موقف معقّد في توقيت إشكالي.. ما خيارات بايدن لمواجهة قرار "أوبك بلس" خفض إنتاج النفط؟

تعقّد موقف الرئيس بايدن خاصه بعد سحبه أكثر من 200 مليون برميل من الاحتياطي النفطي الإستراتيجي على مدى الأشهر السابقة، وهو ما يمثّل ثلث الاحتياطي الأميركي البالغ 600 مليون برميل. واستغرقت الولايات المتحدة 3 عقود لملء هذا المخزون.

U.S. President Joe Biden and Vice President Kamala Harris attend a meeting at the White House
يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن موقفا معقّدا أمام ارتفاع أسعار النفط قبيل انتخابات الكونغرس النصفية (رويترز)

واشنطن – تقف الإدارة الأميركية أمام خيارات ضيقة لمواجهة ارتفاع أسعار النفط، بعد أن حمّلت روسيا والسعودية مسؤولية ذلك. وبينما لم تخفِ موسكو رغبتها في هذه الزيادة، تنفي الرياض تعمّد الإضرار بالولايات المتحدة من خلال خفض الإنتاج.

وعلى ضوء قرار خفض الإنتاج وزيادة أسعار النفط، يطالب العديد من المسؤولين الأميركيين بمراجعة العلاقات مع الرياض، ويقولون إنها اختارت الحصول على مصالح ضيقة مؤقتة قربتها من روسيا.

OPEC+ holds a meeting in Vienna
قبل أيام قررت أوبك بلس تخفيض إنتاج النفط بما يعادل 2% من الطلب العالمي (رويترز)

هزيمة للبيت الأبيض

قبل أيام أعلن تحالف "أوبك بلس" تخفيض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، أو ما يعادل حوالي 2% من الطلب العالمي. واعتبرت دوائر الحكم الأميركية القرار من ناحية بمثابة "صفعة" من السعودية لإدارة الرئيس جو بايدن، ومن ناحية أخرى رأت فيه "انتصارا" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يريد رفع أسعار النفط لمواصلة تمويل الحرب في أوكرانيا.

وجاء في صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal) أمس الثلاثاء أن الرياض رفضت الاستجابة لمناشدات أميركية بتأجيل قرار خفض إنتاج النفط لشهر آخر.

ومثّل الرفض السعودي هزيمة للبيت الأبيض الذي اعتمد كثيرا على زيارة بايدن للسعودية في يوليو/تموز الماضي كنقطة بداية جديدة ناضجة لعلاقات إستراتيجية بين الدولتين.

وجاء الفشل الأميركي في وقت يريد فيه الرئيس بايدن إبقاء أسعار وقود السيارات منخفضة قبل الانتخابات النصفية التي ستجرى في الثامن من الشهر المقبل، خاصة مع تزايد احتمال خسارة الديمقراطيين مجلس النواب، وإلى حد ما مجلس الشيوخ.

من هنا، لم يكن مفاجأة إعلان البيت الأبيض أمس الثلاثاء أن الرئيس الأميركي يعيد تقييم العلاقات مع السعودية بعد قرار خفض إنتاج النفط.

وعبّر مدير "مؤسسة دراسات دول الخليج" جورجيو كافيرو عن خشيته من تكرار واشنطن أخطاء الماضي في نظرتها لقضايا اليوم.

وقال في تغريده له "أخشى أننا نكرر خطأ حقبة الحرب الباردة من خلال وضع كل دولة في معسكر مؤيّد للغرب أو لموسكو.. وكما أخطأنا في قراءة مصدق (محمد مصدّق رئيس وزراء إيران بمنتصف الخمسينيات) و(جمال) عبد الناصر باعتبارهما بيادق سوفياتية، يرى الكثيرون أن الدول العربية التي تتعاون مع موسكو هي جزء من معسكر موال لروسيا ومناهض للولايات المتحدة! في الواقع الأمر أكثر تعقيدا".

مصالح سياسية أم حسابات مالية؟

انقسمت آراء الخبراء الأميركيين بشأن دوافع الرياض من وراء خفض الإنتاج، واعتبرها البعض بحثا عن فوائد مالية بحتة، في حين ربطها آخرون برغبتها في الإضرار بالإدارة الديمقراطية وبالرئيس بايدن.

وفي حديث مع شبكة "سي إن إن" (CNN)، ذكر لاري ساباتو، مدير مركز السياسة بجامعة فرجينيا، أن "ما يثير اهتمامي هو أنه عندما تنخفض أسعار الغاز لا يستفيد الرؤساء عادة، ولكن عندما ترتفع أسعار وقود السيارات، فإنهم يدفعون الثمن. كلما ارتفعت الأسعار زادت العقوبة، وموضوع الانتخابات معقّد.. نمط التصويت معقد للغاية. ولا يمكنك اختصارها في شيء واحد فقط".

