كيف تخرق بريطانيا القانون الدولي بنقل سفارتها إلى القدس؟

LONDON, ENGLAND - MARCH 08: UK Foreign Secretary Liz Truss arrives to attend the government weekly cabinet meeting at Downing Street on March 8, 2022 in London, England. (Photo by Leon Neal/Getty Images)
ليز تراس أعلنت أنها صهيونية وصديقة قوية لإسرائيل قبل أن تصرّح بنيتها نقل السفارة البريطانية إلى القدس (غيتي)

رام الله- قال خبير في القانون الدولي إن إعلان رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس نيتها نقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس، يعد خرقا لأبسط القوانين الدولية، التي طالما ادعت تمسكها بها ودفاعها عنها.

وكانت تراس -التي وصفت نفسها بأنها "صهيونية وصديقة قوية لإسرائيل"- أبلغت نظيرها الإسرائيلي يائير لبيد، خلال لقائهما في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، أنها تفكر في نقل السفارة البريطانية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.

من جهته، غرّد لبيد شاكرا نظيرته "التي أعلنت أنها تفكر بإيجابية في نقل السفارة البريطانية إلى القدس".

وتقع السفارة البريطانية في تل أبيب، وهي المسؤولة عن العلاقات مع الإسرائيليين، فيما تتولى قنصلية عامة في القدس الشرقية المسؤولية عن العلاقات مع الفلسطينيين.

أستاذ القانون الدولي ياسر العموري أكد أنه لا يجوز نقل أي سفارة إلى القدس باعتبارها أرضا محتلة (الجزيرة)

في السطور التالية نحاور أستاذ القانون الدولي بجامعة بيرزيت الفلسطينية ياسر العموري ليوضح وجهة نظر القانون الدولي في قضية نقل سفارة بلد ما إلى أرض محتلة.

  • كيف يصنف القانون الدولي مدينة القدس؟

القدس أرض محتلة، بموجب قرارات الشرعية الدولية، وينطبق عليها القانون الدولي الإنساني، كباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وبالتالي لا يجوز بالمطلق، انطباق القانون الإسرائيلي أو أي مظهر من مظاهر السيادة الإسرائيلية على هذه المنطقة.

وبموجب اتفاقيات جنيف (1949)، وقبلها اتفاقيات لاهاي (1907) يجب تقديم الحماية للأراضي المحتلة، وللسكان القابعين في الإقليم المحتل وللأعيان المدنية وشبه المدنية والدينية وغيرها.

ولا يجوز بالمطلق، بل ويُعدّ من قبيل الانتهاكات الجسيمة تغيير الواقع الجغرافي أو الديمغرافي للإقليم المحتل.

وبما أن القدس أرض محتلة، يعتبر الضم الإسرائيلي غير قانوني وغير مشروع، ولا يجوز، ويحظر على إسرائيل أن تمارس أي مظهر من مظاهر السيادة عليها، وتعتبر ممارستها انتهاكا جسيما، وفي غالبا الأحيان ترقى إلى مصاف جرائم الحرب، وهذا ينطبق على أي دولة أخرى غير محتلة.

  • ماذا يعني وجود سفارة لدولة ما على أراضي دولة أخرى؟

وجود السفارة يمثل اعترافا قانونيا من الدول ببعضها بعضا، ووجود السفارة يكون -كما درج عليه العرف الدولي- في عواصم الدول، ويحق للدول أن تفتتح سفاراتها في أراضي الدولة المضيفة خارج العاصمة، لكن لا يجوز أن تكون السفارة خارج الحدود الإقليمية والمناطق السيادية للدول.

  • ما موقف القانون الدولي من نقل السفارات إلى القدس؟

ما تقوم به بعض الدول، بما فيها بريطانيا، من نقل للسفارات إلى القدس، لا يعد مساهمة فقط في الانتهاك الذي تقوم به إسرائيل، بل إنها تقترف جريمة مشتركة مع الكيان الإسرائيلي، في فرض سيادتها وقبول فرض سيادتها من خلال وضع السفارة في القدس على هذه الأرض المحتلة.

  • كيف يمكن مواجهة نقل السفارة البريطانية وغيرها إلى القدس؟

في هذه الحالة يجب عدم الاكتفاء بالتكييف القانوني، والقول إن هذا انتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام، بل يجب أن تُساءل بريطانيا، وكل الدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس عن هذا الانتهاك الجسيم.

