"دعشنة" حماس و"قطع رؤوس الأطفال".. اختلاق وتشويه سقط في فخهما العم سام

يبدو أن الدعاية الإسرائيلية لتشويه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تفرغ بعد ما في جعبتها، ففي كل يوم تقدّم ادعاء جديدا يثبت عدم صحته لاحقا، بعد أن تكون قد ورّطت معها دولا وشخصيات غربية تجبرها على الاعتذار والتراجع عن تصريحاتها.

وأبرز المحرجين هو أقرب الحلفاء والداعم الأول، إذ تراجع البيت الأبيض عن تصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن أعرب فيها -خلال اجتماعه مع زعماء الطائفة اليهودية في البيت الأبيض- أنه لم يكن يعتقد أنه "سيرى صورا لإرهابيين وهم يقطعون رؤوس الأطفال".

ولاحقا نقلت صحيفة واشنطن بوست عن متحدث باسم البيت الأبيض قوله إنه "لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أميركي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشأن ذلك بشكل مستقل".

"دواعش حماس"

وبعد انكشاف الحقيقة في موضوع "الأطفال وقطع الرؤوس"، انتقلت الدعاية الإسرائيلية إلى ادعاء جديد، ولكن هذه المرة لتخويف الغرب وإثارة استعطافه أكثر ودغدغة مشاعر العالم، وهو "دعشنة حماس"، في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

وهنا تحالف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي مع صحيفة "إسرائيل اليوم" لتقديم وجبة دسمة للعالم الغربي عنوانها "دواعش حماس".

ويغرد أدرعي على حسابه الرسمي بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) بصورة لـ"علم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش الإرهابي) الذي تم كشفه بين عتاد دواعش حماس الذين تسللوا إلى كيبوتس صوفا في غلاف غزة"، قائلا "الإسلام منكم براء".

ثم يتلوها بتغريدة تضمنت فيديو له زاعما أنه "من قلب المجزرة التي ارتكبها دواعش حماس في غلاف غزة، أوجه رسالة لكل مسلم غيور ومحب للإنسانية، قولوا: هؤلاء الدواعش لا يمثلون الإسلام".

وقد ذهبت الصحيفة الإسرائيلية المقربة من الجيش والمؤسسة الأمنية إلى سيناريو "هوليودي" بأن "السلطات الإسرائيلية تعتقد أن الإرهابيين، الذين قتلوا عددا من سكان الكيبوتس، خططوا لرفع علم داعش، ولكن قوات مكافحة الإرهاب قضت عليهم قبل أن يتمكنوا من تنفيذ خطتهم".

وتابعت "اكتشف علم تنظيم داعش الإرهابي على جثث الإرهابيين في كيبوتس (صوفا) في أعقاب الهجوم عليها".

ونقلت الصحيفة نفسها عن قائد لواء "غزة 99" العقيد باراك حيرام -في وقت سابق أمس- أن هناك "فظائع شهدتها إحدى الكيبوتسات، وخلال عمليات البحث فيها وجدنا أشخاصا مقيدين أطلق النار عليهم وأطفالا جرحى، ورضعا في عربات الأطفال.. لم يكن هناك رحمة".

وفي تصريح هذا العقيد الإسرائيلي، لم يذكر الأطفال "المقطوعة رؤوسهم" الذين بلغ عددهم 40، بحسب مزاعم الاحتلال.

لكن من أين جاء هذا الرقم وهذه الرواية التي وقع في فخها الرئيس الأميركي؟

بعد بحث طويل وتتبع لمصدر الرواية، استطاعت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أن تصل إلى أصل المعلومة، فهي لمراسلة قناة "آي24" الإسرائيلية الناطقة بعدة لغات بينها العربية والإنجليزية والفرنسية.

وأول أمس الثلاثاء، غردت القناة على حسابها الموثق على منصة "إكس" بنسخته الفرنسية بكلمات معدودات "العثور على 40 طفلا مقتولا"، وأرفقت التغريدة بفيديو.

 

وبعدها بدقائق خرجت النسخة الإنجليزية بقصة مفصلة، وهي أن "نحو 40 طفلا حملوا على نقالات إلى المستشفيات وانقلبت الأسرّة، وتركت عربات الأطفال خلفهم، وتركت الأبواب مفتوحة على مصراعيها".

وخرجت مراسلة القناة "بتأثر" للحديث باللغة الإنجليزية عما أسمتها "مشاهد الرعب في كيبوتس (كفار عزة) حيث هاجمت حماس وقتلت عشرات الإسرائيليين في منازلهم".

وعندما سُئلت عن هذا الرقم وما إذا كان يتعلق بالفعل بـ40 طفلا ميتا، أكدت المراسلة أن "هذا ما قاله لي أحد القادة العسكريين"، وأن العدد الإجمالي للوفيات لم يُحدد بعد.

