شاهد- العثور على مقتنيات مناضل فلسطيني بعد 48 عاما على استشهاده
"مجموعة الجبل" التي انتمى إليها باجس أبو عطوان نفّذت 78 عملية فدائية ضد أهداف الاحتلال الإسرائيلي، بين عامي 1968 و1976، وبقي أعضاؤها مطاردين من الاحتلال طوال هذه المدة.
الخليل- مذياع صغير وأدوات لتنظيف السلاح وسلك لإشعال العبوات الناسفة.. بعض من مقتنيات تعود للشهيد الفلسطيني باجس أبو عطوان عُثر عليها بعد 48 عاما على استشهاده.
كان أول ما وجده المواطن الفلسطيني حسن عصفور مذياعا صغيرا (راديو ترانزستور) قديما، وبه بطاريتان قديمتان جدا، ثم أخذ عودا خشبيا وبدأ ينبش في محيط الموقع، فوجد صحنا زجاجيا صغيرا ومعدات أخرى، وسرعان ما أدرك أنها تخص سلاح أحد الفدائيين الفلسطينيين في سبعينيات القرن الماضي.
مجموعة الجبل الفدائية
يعرف عصفور أن الشهيد باجس أبو عطوان رابطَ هو و8 من رفاقه في منطقة الجوف بقرية الطبقة القريبة من مدينة دورا جنوبي الخليل، أقصى جنوب الضفة الغربية المحتلة، وكانوا يُعرفون وقتها بـ"مجموعة الجبل" الفدائية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالعثور على ذخيرة أردنية في بئر قديمة بمحاذاة الأقصى
ذكرى إحراق الأقصى.. 28 صاروخا هُرّبت على الحمير لقصف أهداف إسرائيلية
"حراس الجبل" من السويد إلى بيتا.. قصة لأطفال فلسطين عن الحجر والمقلاع في مواجهة سرقة الأرض
يشتهر هذا الجبل بوجود عدد من الكهوف التي توصل إلى بعضها بعضا، وكانت ملجأً للفدائيين الفلسطينيين، وعلى رأسهم "مجموعة الجبل" التي تعد أول خلية عسكرية شكلتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في منطقة الخليل عام 1968، بعد نكسة يونيو/حزيران من العام الذي قبله.
ونفذت المجموعة 78 عملية فدائية ضد أهداف عسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، بين عامي 1968 و1976، وبقي أعضاؤها مطاردين من الاحتلال طوال هذه المدة، إلى أن ارتقى آخر عناصرها شهيدا.
يعرف أهل مدينة دورا المجموعة، وهم قائدها علي أبو مليحة، وخليل يوسف، ومحمد جبر العواودة، وإبراهيم خليل سالم، ويوسف عمرو، وعلي الربعي، ومصطفى أبو عقيل، وباجس أبو عطوان.
اغتيال وأشلاء
توجهت الجزيرة نت إلى الجبل الذي رابطت فيه المجموعة الفدائية الفلسطينية، برفقة محمد أبو عطوان -شقيق الشهيد باجس- وابن شقيقه الغضنفر، وهو أسير مضت على الإفراج عنه أشهر قليلة بعد أن أضرب عن الطعام حتى شارف على الموت، والمزارع حسن عصفور الذي عثر على مقتنيات الشهيد.
يطلّ الجبل على مساحات شاسعة من أراضي بلدة الطبقة التي تتبع مدينة دورا، وفي مبان وآثار قديمة تعود إلى مئات السنين، دخلنا إلى أحد الكهوف الذي يفضي إلى كهف آخر.
يقول محمد أبو عطوان -وهو يحمل صورة شقيقه باجس عند مدخل الكهف- إن الاحتلال الإسرائيلي حاول بكل السبل قتل أفراد الخلية أو اعتقالهم، قبل أن يتمكن من تمرير مخزن سلاح ملغّم لينفجر عند فتحه.
كان الشهيد باجس متحمّسا لوصول السلاح له يوم 18 يونيو/حزيران 1974، واعتقد أنه وصل إليه من غزة، ولكن ما إن فتح الصندوق حتى انفجر الكهف بأكمله فوق رأسه، وارتقى شهيدا بعمر الخامسة والعشرين.
كانت طائرات الاحتلال وقتها تجوب سماء المنطقة -وفق شقيق أبو عطوان- وبمجرد الانفجار اقتحم الاحتلال المنطقة وأعاد فتح الكهف، وأخرج الشهيد باجس أشلاءً.
اعتقدت العائلة أن الاحتلال صادر كل شيء يتعلق به، لكن، وبعد 48 عاما على استشهاده، عثر على بعض مقتنيات الشهيد، بالقرب من المغارة.
حاضنة شعبية
يقول شقيق الشهيد إن مذياعا صغيرا كان بالنسبة للفدائيين بمثابة وسيلة التواصل مع قيادتهم، وكانوا من خلاله يتلقون التعليمات، ويرسلون الإشارات، كما أن الأغراض الأخرى كانت خاصة بسلاحهم وتنظيفه وجعله جاهزا للاستخدام.
كانت المجموعات الفدائية في ذلك الوقت لها حاضنة شعبية كبيرة من الفلسطينيين، وأسهم هذا التضامن في استمرار مطاردتها في الجبل لقرابة 10 سنوات، بالرغم من تفجير الاحتلال لمنازل كل عناصر المجموعة، واحتجاز الاحتلال للشهيدين خليل عواودة وإبراهيم خليل سالم لـ10 سنوات في ثلاجاته.
ودفع كل ما حدث مع هذه المجموعة الفدائية الفلسطينيين والأدباء إلى التضامن معهم وتتبع أخبارهم وتقديمهم في روايات وقصائد عديدة.
لن يجوع الفدائي في الجبل
ومن أبرز ما كان ينقل على لسان الشهيد باجس أبو عطوان "سلاح الفدائي لن يكون مستأجرا"، و"لن يجوع الفدائي في الجبل".
وبرز بعد استشهاد أبو عطوان ورفاقه إنتاجات أدبية، مثل رواية "مات البطل عاش الجبل" للشاعر والأديب الفلسطيني معين بسيسو، وقصيدة "يا عنب الخليل" للشاعر عز الدين مناصرة، وكتاب عن سيرة "باجس أبو عطوان" للكاتب سعيد مضيه.
تناقل أهالي المنطقة وقتها -كما في كتاب "باجس أبو عطوان"- أن قائد منطقة الخليل في جيش الاحتلال الإسرائيلي وقف أمام جثمان الشهيد باجس، وقال "أشهد أنك بطل.. وأنك مقاتل شريف".
وفي اليوم التالي، شيع جثمان الشهيد باجس من مسجد دورا الكبير وسط الهتافات والزغاريد. ويصف ذلك المشهد الشاعر عز الدين مناصرة في إحدى قصائده: "وجنازة باجس تمشي غاضبة في الأسواق.. فتهتز لها كل بيوت الأهل والأصوات".
وما كان يكتب عن الشهيد باجس أبو عطوان من مقولات وقصص وروايات ينطبق على كل الفدائيين الفلسطينيين في تضحياتهم، وبقائهم مطاردين لسنوات طويلة، وبعد ذلك أصبحوا أسرى أو شهداء، ضحوا بأنفسهم من أجل حرية وطنهم، فلسطين.