بسبب الحرب على غزة.. توقعات بتفكّك حكومة نتنياهو
القدس المحتلة- فيما شارف الأسبوع الخامس من العدوان على الانتهاء، تجد حكومة بنيامين نتنياهو ذاتها في حقل من الألغام حدّدت ملامحه، وبوصلته معركة "طوفان الأقصى" التي كشفت عن أكبر إخفاق استخباراتي وأمني وسياسي وعملياتي تواجهه إسرائيل.
وخرجت إسرائيل إلى الحرب على غزة وسط حالة من الاستقطاب السياسي والشرخ المجتمعي، عمّقته خطة الحكومة لإجراء تعديلات على الجهاز القضائي.
في حين اختار نتنياهو -الذي رفض تحمل مسؤولية شخصية عن الفشل بالسابع من أكتوبر- تشكيل حكومة طوارئ قومية لتأطير صورة "وحدة وطنية"، مع تكثيف القصف والغارات، وسط خسائر مادية وبشرية تتكبدها إسرائيل، ويتم التكتم عليها بظل الرقابة العسكرية.
ماذا يدور في أروقة حكومة الحرب في إسرائيل؟
بعيدا عن مقص الرقيب العسكري، أظهرت لقطات كثيرة لقادة حكومة الطوارئ و"كابينت الحرب" كواليس الخلافات ما بين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس "المعسكر الوطني"، بيني غانتس، بشأن المسؤولية الشخصية للفشل والإخفاق، والتناغم مع الإدارة الأميركية والحصول على الدعم الدولي للحرب، وهو الدعم الذي بدا يتآكل وسط خلافات وبوادر صدام بين نتنياهو وإدارة الرئيس جو بادين.
لم يتردد نتنياهو حتى خلال المعارك والتوغل البري من انتقاد القيادة العسكرية وتحميلها مسؤولية الإخفاقات، وهذا الطرح الذي قوبل برد حازم ومدافع من قبل غانتس وغالانت، وهو ما يشير إلى أن حكومة الطوارئ غير موحدة، ويعكس حالة الضبابية وتباين المواقف بشأن سير الحرب وتطور المعارك البرية في ظل ملف المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس.
يرى المحلل السياسي عكيفا إلدار أن إسرائيل دخلت المعركة البرية في غزة على مضض، إذ أجبرتها معركة "طوفان الأقصى" على خوض معركة طالما تعمدت خلال الجولات القتالية السابقة ترحيلها، وذلك بسبب الشكوك التي راودت المستوى السياسي باستحالة حسم المعركة، وهي ذات الشكوك التي أثارت المستوى العسكري بشأن مستقبل غزة الأمني والعسكري، إذا نجح سيناريو تفكيك قدرة حماس العسكرية.
ويعتقد إلدار أن الخلافات السياسية في إسرائيل ستطفو على السطح وبشكل واضح فور انتهاء الحرب، التي يسعى نتنياهو لإطالة أمدها والإبقاء عليها مشتعلة على فتيل نار خافت، وذلك لضمان البقاء على كرسي رئاسة الوزراء، كما أنه على استعداد ليصطدم بإدارة الرئيس بايدن إذا كثفت الولايات المتحدة ضغوطها على إسرائيل لإنهاء الحرب.
هل يوشك الدعم الغربي أن يتوقف؟
يُجمع المحللون أن ساعة الدعم الغربي وحتى الأميركي توشك على الانتهاء، وذلك في ظل الحراك الشعبي حول العالم المندد بالحرب الإسرائيلية على غزة والمناصر للشعب الفلسطيني.
وأوضح القنصل الإسرائيلي السابق بنيويورك ألون بينكاس، في مقال له بصحيفة "هآرتس"، أن إدارة بايدن تمارس ضغوطاً على نتنياهو لوقف إطلاق النار، وقد يرتفع هذا السقف إلى حد المطالبة بإنهاء الحرب، وهو ما قد يدفع رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى الدخول بصدام مع واشنطن، ليس من أجل تحقيق أهداف الحرب، بل من أجل مصالحه السياسية الشخصية.
وتواصل الإدارة الأميركية منح إسرائيل الدعم السياسي لتمكينها من مواصلة القتال ضد حماس. ويقول الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب غلداد شابيت "رغم ذلك، يجب على إسرائيل تجنّب اعتبار الصبر الأميركي أمرا مفروغا منه، ويجب أن تأخذ في الاعتبار أنه في وقت معين، وربما قريبا، لن تكون الساعة السياسية الأميركية والساعة العسكرية الإسرائيلية متزامنتين".
وأوضح شابيت أن حكومة اليمين برئاسة نتنياهو فاقدة للشرعية، بالذات في حالة الطوارئ والحرب، فهي فاشلة وعاجزة عن القيام بمهامها وخدمة المدنيين، لكن رغم ذلك ستبقى تصارع البقاء، وتتحدى أحزاب المعارضة التي تتعاظم قوتها خلال الحرب وأصبحت مرشحة للفوز وتشكيل الحكومة المقبلة في حال أُجريت انتخابات مبكرة.
