يتخذ المناطق الجبلية ذات التضاريس الصعبة والصحاري ملاذا له.. لماذا تتصاعد هجمات تنظيم الدولة في العراق؟

العراقيون يتخوفون من سيناريو سجن الحسكة، خاصة أن العراق شهد حدثا مشابها عام 2013 عندما استطاع تنظيم الدولة تهريب المئات من سجنائه قبل أشهر من سيطرته على العديد من المحافظات العراقية.

Iraqi forces gather in the area of Taza Khurmata on the southern outskirts of Kirkuk on October 15, 2017.The presidents of Iraq and Iraqi Kurdistan held talks to defuse an escalating crisis, after a deadline for Kurdish forces to withdraw from disputed positions was extended by 24 hours. / AFP PHOTO / AHMAD AL-RUBAYE        (Photo credit should read AHMAD AL-RUBAYE/AFP/Getty Images)
قوات عراقية أثناء عملية سابقة ضد تنظيم الدولة (الفرنسية/ غيتي)

الموصل- تزداد حدة الهجمات التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق يوما بعد آخر، لا سيما أنها باتت نوعية بحسب العديد من المراقبين، في ظل أنها خلفت عشرات القتلى والجرحى من المدنيين والقوات الأمنية العراقية.

آخر هذه الهجمات الدامية كانت يوم الجمعة الماضي في ناحية العظيم بمحافظة ديالى (شرقي البلاد)، عندما هاجم مسلحون من التنظيم مقرا تابعا للجيش العراقي، مما أدى لمقتل 10 جنود وضابط برتبة ملازم كان آمرا للفوج المستهدف.

المحلل العسكري - احمد الشريفي
الشريفي: تصاعد هجمات تنظيم الدولة مرتبط بالأزمة السياسية الداخلية في البلاد (الجزيرة)

لماذا تستمر الهجمات؟

ومع تسارع الأحداث الأمنية وتزامن ذلك مع التوتر السياسي بالبلاد، يتساءل العراقيون عن سبب تصاعد الهجمات ومدى قدرة تنظيم الدولة على إعادة سيناريو 2014 وسيطرته على مدن بأكملها بالعراق، خاصة بعد الهجوم النوعي للتنظيم على سجن غويران بمدينة الحسكة السورية، الذي يضم آلافا من عناصر التنظيم.

وفي هذا الصدد، يوضح الخبير الأمني أحمد الشريفي أن ما يحدث في العراق مرده إلى الأزمة السياسية الداخلية في البلاد، والأزمة الإقليمية التي لها علاقة بالحدود العراقية السورية، مشيرا إلى أن ما يحدث لا يخرج عن كونه نتيجة اختلال التوازنات الإقليمية، ومحاولة جهات معينة التوسع على حساب جهات أخرى.

Mourners carry a coffin of an Iraqi soldier who was killed when Islamic State militants attacked their base in Diyala
عراقيون يشيعون أحد قتلى الهجوم على مقر الجيش في ديالى (رويترز)

ويشير الشريفي في حديثه للجزيرة نت إلى العديد من الأسباب، لعل أهمها القصور الأمني المتمثل في قيادة المؤسسة الأمنية، وغياب المتابعة والإستراتيجية، والانفتاح التعبوي على التنظيم مما أدى لتراجع قدرات القوات الأمنية في التصدي للهجمات.

أما الباحث الإستراتيجي سرمد البياتي فيعدّد أسبابا أخرى، من بينها أن مقاتلي تنظيم الدولة في العراق عادوا لحرب العصابات تزامنا مع ضعف الجهد الاستخباري الجوي الذي أدى إلى انكشاف القطعات العسكرية.

