إجرام وتهجير وقتل.. مستوطنون يستغلون "طوفان الأقصى" لتنفيذ مخططاتهم بالضفة

عاطف دغلس- تجمع بدوي آخر شرق القدس يهدد المستوطنون والاحتلال بتهجيره - الضفة الغربية-شرق القدس - الجزيرة نت6
تجمعٌ بدوي فلسطيني شرق القدس يهدد المستوطنون والاحتلال بتهجيره (الجزيرة)

نابلس – مستغلا حالة هدوء نسبي بمحيط بلدته وقدسية يوم السبت اليهودي، انطلق الفلسطيني بلال صالح وعائلته قبل أيام نحو أرضه لجني ثمار الزيتون، الذي أخَّر قطافه ليتجنب قدر ما يستطيع عداء المستوطنين.

ولكن حساباته لم تكن كما أراد، إذ كسر المستوطنون حرمة سبتهم وهاجموه على أرضه وأطلقوا عليه النار ليُقتل شهيدا.

يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اصطحب بلال (40 عاما) زوجته وأطفاله كحال كثيرين قاصدا أرض "الديسة" في قريته الساوية قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لم يكد يحط أمتعته ويشرع في عمله حتى باغته 4 مستوطنين مسلحين، وأطلق أحدهم النار عليه من مسافة 20 مترا، فاستشهد برصاصتين قاتلتين في الصدر.

وأكدت وقائع على الأرض ومعلومات حصلت عليها الجزيرة نت من ذوي الشهيد بلال، تربص المستوطنين القادمين من مستوطنة "رحليم" بالمزارعين، واستعدادهم للقتل.

 

 

نهج قتل مباشر

ورغم أنها ليست العملية الأولى، فإن قتل المواطن بلال أكد تصاعد عنف المستوطنين بالضفة الغربية كنهج للقتل المباشر مع سبق الإصرار والترصد وعلى مرأى من جيش الاحتلال وتحت حمايته.

كما أكدت عملية القتل ذاتها أن المستوطنين باتوا ينفذون مخططا سياسيا لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو ما يعكسه قتلهم 9 فلسطينيين وجرحهم العشرات منذ بدء العدوان على غزة عبر أكثر من 320 اعتداء منظما لهم.

وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وخلال أقل من 24 ساعة، قتل المستوطنون بالرصاص الحي 5 مواطنين وأصابوا 12 آخرين في قرية قصرة جنوب نابلس.

كما قتل جنود الاحتلال، الذين اقتحموا القرية لحماية المستوطنين، مواطنا سادسا وارتكبوا 15 اعتداء في القرية وحدها، حيث جرَّفوا بآلياتهم الخاصة الأراضي وحرقوا الأشجار والمزروعات، وقتلوا الحيوانات ودمروا البنية التحتية من شبكات كهرباء وماء.

وهجَّر المستوطنون، منذ الحرب على غزة، نحو 1000 فلسطيني من عشرات التجمعات البدوية وسط الضفة الغربية وجنوبها وفي الأغوار الفلسطينية، وبقوة السلاح مارسوا "تطهيرا عرقيا" كاملا في 5 منها شرق رام الله، وطردوا أهلها.

 

 

عصابات مختلفة

وينطلق المستوطنون في هجماتهم عبر مجموعات خاصة وبمسميات عدة أهمها "شبيبة التلال" و"تدفيع الثمن" و"كهانا حي"، وهي امتداد لجماعات مشابهة انطلقت عقب احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967، وتشابهت في الأهداف والسياسات مع جذورها من عصابات "شتيرن" و"الهاغاناه" و"الأرغون" التي قتلت وهجَّرت الفلسطينيين سنة 1948.

وفي أبريل/نيسان 1968، اقتحم المستوطنون المسلحون بقيادة الحاخام المتطرف موشيه ليفنغر فندق "النهر الخالد" وسط مدينة الخليل، واحتلوه لإقامة احتفال بعيد الفصح اليهودي.

وتُنسب لأولئك المستوطنين، الذين شكلوا لاحقا تنظيما سريا انضوى تحت حركة "غوش إيمونيم" الصهيونية، هجمات متطرفة أبرزها استهداف رؤساء بلديات الخليل ونابلس والبيرة عام 1980، ومجزرة الحرم الابراهيمي عام 1994 وغيرها.

وفي سياق الحدث الاستيطاني الأكبر الذي ينفذ بالضفة الغربية، تمحورت هذه الجماعات تحت "شبيبة التلال" و"تدفيع الثمن" خلال العقدين الماضيين، وتصاعدت أعمالها الإجرامية في السنوات القليلة الماضية، وقد شن المستوطنون أكثر من 1600 عمل إجرامي خلال السنة الحالية فقط.

