تجميد حسابات الغنوشي.. استهداف للإسلام السياسي أم حيلة لدعم مشروع دستور قيس سعيّد؟

لا يعتقد المحللون أن تجميد الحسابات البنكية لراشد الغنوشي وعدد من قيادات النهضة سيكون ضربة للإسلام السياسي باعتباره ظاهرة اجتماعية وسياسية مركبة، لكنه يحاول إضعاف وإنهاك الحركة وحشرها في الزاوية.

زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي سيمثل أمام القضاء بشأن جمعية نماء تونس الخيرية (مواقع التواصل)

تونس- فجّر القرار القضائي المتعلق بتجميد الحسابات البنكية لزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي وعدد من قيادات الحركة تساؤلات حول ما إذا كان هذا الإجراء يستهدف تضييق الخناق على تيار الإسلام السياسي في البلاد، أم أنه مجرد حيلة لاستمالة الشق العلماني لدعم مشروع دستور الرئيس قيس سعيّد في الاستفتاء.

وكانت لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي أعلنت أول أمس الثلاثاء تجميد حسابات بنكية لزعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي و9 أشخاص آخرين، بينهم نجله معاذ الغنوشي وصهره ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي.

وأوضحت اللجنة أن القرار صدر عقب طلب من قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب في المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة. وبالإضافة إلى ذلك فقد أصدر القضاء قرارا باستجواب راشد الغنوشي في 19 يوليو/تموز الجاري فيما يعرف بقضية جمعية "نماء تونس" الخيرية.

وسيقع استنطاق الغنوشي في شبهات بغسيل أموال في قضية الجمعية التي تتهمها السلطات بغسيل الأموال وبتلقيها من جهات أجنبية. بينما تقول حركة النهضة إن التهم ملفقة لتصفية الخصوم السياسيين وتخويف الناس من مغبة إخفاق الاستفتاء على دستور جديد صاغه الرئيس قيس سعيّد.

ضرب الخصوم السياسيين

ويستبعد القيادي بحركة النهضة عماد الخميري أن يكون لهذا الإجراء علاقة باستهداف الإسلام السياسي أو الهوية أو المرجعية الدينية لحركة النهضة الإسلامية، مشددا على أن المستهدف هم "خصوم قيس سعيّد السياسيين الذين يعارضون مشروعه الانقلابي على الدستور والنظام الديمقراطي ومكتسبات الثورة".

ويؤكد الخميري للجزيرة نت، أن الرئيس سعيّد بصدد استخدام أجهزة الدولة القضائية والأمنية للانتقام من خصومه السياسيين، مشيرا إلى أنه "يحاول من خلال أعماله الانتقامية إيهام الرأي العام في الداخل والخارج بأن زعيم حركة النهضة أو قياداتها متورطون في قضايا تبييض الأموال وغيرها".

ورأى الخميري هذه التهم محاولة لشيطنة حركة النهضة، نافيا أية علاقة لزعيمها أو قياداتها بمزاعم غسيل الأموال أو التورط في ملفات إرهابية. وقال "نتحداهم أن يكشفوا عنها أمام الرأي العام إذا كانت لديهم ملفات جدية تثبت تورط الحركة أو قياداتها".

وأضاف "عكس ما يتوهم البعض لا يوجد في الحسابات البنكية لراشد الغنوشي أموال بالمليارات. هو جزء من الشعب ويعيش بما يعيشه متوسط عموم الشعب"، مؤكدا أن الغنوشي صرّح بكل ممتلكاته وبأن معاملاته البنكية قانونية ولم يتلقَ أية أموال من أية جهة خارجية أو داخلية.

تونس لقاء بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي (يمين) ورئيس البرلمان راشد الغنوشي بقصر قرطاج ديسمبر 2020
الرئيس قيس سعيد يتوسط رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي (يمين) ورئيس البرلمان راشد الغنوشي (مواقع التواصل)

القرار يعكس تحرّر القضاء

من جهة أخرى، يقول القيادي بحزب التيار الشعبي جمال مارس، إن القرار القضائي المتعلق بتجميد الحسابات البنكية لزعيم حركة النهضة لا يستهدف تضييق الخناق على الإسلام السياسي وإنما يسعى لتحريك قضايا تتعلق بجرائم ارتكبت خلال العشرية الماضية وبقيت بدون محاسبة.

