمام الضعف الرسمي الفلسطيني وغياب الدعم العربي والعالمي تتعنت بالإفراج عنهم، ولم تجد نفعًا كل المحاولات المطالبة بإطلاق سراحهم، زيادةً في عقابهم من ناحية ولاستخدامهم ورقةً للمساومة لأي حل مستقبلي من ناحية أخرى.
كان ذلك سببا في خيبة أمل الحاج أبو عماد، بل أفقده صحته أيضا، ويقول للجزيرة نت بينما أخفض صوت المذياع الذي يظل يحمله بانتظار سماعه خبرا مفرحا، إن كل أمله بعد أن فقد بصره ولم يعد يرى، أن يحتضن نجله رائد حرا، ويتحسسه بين يديه، قبل أن يرحل عن الدنيا كزوجته ونجله الكبير عماد.
الأمل في المقاومة
وبحرقة المشتاق لولده الأسير الذي لم يره منذ نحو 7 سنوات، يتساءل أبو عماد عن دور العرب والمسلمين وعن "إنسانية العالم"، التي لم تتمكن من إطلاق سراح ابنه وسكتت عن إبقاء أسرى معتقلين لـ40 عاما.
يقول السعدي: "أيعقل لهذا الحد لا يوجد من يضغط لتحرير الأسرى؟"، موجها لومه للمفاوض الفلسطيني الذي كان يجب أن "يضغط بقوة وحزم لتبييض السجون، فأوسلو ليست مجرد اتفاق، بل أساس لمرحلة فلسطينية جديدة"، على حد تعبيره.
ولم يخفِ لومه أيضا "صفقات التبادل" التي استثنت نجله وأسرى آخرين منها، ودعا السلطة الفلسطينية للضغط بكل قوتها للإفراج عنهم، لكنه ورغم ذلك يعوِّل وبقوة على المقاومة الفلسطينية وفصائلها بإحراز صفقة جديدة، تحرر نجله وبقية الأسرى.
وعلى قدرة المقاومة على إنجاز صفقات تبادل مع الاحتلال، يُعلق ذوو الأسرى عموما و"أسرى أوسلو" خاصة آمالهم لتحرير أبنائهم، ولا سيما في ظل حالة الضعف السياسي الرسمي والحزبي الذي يعيشه الفلسطينيون، كحال ذوي الأسيرين جمعة آدم ومحمود خربيش في مدينة أريحا.
ويقول ذووهما إن أي صفقة تحققها المقاومة وتخرج أبناءهم من المعتقل، هي بارقة الأمل الوحيدة التي تخفف من قهرهم وغيظهم وتصبرهم على مر الفراق، لكي ينعم أبناؤهم بما تبقى من حياتهم التي قضوا جلها في السجون.
السياسة لن تحرر الأسرى
وزّعت إسرائيل 104 أسرى ممن اعتقلوا قبل "أوسلو" إلى 4 دفعات، تمهيدا لإطلاق سراحهم واستباقا لعودة المفاوضات، فأطلقت سراح 3 دفعات وأبقت الرابعة رهن الاعتقال، لتنسف بذلك كل الجهود المبذولة لتحريرهم.
يقول وزير هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدورة فارس للجزيرة نت، إن قضية الأسرى ليست البند الوحيد في اتفاق أوسلو الذي أخلّت به إسرائيل، وبما ترتب عليها من اتفاقات أخرى، "فهي عمليا قوَّضت أوسلو وسحقت كل الاتفاقيات".
وأضاف فارس أن إسرائيل كانت لديها نية مبيّتة بعدم إطلاق الدفعة الرابعة، وخاصة أسرى فلسطينيي 48 ومن يتهمون بعمليات فدائية كبيرة، وظهر ذلك ليس فقط بتقسيم الأسرى لدفعات بدلاً من الإفراج عنهم مرة واحدة، وإنما بجعل قرار إطلاق تلك الدفعة بيد الكابنيت الإسرائيلي (مجلس الوزراء المصغر)، وليس بيد رئيس الحكومة الإسرائيلية فقط، كما هو شأن الدفعات الثلاث السابقة.
واستبعد فارس أي أمل بالإفراج عن الأسرى عبر القنوات السياسية، وقال إن "الأمل منعدم"، لأنه لا يوجد شريك سياسي في إسرائيل، وإن من يحكم إسرائيل "طغمة فاشية" هدفها الانتقام من الأسرى وليس إطلاق سراحهم.
وأضاف أن "الأمور مأزومة ومتوترة الآن ومفتوحة على كل الاحتمالات، ولذلك لا نصدّر وهْما للشعب الفلسطيني بأن بالإمكان ومن خلال المسارات السياسية تحريرهم".
عند التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993 كان عدد الأسرى الفلسطينيين يبلغ 12500 أسير، ولم تتطرق هذه الاتفاقية حسب وكالة الأنباء الرسمية (وفا) إلى قضية الأسرى في بنودها ونصوصها، وكانت إسرائيل تتعامل مع قضية الإفراج عن الأسرى من منطلق "مبادرات حسن النية" ووفق مقاييسها الداخلية.
كما أرجأت إسرائيل الحديث عن الأسرى للاتفاقات اللاحقة، ومع ذلك تعنتت بالإفراج عنهم كلهم، وكانت تخفض أعداد المفرج عنهم بكل مرة تقدم على ذلك.
المفاوض هو المسؤول
يحمل أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العربية الأميركية والباحث بشؤون الأسرى عقل صلاح المفاوض الفلسطيني المسؤولية عن عدم الإفراج عن هؤلاء الأسرى، ويقول إن أول شرط للتفاوض وإنهاء الصراع كان يجب "تبييض السجون" قبل كل شيء.
ويتفق صلاح مع قدورة وذوي الأسرى بأنه لا سبيل للإفراج عن أبنائهم إلا عبر المقاومة، وما تحدثه من عمليات أسر لجنود إسرائيليين وتساوم عليهم.
ويقول صلاح إن الأسرى ولا سيما القدامى وذوو المؤبدات يعيشون ظروفا صعبة وقاسية، خصوصا في ظل العقوبات التي تحاول إسرائيل فرضها عليهم، كما أنهم يشعرون بالخذلان بعد نحو 4 عقود من توقيع أوسلو وهم ما زالوا بالأسر، كما يغيب الأمل عن أي صفقة تبادل تلوح بالأفق في ظل رفض إسرائيل دفع الثمن وإطلاق سراحهم حسب الاتفاقات.