100 فلسطيني قتلتهم منذ بدئها.. كيف توظف إسرائيل عملية "كاسر الأمواج" في سباقها الانتخابي؟

اقتحامات قوات الاحتلال لمنازل الفلسطينيين وترويعهم -تصوير الجيش الإسرائيلي ووزعها على الإعلام).
قوات الاحتلال تقتحم منازل الفلسطينيين وتروعهم يوميا (الصحافة الإسرائيلية)

القدس المحتلة- مجددا، تعود الضفة الغربية إلى واجهة السجال الانتخابي في إسرائيل، ليس في سياق الحديث عن رؤية "حل الدولتين" أو ضمن تسوية سلمية جديدة، بل من منظور عسكري يعكس جوهر الصراع.

ومع اقتراب انتخابات الكنيست، تكاد تُجمع الأحزاب الإسرائيلية اليهودية على أنه لا مفر من اجتياح شامل للضفة في عملية عسكرية مع اختلاف في تقدير توقيتها.

ويعكس التلويح المبطن للحكومة الإسرائيلية المؤقتة حاليا برئاسة يائير لبيد بتوسيع عملية "كاسر الأمواج" عبر شن عدوان عسكري على مدينتي جنين ونابلس (شمالي الضفة) تحديدا؛ نوايا مبيتة للمؤسستين الأمنية والعسكرية باجتياح شامل للضفة، وهو التوجه ذاته لكتلة المعارضة الإسرائيلية واليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، وجماعات المستوطنين.

وفي مارس/آذار الماضي، أطلق الجيش الإسرائيلي اسم "كاسر الأمواج" على عملياته العسكرية في الضفة الغربية وعلى امتداد الجدار الفاصل، في محاولة للحد من عمليات المقاومة الفلسطينية ذات الصبغة الفردية.

وأوقعت 3 عمليات فردية متتالية داخل الخط الأخضر 11 قتيلا إسرائيليا، في الأسبوع الأخير من مارس/آذار الماضي.

مقاتلون فلسطينيون من "عرين الأسود" التي صعّدت عمليات إطلاق النار ردا على هجمات الاحتلال بنابلس (الجزيرة)

توظيف الدم

ووفق محللين إسرائيليين، فإن القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل تتسابق إلى توظيف العملية العسكرية في الانتخابات، وبذلك تَحوّل الدم الفلسطيني إلى وقود لتحقيق أهدافها، المتمثلة في استعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي في المنظومة الأمنية والعسكرية.

وتتزامن عمليات الاغتيال وتصفية عناصر المقاومة مع سعي لبيد ووزير دفاعه بيني غانتس إلى استمالة الجمهور اليهودي، وتحقيق مكاسب في انتخابات الكنيست 25.

اغتيالات في ظل الانتخابات

ورغم التلويح بشن عملية عسكرية شاملة بالضفة، فإن الجيش الإسرائيلي "غير مستعد لوجيستيا لتعزيز قواته البشرية" في الضفة، باعتراف تقرير صادر عن "مكتب مراقب الدولة الإسرائيلي".

ووفق تقديرات ضابط الاحتياط في الجيش تسفيكا فوغل في التقرير ذاته، فإن تنفيذ عمليات الاغتيال يتم يوميا بالضفة وفي فترة الانتخابات "مع السعي لعدم المواجهة الشاملة، وإبقاء غزة خارج المعادلة، خشية انزلاق أمني ومواجهات على كل الجبهات".

الترجمة إلى أصوات انتخابية

وفي رأي محلل الشؤون العسكرية والأمنية في القناة الإسرائيلية "كان" إيال عليمه، فإنه "لا يمكن حسم المعركة بالضفة لصالح إسرائيل، وعليه تأتي محاولات حكومة لبيد بعرض خطط مختلفة تهدف إلى تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية بالضفة".

ويضيف عليمه في حديثه للجزيرة نت أن حكومة لبيد إلى جانب غانتس تحاول أن تظهر للجمهور الإسرائيلي من خلال "كاسر الأمواج" أنها حكومة أمنية، تسعى لحلحلة الأزمة السياسية الداخلية وتوظيفها لتترجم كأصوات في صناديق الاقتراع.

لكن في الوقت ذاته، فإن الحكومة غير معنية بمواجهة شاملة بالضفة لأنها لا تعرف كيف ستتطور الأمور على مختلف الجبهات الفلسطينية، وفق المحلل الإسرائيلي.

محور السجال الانتخابي

وأوضح عليمه أن القضية الفلسطينية دائما كانت "محورا للسجال الانتخابي الإسرائيلي، سواء من وجهة نظر تحقيق السلام أو الحرب"؛ وعليه فإن "انهيار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية لعقد ونيِّف، في عهد حكومات رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، وترحيل الصراع لم يطوِ القضية الفلسطينية التي ربما نجحت إسرائيل في تفكيكها سياسيا بعزل الضفة عن قطاع غزة".