وأضاف مارس للجزيرة نت، أن القضاء في فترة حكم حركة النهضة كان ممنوعا من القيام بدوره بكل حياد واستقلالية في تحريك القضايا والتهم المتعلقة سواء بشبهات غسيل الأموال أو الاغتيالات السياسية، لا سيما التي رفعتها هيئة الدفاع عن القياديَين اليساريين المغتالين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

ويرى القيادي في التيار الشعبي أن المسار الذي ينتهجه الرئيس سعيد في تحريك الملفات والقضايا "صحيح وسليم"، معتبرا أن الإجراءات القضائية المتعلقة بتجميد أرصدة الغنوشي وقيادات من حزبه وملاحقة بعضهم قضائيا ومنعهم من السفر دليل على توفر الإرادة السياسية للمحاسبة وتحرر القضاء من ضغوط حركة النهضة.

وقال "اليوم تحرر القضاء أكثر بفعل بعض الإصلاحات كحلّ المجلس الأعلى للقضاء بتركيبته السابقة لأنه لم يكن يشتغل بشكل مستقل وكان خاضعا لضغط حركة النهضة". ورغم تحفّظه على عزل 57 قاضيا بسبب حرمانهم من حق الدفاع إلا بعد صدور أحكام نهائية، يرى مارس أن هذا الإجراء ناجع.

ويؤكد أن هناك قضاة في قائمة المعزولين متهمون بتعطيل مجرى القضاء والتستر على قضايا إرهابية خطيرة، مشيرا إلى أن مسار المحاسبة بعد التدابير الاستثنائية -التي اتخذها قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي وعلّق بها أعمال البرلمان وأقال بها الحكومة- "تأخر بسبب عدم تحمّل القضاء دوره كاملا".

رسالة لدعم مشروع الرئيس

من جانبه يرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن تزامن القرار القضائي المتعلق بتجميد الحسابات البنكية لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من قيادات الحركة مع انطلاق الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد "يوحي بأن الرئيس بصدد توجيه رسالة للتونسيين لمساندة مشروعه".

ويقول الجورشي للجزيرة نت "الرسالة الموجهة للتونسيين مفادها أنه إذا لم يتم تمرير مشروع دستور الرئيس سعيد فإن حركة النهضة ستعود وتتحكم من جديد في مصيرهم". علما أن حركة النهضة كانت تواجه معارضة خلال فترة حكمها من الشق العلماني الذي كان يتهمها بمحاولة تغيير نمط المجتمع.

ويأتي القرار المتعلق بتجميد الحسابات البنكية لزعيم حركة النهضة في خضم حملة الاستفتاء حول مشروع دستور قيس سعيد الذي حول النظام السياسي القائم من البرلماني المعدل إلى النظام الرئاسي. وتستمر الحملة من الثالث من يوليو/تموز الجاري إلى 24 من الشهر ذاته، قبل التصويت على مشروع الدستور في 25 يوليو/تموز الجاري.

ويواجه الرئيس قيس سعيد -الذي يحكم البلاد منذ نحو عام بمراسيم رئاسية استثنائية- انتقادات حادة من بعض الأحزاب والمنظمات التي تتهمه "بالسيطرة على مفاصل الحكم، ومحاولة تكريس هيمنته على السلطة عبر ضرب خصومه، ومحاولة تمرير مشروع دستور يؤسس لحكم الفرد"، وفق تصريحاتها.

ولا يعتقد صلاح الدين الجورشي أن القرار القضائي المتعلق بتجميد الحسابات البنكية لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من قيادات الحركة سيكون ضربة قاضية للإسلام السياسي باعتباره ظاهرة اجتماعية وسياسية مركبة، لكنه إجراء يحاول إضعاف وإنهاك حركة النهضة وحشرها في الزاوية.

المصدر : الجزيرة