البياتي يرى أن القوات العراقية بحاجة لتعزيز قدراتها بالطائرات المسيرة (الجزيرة)

ما الخلل؟

ويتابع البياتي في حديثه للجزيرة نت أنه رغم استخدام القوات العراقية الكاميرات الحرارية لمراقبة تحركات التنظيم في المناطق النائية، فإن تلك الكاميرات لا تفي بالغرض المطلوب ما لم يعزز الجيش العراقي جهوده بسلاح الطائرات المسيرة، التي لديها القدرة على البقاء في الجو لساعات طويلة من أجل مراقبة هدف معين تعجز عنه القوات البرية.

ولفت إلى أن مقاتلي التنظيم يتخذون من المناطق الجبلية ذات التضاريس الصعبة والصحاري ملاذا آمنا في ظل صعوبة وصول القوات البرية بآلياتها إلى تلك المناطق، وبالتالي لا يمكن القضاء على التنظيم في العراق بصورة نهائية إذا ما استمرت القوات العراقية في اعتماد الأساليب التقليدية ذاتها.

من جهته يرى الخبير العسكري إحسان قيسون أن عدم الاستقرار السياسي انعكس على الوضع الأمني ومهّد للتنظيم استغلاله، مشيرا إلى أنه في حال عدم تحرير المؤسسة العسكرية العراقية من المحاصصة السياسية والطائفية، فإن العراق سيخسر قوافل أخرى من الشهداء.

ليس هذا فحسب، بل إن قيسون أوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن الأشهر الخمسة الماضية شهدت 3 عمليات نوعية في صلاح الدين وكركوك وديالى، وبالتالي هناك خلل واضح في الخطط العسكرية وفي الحدود الفاصلة بين القيادات العسكرية في مختلف المدن والمحافظات.

وأشار إلى أن على العراق تطوير أساليب القتال، إذ لا تزال القوات العراقية تقاتل التنظيم بأسلوب الجيش النظامي، في حين أن الواقع الميداني يحتاج لعمليات نوعية استباقية، لا أن تقوم القوات العراقية بردود فعل على هجمات التنظيم.

وأضاف "الأجهزة الاستخبارية تفتقد للأدوات والإمكانيات الإستراتيجية لجمع المعلومات عن تحركات التنظيم ووجوده في المناطق الرخوة أمنيا، والعراق لا يزال بحاجة لقوات التحالف التي تملك منظومات متكاملة لمواجهة حرب العصابات بما لديها من أقمار صناعية وطائرات مسيرة وقوة جوية مقتدرة".

خورشيد أكد أن التنظيم لم يعد له حاضنة شعبية كما الحال في السابق (الجزيرة)

هل سيتكرر سيناريو 2014؟

ورغم المعطيات الحالية، فإن البياتي لا يرى إمكانية في تكرار سيناريو 2014، فضلا عن استحالة قدرة التنظيم على السيطرة على أي موقع لساعات طويلة، معللا ذلك بأن الوضع ورغم مؤشراته الأمنية الحالية فإنه يختلف جذريا عما سبق.

ويذهب في هذا المنحى عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق والنائب الحالي كمال خورشيد، الذي أكد للجزيرة نت أن الوضع الحالي في البلاد مختلف كليا عن السابق، لا سيما أن التنظيم لم يعد له حاضنة شعبية في المحافظات ذات الغالبية السنية التي سيطر عليها بين عامي 2014 و2017.

وتابع أنه رغم التعقيدات الحالية في الوضع السياسي، فإنه لا يقارن بالوضع السابق، وأنه بات للقوات العراقية قدرات كبيرة واندفاع مستمر نحو المناطق التي تشهد خروقا أمنية على عكس السابق.

من جهته، يرى منقذ داغر مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة غالوب الأميركية للأبحاث، أن تنظيم الدولة يعد ظاهرة اجتماعية سياسية رغم ارتدائها اللباس الديني، مشيرا إلى أنه ينشط عندما يكون الظرف السياسي والاجتماعي مهيئا له.

وفي حديثه للجزيرة نت، يفصّل داغر في ذلك بأن "قدرات التنظيم في السابق مختلفة عن الوضع الحالي، إذ إنه فقد الحاضنة الشعبية التي باتت رافضة له في العموم، والتنظيم الآن يعمل كمقاول ثانوي بالمعنى السياسي لا الاقتصادي، حيث يستفيد من اللاعبين السياسيين الرئيسيين حتى وإن لم يدركوا ذلك".

