تجاوز عددهم اللاجئين السوريين.. كيف أصبح مهاجرو فنزويلا قضية أميركية؟

المعبر الحدودي الذي يشهد تحرك عشرات الالاف يوميا بين بلدة ريو كلورادو المكسيكية وبلدة سان لويس بولاية أريزونا وحيث يتم اعادة من يلقي القبض عليه من الفنزويليين للمكسيك
المعبر الحدودي بين بلدة ريو كولورادو المكسيكية وسان لويس بولاية أريزونا والذي يعبره عشرات الآلاف يوميا حيث تتم إعادة من يلقى القبض عليهم من الفنزويليين للمكسيك (الجزيرة)

أريزونا- يقطع المهاجر الفنزويلي ما يقارب 4500 كيلومتر ويعبر 7 دول حتى يصل إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة المحاذية للمكسيك، وبعد العبور غير النظامي للحدود الأميركية -الذي يتم بمساعدة جمعيات خيرية أو عصابات منظمة تنتشر بكثرة على الجانب المكسيكي من الحدود- اعتاد الفنزويليون الذي ينتظمون في مجموعات صغيرة أو مجموعات عائلية على تسليم أنفسهم لسلطات الهجرة الأميركية، حيث يطلبون حق اللجوء الذي يتيح لهم تلقائيا البقاء ثم العمل في الولايات المتحدة بصورة قانونية.

لكن السلطات الأميركية والمكسيكية أعلنت مؤخرا عن سياسة جديدة من شأنها طرد اللاجئين الفنزويليين الذين يعبرون الحدود، مع سماح واشنطن فقط لما يصل إلى 24 ألف شخص بالدخول جوا لأميركا عن طريق شركات الطيران، وتقديم طلبات للجوء لأسباب إنسانية.

يذكر أنه كان هناك ما يقارب 1.8 مليون حالة طرد للمهاجرين خلال العامين السابقين، وفي الوقت ذاته تتسم إجراءات البت في طلبات اللجوء لأسباب إنسانية أو سياسية بالبطء الشديد في إدارة الهجرة الأميركية، ومن بين أكثر من 280 ألف طلب قدمت عام 2020 تم البت في مصير 32 ألف حالة فقط.

خوسيه مهاجر غير شرعي يعمل سائق بعدما استطاع الحصول على رخصة قيادة سيارات بطريق ملتوي _ يدعم هجرة الفنزويليين للولايات المتحدة
خوسيه مهاجر فنزويلي يعمل سائقا بعدما استطاع الحصول على رخصة قيادة بطريقة غير قانونية (الجزيرة)

لاجئو فنزويلا على القمة

ذكر تقرير حديث للأمم المتحدة أن عدد اللاجئين الفنزويليين تجاوز لأول مرة عدد اللاجئين السوريين بعد أن وصل إلى أكثر من 7.1 ملايين لاجئ منذ التوترات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ عام 2018.

ويبلغ متوسط الأجور الشهرية حاليا في فنزويلا حوالي 25 دولارا، فيما يبلغ سعر سلة من السلع التي تغطي الاحتياجات الشهرية لأسرة مكونة من 4 أفراد حوالي 370 دولارا في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وفقا لمرصد التمويل الفنزويلي غير الحكومي.

وإضافة إلى الفقر انتشرت الجرائم المنظمة بصورة واسعة، ويعاني ملايين الفنزويليين من عصابات المافيا وتجار المخدرات الذين يتواطؤون في أحيان كثيرة مع الشرطة والجيش هناك، ودفع ذلك الملايين إلى مغادرة فنزويلا للدول المجاورة.

وخلال الأعوام الأخيرة اتجهت أعداد متزايدة من الفنزويليين إلى الولايات المتحدة، وألقي القبض على أكثر من 150 ألف فنزويلي على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك في الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 وأغسطس/آب 2022 مقارنة بنحو 48 ألفا في الفترة نفسها من العام السابق، وفقا لبيانات الحكومة الأميركية.

وعبر خوسيه المهاجر المكسيكي غير النظامي -الذي حصل على رخصة قيادة بصورة ملتوية مما يمكنه من العمل سائقا مع شركة أوبر- عن دعمه الكامل للمهاجرين واللاجئين من فنزويلا.

وقال خوسيه للجزيرة نت "اضطررت للهجرة من قرية مكسيكية صغيرة قبل 3 سنوات بسبب الفقر الشديد، وأفتقد أهلي وعائلتي كثيرا، وهذا هو الثمن الذي يدفعه هؤلاء الفنزويليون الذين يخاطرون بحياتهم للوصول إلى هنا أملا في مستقبل أفضل، يجب دعمهم ومساعدتهم بدلا من مطاردتهم وطردهم".

بايدن يخضع ويتبنى سياسة ترامب

قبل عامين ندد الرئيس الأميركي جو بايدن -خلال حملة ترشحه- بسياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه الهجرة، والتي قال إنها تتسبب في "القسوة والإقصاء لبشر أبرياء"، بمن في ذلك "الفارون من الحكومة الوحشية للرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو في فنزويلا".