ويعتقد المحلل الإسرائيلي أن القضية الفلسطينية "دائما كانت توظف في الانتخابات الإسرائيلية، وتعد في هذه المرحلة التهديد الأخطر بالنسبة لإسرائيل".

ويرى أن القضية الفلسطينية بمثابة "تهديد إستراتيجي لبقاء إسرائيل كدولة يهودية ذات شرعية ولها حدود معترف بها دوليا، في وقت تعجز فيه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن توفير حلول جذرية لها".

اعتقالات يومية للفلسطينيين خلال حملة "كاسر الأمواج" -تصوير الجيش الإسرائيلي ووزعها على الإعلام).
اعتقالات يومية للفلسطينيين خلال حملة "كاسر الأمواج" (الصحافة الإسرائيلية)

قتل يومي وهجمات للمستوطنين

فلسطينيا، يقول أمين عام المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي إن توظيف الدم الفلسطيني في السباق الانتخابي الإسرائيلي بدأ منذ الإعلان عن الانتخابات.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنه "منذ أُعلن عن الانتخابات في إسرائيل والأحزاب الصهيونية -خاصة الأحزاب الحاكمة- تُمعن في دعم إراقة دماء الفلسطينيين بالقتل والتنكيل والاعتداءات الوحشية".

وأشار إلى "استخدام دماء الفلسطينيين وقودا لحملاتهم الانتخابية"، مبينا أن "167 استشهدوا منذ بداية العام، وعدد كبير منهم نساء وأطفال، إضافة إلى اعتداءات على المدنيين في كل مكان".

وتابع البرغوثي "الآن يُصعّدون هجمات المستوطنين في تنافسهم الإجرامي على أصوات الناخبين المتطرفين العنصريين، وهذا أمر خطير يجري على مرأى ومسمع العالم".

وقال إن "قطعان المستوطنين وبحماية جيش الاحتلال تحولوا إلى مجموعات إرهابية تعيث فسادا في شوارع الضفة الغربية ومدنها وقراها".

وتوقع السياسي الفلسطيني "مزيدا من التصعيد مع اقتراب التصويت؛ فمع اقتراب موعد الانتخابات تتزايد شراسة الإرهاب الاستيطاني".

انقسام بنيوي

من جهته، يقول الباحث في مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي عماد أبو عواد إنه لا رابط بين التصعيد الإسرائيلي والانتخابات.

ويرى في حديثه للجزيرة نت أن إسرائيل تعيش اليوم "حالة من الانقسام البنيوي لا يتأثر بالأحداث الخارجية وتحديدا الملف الفلسطيني".

ومع ذلك يقول إن عملية "كاسر الأمواج" تأتي ضمن "المزايدات الداخلية، مع أن جميع المتنافسين يتبنون النهج اليميني نفسه في التعامل مع الضفة".

وتابع الباحث الفلسطيني أن النهج الأمني في الضفة "نهج ثابت بغض النظر عن الحكومة الإسرائيلية الموجودة، والواقع على الأرض يشير إلى زيادة في شدة التطرف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، وفي المقابل ارتفاع كبير في منسوب المقاومة".

وفي الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" إن العشرات من أعضاء ومرشحي الكنيست -بقيادة زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو- وقعوا على خطاب تعهّدوا فيه بتعزيز البناء الاستيطاني على نطاق واسع في الضفة الغربية بعد الانتخابات.

وذكرت الصحيفة أنه "لأول مرة في الحملة الانتخابية قام جميع قادة الأحزاب اليمينية بالتوقيع على الرسالة".

وللمرة الخامسة في أقل من 4 أعوام تذهب إسرائيل إلى انتخابات الكنيست، فيما بدت المعركة بلا حسم، مع بقاء أزمة الحكم بإسرائيل، وهو ما يرشح سيناريو انتخابات سادسة في المستقبل القريب.

تشييع جثامين شهداء فلسطينيين قتلهم جيش الاحتلال في عملية عنيفة على مخيم جنين نهاية سبتمبر/أيلول الماض (الأوروبية)

عشرات الشهداء وآلاف المعتقلين

ومنذ بداية العام حتى الثلث الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قتل الجيش الإسرائيلي 114 فلسطينيا بالضفة الغربية (بما فيها القدس)، بينهم 100 على الأقل منذ بدء عملية "كاسر الأمواج"، وهو رقم يفوق ما قتله الجيش الإسرائيلي بالضفة طوال 2021.

ومن بين الشهداء 56 فلسطينيا قتلوا منذ مطلع يونيو/حزيران حيث بدأت إرهاصات حل الكنيست، وهو ما تم نهاية الشهر نفسه.

كما اعتقل الجيش منذ بدء العملية أكثر من 4200 فلسطيني، أكثر من 1200 منهم في أبريل/نيسان الماضي، وهو الشهر التالي لبدء العملية الإسرائيلية.

المصدر : الجزيرة