مستوطنون يستفزون المواطنين الفلسطينيين برقصاتهم في قرية اللبن جنوب نابلس بحماية جيش الاحتلال (الجزيرة)
مستوطنون يستفزون المواطنين الفلسطينيين برقصاتهم في قرية اللبن جنوب نابلس بحماية جيش الاحتلال (الجزيرة)

تصاعد الهجمات

وفي أواخر عام 1998، تشكلت "شبيبة التلال"، وساهم في تأسيسها وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون، ثم تأسست عصابة "تدفيع الثمن" عام 2008، واتخذت تلك المجموعات من قمم الجبال بؤرا استيطانية لها، وانطلقت لتنفيذ اعتداءاتها.

ورغم انتشار هذه الجماعات بكل مستوطنات الضفة الغربية والقدس، فإنها تركزت بمستوطنات شمال الضفة لا سيما "ألون موريه" و"تفوح" وإيتمار" و"يتسهار"، والتي تحوي مركزا دينيا يسهم في تعليم وتخريج هذه العصابات وتدريبها، ومنها أيضا في مستوطنات "تقوع" و"معاليه أدوميم" و"بيتار عيليت" جنوبا.

وبدا لافتا تصعيد المستوطنين هجماتهم خلال العامين الأخيرين، وتصاعدت أكثر مع تغول "الصهيونية الدينية" بقيادة الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في حكومة الاحتلال، مما رفع وتيرة وحدّة هذه الاعتداءات منذ بدء العدوان على غزة.

يقول فؤاد حسن، وهو ناشط ضد الاستيطان في بلدة قصرة جنوب نابلس، إن الاعتداءات الأخيرة حملت طابع القتل المباشر وتعطش المستوطنين لسفك دماء الفلسطينيين، وانتقلت من قلع الأشجار وحرق المزروعات والاستيطان الرعوي إلى التوسع فوق أراضي المواطنين للتطهير من الأرض.

ويضيف الناشط نفسه أن المستوطنين نفذوا مجزرة الشهر الماضي بقريته وقتلوا 5 مواطنين، بعد أن نفذوا هجمات منظمة استهدفوا عبرها منازل المواطنين في أطراف القرية، ثم توغلوا لعمق أكبر بحماية الجيش وحراس أمن المستوطنات، "بل إنهم ارتدوا زي الجيش وأماطوا اللثام عن وجوههم".

 بيتار عيليت من المستوطنات المتطرفة في بيت لحم جنوب الضفة الغربية (الجزيرة)
بيتار عيليت من المستوطنات المتطرفة في بيت لحم جنوب الضفة الغربية (الجزيرة)

"مؤشر لمجازر أكبر"

من جانبه، حذر مسؤول العمل الجماهيري بهيئة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة من تصاعد جرائم المستوطنين الآن، وقال إنها مؤشر على مجازر كبرى تشبه مجازر الاحتلال إبان نكبة الفلسطينيين عام 1948.

وكشف أبو رحمة -للجزيرة نت- أنه تم تسليح 26 ألف مستوطن ببنادق رشاشة حديثة بدعم من بن غفير منذ بدء الحرب على غزة فقط، وتلقوا تدريبات مسبقة ومكثفة على العنف، ويحظون بحماية الجيش الذي يقيمون معه علاقات وصداقات لقربه منهم وعيشه معهم داخل المستوطنات.

ويضيف المتحدث ذاته "الآن حصل المستوطنون على الضوء الأخضر خاصة بعد المصادقة على قانون تغيير قواعد إطلاق النار وتصاريح باستخدام السلاح باستهداف أي فلسطيني دون أي حساب أو مساءلة".

ويتابع أبو رحمة "منذ بداية 2023 والمستوطنون في صراع مع الزمن لتنفيذ مخططاتهم بالقتل والتهجير للاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض، مستغلين وجودهم وتأثيرهم في الحكومة المتطرفة، والآن يرون في الحرب فرصتهم الذهبية التي لن تتكرر، ولذا سيصعدون عنفهم أكثر".

 

 

وازع ديني متطرف

ولا يستغل المستوطنون انشغالا محليا ودوليا بالحرب فقط لتنفيذ مخططاتهم التي أعدوها سلفا، بل يعتمدون على أعدادهم التي باتت تقترب من 750 ألف مستوطن، موزعين على 145 مستوطنة بالكبيرة و140 بؤرة استيطانية بالضفة الغربية والقدس، حسب الخبير الفلسطيني بشؤون الاستيطان خليل التفكجي.

ويؤكد التفكجي للجزيرة نت أن الأخطر أن 30% من المستوطنين "عقائديون"، أي أن وازعهم في السيطرة على الأرض ديني متطرف قائم على شعارات أن هذه "أرض الميعاد، وأن ما بين النهر والبحر دولة واحدة لهم".

ويضيف الخبير الفلسطيني أن المستوطنين يتبعون سياسة اسمها "أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من السكان، مما ينذر بتوسيع أهدافهم بالتهجير والطرد".

المصدر : الجزيرة