وبحلول أغسطس/آب الماضي أصبح الفنزويليون ثاني أكبر جنسية تصل إلى الحدود الأميركية بعد المكسيكيين، ومع اقتراب انتخابات 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل تحول بايدن إلى تبني سياسة سلفه ترامب، وتبنت إدارته القانون الذي يعرف بالمادة 42، لحرمان الفنزويليين الفارين من بلادهم من فرصة طلب اللجوء على الحدود.

ونتيجة للسياسة الجديدة تقطعت السبل بمئات الآلاف من الفنزويليين الذين يعتقد أنهم في طريقهم إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، في وقت شهدت فيه أعداد الذين يصلون منهم إلى الحدود مستوى غير مسبوق.

وبعد تغيير إدارة بايدن سياسة اللجوء المتاحة لأسباب إنسانية مثل الخوف من عصابات الجريمة المنظمة أو الفقر المدقع يعد ترحيل الفنزويليين عملية أكثر تعقيدا من المهاجرين من جنسيات أخرى، لأن البلدين قطعا العلاقات الدبلوماسية في عام 2019، مما يجعل من الصعب تنظيم رحلات الترحيل.

خدمات وتعاطف مع الفنزويليين

"لم يعد المهاجرون من فنزويلا يسلّمون أنفسهم لسلطات حرس الحدود الأميركية بعد قرار بايدن الأخير بعدم منحهم حقوق اللاجئين، وبدلا من ذلك يدخلون الأراضي الأميركية ويبقون فيها بصورة غير قانونية" كما تقول أماندا أجويروا مديرة المركز الإقليمي لخدمات الصحة عند الحدود "آر سي إف بي آر" (RCFBR)، والذي يقع في مدينة بلدة سمرتون بجنوب ولاية أريزونا بمحاذاة خط الحدود بين الدولتين.

وفي حوار مع الجزيرة نت، قالت أماندا "نحاول في منظمتنا غير الهادفة للربح مساعدة كل من يحتاجون رعاية صحية أو غذائية أو سكنية بعد وصولهم للأراضي الأميركية".

وأضافت أن "هذه هي الخطوات الأولى، وبعد ذلك ننظم طرقا لنقلهم إلى الوجهات الذين يرغبون فيها، والكثير من لاجئي فنزويلا لهم أقارب في نيويورك وبوسطن وميامي، ونحن نفعل ما في وسعنا لجمع شمال هذه العائلات".

وأشارت أماندا إلى أن منظمتها تتعامل مع مهاجرين غير نظاميين من عشرات الدول، إلا أن أكثر المهاجرين خلال العامين الأخيرين كانوا من فنزويلا وكوبا.

لم يمنع السور- الجدار الحديدي الفاصل بين الولايات المتخدة والمكسيك بالقرب من بلدة سمرتون في جنوب أريزونا مئات الالاف من المهاجرين غير الشرعيين من العبور من تحت او فوق السور
السور الحديدي بين الولايات المتحدة والمكسيك لم يمنع عبور مئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين (الجزيرة)

وقالت أماندا إن منظمتها تتلقى تمويلا وتبرعات من أشخاص عاديين وجمعيات مختلفة، وحتى "منظمتنا تحصل على بعض التمويل الحكومي لدعم اللاجئين، لكنهم لا يتدخلون في كيفية تحديد طرق إنفاق هذه الأموال".

وأضافت أنه منذ أبريل/نيسان 2021 ساعد المركز ما يزيد على 56 ألف شخص من النساء والأطفال والرجال الذين يطلبون اللجوء في منطقة يوما بجنوب أريزونا، مشيرة إلى أن المركز هو واحد من عشرات المنظمات غير الربحية التي تعمل على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وتقدم مجموعة من الخدمات للمهاجرين، ويعاني الكثيرون من الضغط، ويتساءلون كيف لهم أن يستمروا في المساعدة مع زيادة عدد المهاجرين وقلة الموارد المالية.

وفي حديثها للجزيرة نت أشارت أماندا إلى توفير منظمتها برامج تدريب اللاجئين كي يتم تأهيلهم لسوق العمل الأميركية، وقالت "إن كل من يعبر الحدود يكون لديه في الأغلب أقارب ومعارف يساعدونه في خطواته الأولى بأميركا".

من جانبه، قال المهاجر المكسيكي خوسيه للجزيرة نت إنه "التقى مهاجرين من فنزويلا باعوا سيارتهم وممتلكاتهم وتركوا وطنهم وراءهم وساروا مثل مئات الآلاف من الفنزويليين الآخرين، وعبروا غابات وجبال وصحارى سيرا على الأقدام حتى يصلوا هنا، مساعدتهم واجب مقدس كما تنادي ديانتنا المسيحية".

المصدر : الجزيرة