وأشار المحلل السياسي للجزيرة نت، إلى وجود بوادر معارضة لنتنياهو حتى داخل حزب الليكود، الذي ليس من المستبعد أن يتمرد على زعيمه ويطيح به، خصوصا مع تعالي الأصوات المعارضة للحكومة التي فشلت في تلبية احتياجات المواطنين، وتراهن في ملف المحتجزين الإسرائيليين لمصالح سياسية ضيقة، علما أن 66% من الجمهور الإسرائيلي يؤيد الذهاب إلى انتخابات مبكرة فور انتهاء الحرب.
ما مستقبل الحرب البرية من وجهة النظر الإسرائيلية؟
تتكشف على أرض الواقع الشكوك التي راودت إسرائيل خلال الجولات القتالية على مدار عقد ونيف، بشأن صعوبة حسم المعركة البرية في غزة، في ظل المعارك الضارية التي تخوضها المقاومة الفلسطينية مع قوات الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة.
ويقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل "صحيح، لا تزال إسرائيل بعيدة عن إخضاع حماس، وعلى ما يبدو، فإن رئيس الحركة يحيى السنوار موجود تحت الأرض في شبكة الأنفاق بمكان آمن، ولا ينوي أن يأمر رجاله بوقف القتال".
وعليه، يُرجّح المحلل العسكري أنه لا تزال هناك 3 مشاكل رئيسية قائمة بالنسبة لإسرائيل ومتعلقة بمعركة التوغل البري:
- إذ إن التفوق العسكري لا يُترجم إلى استسلام حماس التي تحارب بشراسة.
- كما أن الجيش الإسرائيلي شبه خامل في جنوب قطاع غزة، حيث تم دفع المدنيين للنزوح، وسيتعين عليه حساب وجودهم لاحقا، خاصة وأن الوضع الإنساني هناك يزداد سوء، ومن المتوقع أن يصبح أكثر تعقيداً مع قدوم الشتاء.
- كما أن هذه الحرب أُفتتحت بتفوق كبير لحماس في عمليات "طوفان الأقصى".
كيف تتعامل الحكومة الإسرائيلية مع ملف المحتجزين؟
تُجمع التحليلات الإسرائيلية على أن نتنياهو يناور ويراوغ في مفاوضات المحتجزين الإسرائيليين، على اعتبار أنه ليس على استعداد لدفع ثمن صفقة تبادل أسرى، خشية المساس بمستقبله السياسي، ومن ثم لا يزال يروج لخروجه إلى الحرب من أجل تحرير المحتجزين.
وهذا الطرح عبّر عنه المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع، الذي أوضح أن مفاوضات تحرير المحتجزين وصفقة التبادل تتقدم ببطء، رغم اتساع المطلب الشعبي بإسرائيل الداعي للتوصل إلى صفقة، وإن كان الثمن باهظا.
ويعتقد برنياع أن رئيس حماس يحيى السنوار هو الذي يتحكم ويوجّه المفاوضات، بل يسيطر أيضاً على الدعاية والسردية في هذا الملف، إذ يريد الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين على مراحل، وذلك لضمان فترات أطول لوقف النار، ولتحرير المزيد من الأسرى الفلسطينيين على مجموعات وبشكل متدرج.
كيف تبدو ملامح نهاية الحرب؟
مهما كانت نتائج الحرب التي ستنتهي عاجلا أو آجلا، بسبب تراجع الدعم وتآكله حتى من قبل واشنطن، يقول محلل الشؤون الإستراتيجية والأمنية في موقع "واللا" الإلكتروني أمير أورن "حتى لو سُجل في الحرب إنجاز إسرائيلي، فلن يكون كافيا للتغطية على الفشل في التحذير ومنع الهجوم المفاجئ الذي شنته كتائب القسام على "غلاف غزة" والجنوب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
كما يرى أورن أن نتائج الحرب على غزة لن تغطي على هزيمة حكومة إسرائيل ورئيسها نتنياهو في معركة "طوفان الأقصى"، في حين يرى بالمقابل أنه "حتى لو لم يعش رئيس حماس السنوار ليرى نهاية الحرب، فإنه نجح في هزيمة الحكومة الإسرائيلية، وجعل نتنياهو يقلّص إسرائيل التي تم إفراغ سكانها من النقب الغربي والجليل الشمالي، في أكبر عملية نزوح داخلي تشهدها منذ حرب 1948".
ويعتقد أورن أن حكومة نتنياهو لا يمكنها أن تتحدث عن أي إنجاز أو انتصار، وهي تتحمل مسؤولية الفشل، ومن ثم قد تتفكك بعد نهاية الحرب، لأن القائد السياسي هو المكلف بدراسة الوضع الأمني بعمق، أو على أقل تقدير "الحفاظ على قوة وعظمة" إسرائيل، وهو بالضبط ما لم يفعله نتنياهو منذ أن أدت حكومته اليمين الدستوري حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.