داغر: تنظيم الدولة مجرد ظاهرة اجتماعية سياسية رغم ارتدائها اللباس الديني (الجزيرة)

ما السيناريوهات المستقبلية؟

وعن قابل الأيام، يرى داغر أن تنظيم الدولة غير قادر حاليا على تشكيل الخطورة السابقة ذاتها، إلا أن احتمالات تطوّر إمكانياته جدية، لافتا إلى أن الخلاف الطائفي الذي عاد البعض للتلويح به سيسرع من إمكانيات التنظيم مستقبلا، إذا استمرت الخلافات السياسية والأخطاء العسكرية.

أما الشريفي فيرى أن استمرار الهجمات مستقبلا يرتبط بنوع الحكومة القادمة، وقدرتها على ضبط الأمن في البلاد، ومعالجة نقاط الخلل في الملف الأمني، متوقعا أن تشهد البلاد مزيدا من الهجمات النوعية خلال الأشهر القادمة.

ويتفق هذا الطرح مع ما أفاد به الخبير العسكري إحسان قيسون، الذي يرى أن التنظيم سيستمر في عملياته مستقبلا في ظل بقاء الخطط العراقية على ما هي عليه، مشيرا إلى أن العراق شهد تباطؤا أمنيا بعد استعادة أراضيه عام 2017 بما مهد للتنظيم إعادة ترتيب أوراقه.

المحلل العسكري احسان القيسون مصدر الصورة:أحمد الزاويتي
قيسون استبعد إمكانية تنفيذ تنظيم الدولة هجمات على السجون العراقية (الجزيرة)

ما مخاوف العراقيين بشأن السجون؟

بعد شن مقاتلي تنظيم الدولة في العراق هجوما في ناحية العظيم يوم الجمعة الماضي، شهدت الأراضي السورية هجوما آخر للتنظيم من خلال اقتحامه سجن غويران في الحسكة ومحاولاته إطلاق سراح سجنائه وسط معارك ضارية استمرت عدة أيام.

ويتخوف العراقيون من هذا السيناريو، خاصة أن العراق شهد حدثا مشابها عام 2013 عندما استطاع التنظيم تهريب المئات من سجنائه قبل أشهر من سيطرته على العديد من المحافظات العراقية.

وفي هذا الصدد، ينفي الخبير الأمني أحمد الشريفي أي إمكانية للتنظيم لتكرار هجماته على السجون العراقية، مؤكدا أن الوضع في العراق مسيطر عليه من خلال التعزيزات الأمنية للسجون بعيد هجمات سوريا.

ويؤكد الخبير الإستراتيجي سرمد البياتي أن حرس الحدود العراقي يسيطر على الحدود العراقية السورية بالكامل باستثناء منطقة ضعيفة أمنيا في المثلث العراقي السوري التركي، تتصف بتضاريسها الجبلية، وبالتالي هناك تخوف حقيقي من دخول أي هاربين من سجن غويران للعراق.

وعن ارتباط تصاعد هجمات تنظيم الدولة بالوضع السياسي العراقي، أوضح البياتي أنه لا صلة لذلك بالهجمات، خاصة أن هجمات التنظيم شهدت تصاعدا منذ أشهر عديدة وقبل إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

من جهته، يؤكد الخبير العسكري إحسان قيسون أن احتمال تنفيذ التنظيم هجمات على السجون العراقية مستبعد للغاية، إلا أنه أوضح أن الخلل في المنظومة الأمنية العراقية يكمن في حيثية أخرى تتمثل في اختلاف الأيديولوجيات للقطعات العسكرية على الأرض والتي تتنوع ما بين قوات الجيش والشرطة الاتحادية وقوات الحشد الشعبي.

المصدر : الجزيرة