ديفيد دي روش: توقيت أزمة ارتفاع أسعار النفط يولّد إشكالية كبيرة بالنسبة لبايدن (مواقع التواصل)

التوقيت إشكالية كبيرة

أما ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني والمسؤول العسكري الأميركي السابق، فقال "عندما ذهب السعوديون جنبا إلى جنب مع الروس وأوبك لخفض الإنتاج، اعتبر الديمقراطيون ذلك بمثابة صفعة في وجه بايدن تعكس رغبة نشطة من قبل السعوديين (على وجه الخصوص) للحد من سلطة الرئيس بايدن وشل إدارته".

واعتبر دي روش أن توقيت الأحداث الأخيرة وارتباطها الوثيق بالحرب الروسية على أوكرانيا، "جعل هذه القضية إشكالية كبيرة، فدعم أوكرانيا ضد الروس يحظى بتأييد واسع عابر للانتماء الحزبي في واشنطن. وفي هذه الحالة، ينظر الكثيرون إلى السعودية التي تدعم ارتفاع أسعار النفط على أنها تساند حرب بوتين في أوكرانيا". وبرأيه "هذا ليس موقفا تريد المملكة أن تكون فيه، وسيضر بسمعتها لبعض الوقت".

معاناة الأميركيين واقتراب الانتخابات

وأكد دي روش أن "أسعار الطاقة عامة، وسعر البنزين في الولايات المتحدة خاصة، هي قضايا عاطفية للغاية في واشنطن. وهناك انتخابات التجديد النصفي القادمة التي من المتوقع أن يخسر فيها حزب الرئيس بايدن مقاعد ويسيطر على مجلس واحد على الأقل من الكونغرس.

وعادة ما يلقى باللوم على الحزب الحاكم -الديمقراطيين بزعامة بايدن- في أي شيء خاطئ في الاقتصاد، وقد ارتفع التضخم في عهد بايدن إلى مستويات تاريخية قياسية".

وتعقّد موقف الرئيس بايدن خاصه بعد سحبه أكثر من 200 مليون برميل من الاحتياطي البترولي الإستراتيجي على مدى الأشهر السابقة، وهو ما يمثّل ثلث الاحتياطي الأميركي البالغ 600 مليون برميل من النفط. واستغرق الأمر من الولايات المتحدة 3 عقود لملء هذا المخزون.

مأزق بايدن الحقيقي

والآن بعد أن دعمت المملكة تخفيضات إنتاج النفط، فإن أولئك الذين جادلوا من أجل استعادة العلاقة معها يخضعون للتشكيك في تقديراتهم، وليس لدى الولايات المتحدة سوى خيارات قليلة لزيادة إمدادات النفط العالمية.

  • يقول دي روش إن أحد الخيارات المطروحة داخل واشنطن هو التنازل عن القيود المختلفة المفروضة على الإنتاج المحلي الأميركي. لكن هذا سيعارضه قسم كبير من حزب بايدن نفسه، ولن يكون له أي تأثير على الأسعار قبل الانتخابات. وقد سحب بايدن بالفعل احتياطي النفط الإستراتيجي الأميركي ولا يمكنه القيام بذلك مرة أخرى لأنه يحتاج إلى تجديد.
  • وهناك خيار بأن يتواصل بايدن مع منتجي النفط الذين تم عزلهم بسبب العقوبات الأميركية، وأبرزهم فنزويلا. لكن هذا مشكوك فيه سياسيا بالنسبة لبايدن.
  • وأشار دي روش إلى أن بايدن قد يسعى إلى إجبار السعوديين على إنتاج المزيد من النفط من خلال حجب مبيعات الأسلحة الرئيسية، مثل نظام الدفاع الصاروخي "باتريوت". إلا أنه حذر من أنه "سينظر إلى هذا النوع من التحرك باعتباره لعبة بالغة الخطورة، ومن شأنه أن يقوّض مصداقية الولايات المتحدة كمورّد للأسلحة والنظم الدفاعية في أنحاء العالم".

ومن جانبه، قال آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق بوزارة الخارجية والخبير حاليا بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في تغريدة له إن "هناك تصورا في الإدارة الأميركية مبعثه أن العلاقة الأميركية السعودية أكبر من أن تفشل، إضافة إلى أنها مهمة.. والولايات المتحدة لديها نفوذ ضخم في الجانب الأمني مع السعودية. ولكن إذا كان الماضي دليلا لنا، فمن غير المرجح أن يُستخدم هذا النفوذ. إنه مأزق حقيقي لبايدن".

لذلك تبقى لدى بايدن قائمة ضعيفة جدا من الخيارات. ويبدو أن خياره الوحيد على المدى القصير (قبل الانتخابات) هو إلقاء اللوم في التضخم على حرب بوتين في روسيا، والسعي إلى تحويل تركيز الناخبين إلى قضايا أخرى، مثل قضية الإجهاض.

وقد ينجح ذلك، ولكن كلما ركّز الجمهور الأميركي على إمدادات الطاقة وأسعارها، أصبح من الواضح أن بايدن لا يستطيع فعل الكثير على المدى القصير للتعامل مع قضية رئيسية بين الناخبين الأميركيين.

المصدر : الجزيرة