وتتم المساءلة من خلال بعدين؛ سياسي وقضائي. في المساءلة السياسية يمكن التوجه إلى المؤسسات والمنظمات الدولية، فمثلا يمكن التوجه إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، ومساءلة بريطانيا، والتوجه إلى أجهزة الأمم المتحدة مثل الجمعية العامة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي وحتى مجلس الأمن، حتى لو كان هناك فيتو أميركي بريطاني في الانتظار.

هذه خطوات يجب أن تكون ضمن خطة إستراتيجية من أجل مطالبة المجتمع الدولي، وليس فقط بريطانيا للوقوف أمام مسؤوليته تجاه تطبيق القانون الإنساني الدولي في الأراضي المحتلة.

وتقول اتفاقيات جنيف إن المجتمع الدول والدول الأطراف في هذه الاتفاقية يجب أن يكفلوا تطبيق هذه الاتفاقيات.

أما قضائيا، فبريطانيا من الدول التي تعترف بالاختصاص العالمي، أي الولاية الجزائية الدولية التي تقضي بإمكانية محاسبة أي مقترف جريمة حرب، حتى لو لم يكن بريطانيًّا، أو لم تقترف الجريمة بالأراضي البريطانية، فكيف والجرم يقترف بأيد بريطانية؟ فالقضاء البريطاني في هذه الحالة مختص.

  • وهل يمكن التوجه إلى القضاء الدولي ومساءلة بريطانيا في الجنائية الدولية؟

يمكن مساءلة بريطانيا أمام القضاء الدولي كون بريطانيا تقترف جريمة حرب، سواء عبر إضافة ملف جديد لمحكمة الجنايات الدولية بهذه المسألة، أو الطلب من المدعي العام في المحكمة بأن يضيف للملفات الفلسطينية مسبقا هذا البند، أو المطالبة بتشكيل محاكم خاصة.

أيضا يمكن التوجه للقضاء الإقليمي مثل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، فهناك عدة خيارات للمساءلة القانونية القضائية.

ويمكن خوض معركة متزامنة على المستويين السياسي والقانوني، ولا يوجد ما يمنع ذلك، كما يجب تحريك الوسائل القانونية بالتوازي وليس بالتتابع.

  • ما جدوى التحرك القانوني والسياسي بعد عقود من التجارب غير المشجعة وخرق الشرعية الدولية وعشرات القرارات الأممية؟

في المحصلة، المجتمع الغربي يتغنى بالعدالة والقضاء، والمطلوب محاكاة هذا المجتمع بذات اللغة التي يتحدث بها.

ويجب أن تكون هناك إستراتيجية وخطة قانونية دولية لتفعيل مختلف الأدوات.

  • ما أبرز القرارات الأممية المتعلقة بالقدس؟

هناك عشرات القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي تطالب فيها إسرائيل بوجوب احترام القدس منها:

القرار 181 الذي صدر عام 1947 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين؛ عربية ويهودية، مع وضع دولي خاص لمدينة القدس وتتولى الأمم المتحدة إدارتها ضمن حدود معينة.

لكن إسرائيل احتلت في العام التالي 1948 غربي القدس بشكل مخالف للقرار الأممي السابق، والذي قبلت به إسرائيل عضوًا في المنظمة الدولية عام 1949، بعد أن تعهدت خطيا بالعمل على أو المساعدة في تنفيذه.

ثم في عام 1967 احتلت ما تبقى من المدينة وهو ما يطلق عليه القدس الشرقية وفيها يقع المسجد الأقصى.

وفي عام 1980، أعلنت إسرائيل "القدس الموحدة"، أي بعد ضم القدس الشرقية عام 1967، عاصمة الدولة اليهودية.

القرار 237 عام 1967: صدر عن مجلس الأمن الدولي، ويصف الأراضي الفلسطينية التي سيطرت عليها إسرائيل بالقوة، بما فيها القدس الشرقية، بأنها "أراضٍ محتلة"، وأنها من التي تنطبق عليها أحكام اتفاقية جنيف الرابعة.

القراران 2253 و2254 عام 1967: صدرا عن الجمعية العامة في 4 يوليو/تموز، حيث أيّدت الجمعية فيهما إلغاء التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس.

القرار 2252 عام 1968: صدر عن مجلس الأمن، ونصّ على إبطال جميع الإجراءات والأعمال التي قامت بها إسرائيل والتي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس.

القرار 48 عام 1980: صدر عن مجلس الأمن بعد ضم إسرائيل القدس، وقضى باعتبار القانون الإسرائيلي ملغيا، وأنه لن يغيّر وضع الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.

المصدر : الجزيرة