ثم خرجت برسالة أخرى لتؤكد أن "أحد القادة أعلن مقتل نحو 40 طفلا، قُطعت رؤوس بعضهم، وقال إنه لم ير مثل هذه الأعمال الوحشية من قبل".

لتنتشر هذه المعلومات كالنار في الهشيم وعلى نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي بعض الأحيان عبر وسائل الإعلام. إذ أكد حساب منصة "نيكستا" (يتابعه أكثر من مليون) على "إكس" أن "إسرائيل أظهرت للصحافة جثث 40 طفلا مقطوعي الرأس عثر عليهم في إحدى الكيبوتسات".

الجميع سمع ولم ير أحد

الصحيح في الخبر أن الجيش الإسرائيلي سمح لصحفيين أجانب بدخول كيبوتس "كفر عزة" التي تقع على بعد أقل من كيلومتر واحد من قطاع غزة، ولكن لم يطلع أحد منهم على "جثث الأطفال الأربعين".

وأبلغ الرائد إيتاي فيروف الصحفيين أن "رؤوس عائلات قُطعت"، ولكن لم تظهر هذه المعلومات في أي خبر أو فيديو أو صورة، علما أن وكالة رويترز كانت حاضرة في الجولة.

وحده مراسل قناة "آي24" بالفرنسية زعم أنه استطاع الحديث مع "جندي احتياط وهو طبيب يتحدث بالفرنسية ويعيش قرب تل أبيب، وقال له إنه منذ الساعات الأولى لوجوده هناك، أحصوا ما لا يقل عن 40 طفلا أعدموا ونزعت أحشاؤهم، ومن بينهم رضع".

ولكن، كيف تملك "آي24" معلومات لم تصل إلى أي صحفي من المشاركين في الجولة مع الجيش الإسرائيلي؟

يوضح الصحفي الإسرائيلي مايل بنوليئيل أنه لم ير "أطفالًا يقتلون أو قُطعت رؤوسهم، وكل ما سمعناه نقلا عن شهادات من جنود".

كما أقر متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في حديث لشبكة "سي إن إن"، بأنه لا "يستطيع تأكيد عمليات قطع الرؤوس التي تم الإبلاغ عنها على نطاق واسع".

وقد ادعى الرائد والمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي نير دينار بأن "جنوده عثروا على جثث أطفال مقطوعة الرأس في كفار عزة".

وعندما سأله مراسل موقع "بيزنس إنسيادر" هل تؤكد المعلومة؟ تراجع عن تأكيداته قائلا إنه "لم ير أي صور أو مقاطع فيديو بنفسه، إلا أن الجنود الموجودين على الأرض أخبروني بذلك".

بدورها ذكرت وكالة الأناضول على حسابها باللغة الفرنسية في منصة "إكس" أن "الجيش الإسرائيلي أخبرها أنه لا يملك معلومات تؤكد أن حماس قطعت رؤوس أطفال".

كما أكد الصحفي صامويل فوري، الذي يعمل في صحيفتي "لوموند" و"لو سوار" الفرنسيتين، أنه "لم يتمكن من التحقق من عمليات قطع رؤوس الأطفال".

وتابع فوري "كنت في كفار عزة أمس، لم يخبرني أحد عن عمليات قطع الرؤوس، ولا حتى عن أطفال مقطوعي الرأس، ولا حتى عن 40 طفلا مقطوعي الرأس".

بدورها أكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أن "الوزارة ليست في وضع يمكّنها في هذه المرحلة من تأكيد مقتل 40 طفلا".

وبعد ليبراسيون والصحف العالمية، جاءت "الضربة القاضية" للروايات المفبركة من مدون يدعى "المعتصم بالله"، الذي شرح بسلسلة تغريدات ما أسماه "النفاق وقلب الحقائق" الذي يقوم به الإعلام الغربي، وكيف يتشكل "الوعي العام بالأكاذيب والنفاق"؟

وفي كل تغريدة كان يحاول تفنيد "كذبة أو ادعاء":

  • استخدام صور من قبل مشاهير لغزة مع شعار "صلوا أو ادعموا إسرائيل".
  • استخدام صور لمعاناة فلسطينيين على أنهم إسرائيليون.
  • تقديم المقاومين بصورة قتلة من دون رحمة ويعذبون الأسرى ويقتلونهم.
  • بينما يدعي الإعلام الغربي أن المقاومين الفلسطينيين يغتصبون النساء ويقتلون الأطفال، وأنه تم أمس الإفراج عن سيدة وطفليها، انتشرت فيديوهات عن التعاطي الإنساني للمقاومين مع العائلات الإسرائيلية.
  • الكذبة الكبيرة عن قتل 40 طفلا وقطع رؤوسهم ثبت اختلاقها، في المقابل قتلت إسرائيل أكثر من 3 آلاف طفل منذ عام 2000.
  • حساب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتباهى بنشر فيديو على حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي لطائرة إسرائيلية تقصف أحد المنازل.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي

إعلان