إشارات أميركية متناقضة بشأن الاعتراف بحكومة طالبان الوشيكة

President-Elect Biden Introduces Foreign Policy And National Security Nominees And Appointments
بلينكن: في المستقبل أي تعامل مع حكومة تقودها طالبان في كابل سيكون مدفوعا بشيء واحد فقط هو مصالحنا الوطنية الحيوية (الفرنسية)

واشنطن– منذ سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية وما تبعها من استكمال انسحاب القوات الأميركية من الأراضي الأفغانية، أصبحت قضية مستقبل علاقات واشنطن بأفغانستان على رأس قضايا الساعة، التي لا يمر يوم من دون التطرق إليها بصورة أو أخرى.

وبين الاعتراف بطالبان وعدمه، إلى ضرورات الأمر الواقع بالتعامل معها، مرورا برغبات في حصارها وفرض المزيد من القيود والعقوبات عليها؛ يتأرجح الموقف الأميركي تجاه طرف كان عدوا شرسا على مدار 18 عاما من القتال، حتى بدأ الطرفان مفاوضات الانسحاب.

ويؤكد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية استمرار التواصل والتعامل مع حركة طالبان من أجل المساعدة في إجلاء بقية الأميركيين العالقين داخل أفغانستان، ويقدرون بأقل من 200 شخص.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار ديفيد دي روش الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، والمحارب السابق بأفغانستان إلى أنه "من السابق لأوانه مناقشة موضوع الاعتراف بطالبان. إذا كانت طالبان هي نفسها كما كانت في الحكم قبل 20 عاما، بالتأكيد لن تعترف بها الولايات المتحدة. ويقع العبء الآن على عاتقهم لإثبات أنهم قد تغيروا، لذا ينبغي على جميع الدول أن تراقب طالبان عن كثب لمعرفة إذا كان ما تفعله يتوافق مع ما تقوله".

ضرورات التعامل مع طالبان

لم تعترف الولايات المتحدة بحركة طالبان أثناء حكمها أفغانستان بين عامي 1996 و2001، وعلى مدى العقدين الأخيرين لم تصنف الإدارات الأميركية الحركة جماعة إرهابية في قائمة وزارة الخارجية، إلا أن وزارة الخزانة فرضت -من جانبها- عدة عقوبات على عدد من زعماء الحركة في الأعوام الماضية.

ومن المرجح ألا يتسرع الرئيس جو بايدن في اتخاذ قرار سريع بشأن الاعتراف القانوني بطالبان، إلا أن الإشارات الصادرة من إدارة بايدن تؤكد وجود علاقة عمل قوية بين الطرفين، سواء في ما يتعلق بعداء مشترك لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، أو ما يتعلق باستكمال إجلاء الأميركيين والأفغان الساعين لمغادرة أفغانستان.

وفي مؤتمر صحفي حول أفغانستان، أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن إدارة بايدن عملت مع طالبان خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط لتمكين الجانب الأميركي من إدارة عملية الإجلاء من كابل.

وقال بلينكن "في المستقبل فإن أي تعامل مع حكومة تقودها طالبان في كابل سيكون مدفوعا بشيء واحد فقط وهو مصالحنا الوطنية الحيوية".

وقالت فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية إن "واشنطن ستواصل إجراء محادثات مع طالبان بما يخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها". ودعت نولاند حركة طالبان للوفاء بالتزاماتها باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، وأضافت أن لدى طالبان كثيرا لتكسبه إذا تمكنت من إدارة أفغانستان بشكل مختلف.

وفي حديث تلفزيوني مع شبكة "إم إس إن بي سي" (MSNBC) ردّ كبير موظفي البيت الأبيض رون كلاين، الذي يعد أقرب مسؤول أميركي من الرئيس بايدن، على سؤال حول إذا كانت واشنطن ستعترف بطالبان بوصفها حكومة شرعية لأفغانستان في أي وقت قريب، بالقول "لا أعتقد أن هناك أي اعتراف في وقت قريب، لا أعرف إذا كنا سنعترف بهم وبحكومتهم".

ورأي السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط -في حديث للجزيرة نت- أنه "سيكون من الحكمة الانتظار على الأقل حتى نتعرف على ما تفعله طالبان. من الواضح جدا أنه كان هناك بالفعل تنسيق تكتيكي على الأرض لأغراض أمنية بيننا وبين طالبان، وأظن أن طالبان ستكون لديها أسباب لمواصلة مساعدة المواطنين الأميركيين المتبقين وحاملي بطاقات الإقامة الدائمة (جرين كارد) على الخروج من البلاد من دون الحاجة إلى اعتراف رسمي أميركي".

تشدد الجمهوريين

وسط سيل الهجوم على الرئيس الأميركي بسبب قراره استكمال الانسحاب من أفغانستان، يحذر الجمهوريون من مغبة الإقدام على الاعتراف بتنظيم طالبان سلطة حاكمة في أفغانستان.

ويحاول الجمهوريون في مجلس النواب استخدام مشروع قانون الإنفاق الدفاعي الفدرالي (موازنة تكميلية لوزارة الدفاع) كرسالة ضد أي اعتراف مستقبلي بشرعية حركة طالبان.

ورغم ضعف حظوظ الجمهوريين لعدم امتلاكهم الأغلبية المطلوبة، تعد الخطوة جزءا من هجوم جمهوري أوسع ضد إدارة بايدن والديمقراطيين على خلفية الانسحاب من أفغانستان.

وتشمل خطط الجمهوريين داخل الكونغرس عرقلة أي تقدم نحو الاعتراف بطالبان، عبر عدة خطوات من أهمها:

  •  دعوة وزارة الخارجية إلى دراسة ما إذا كانت طالبان تُعد تنظيما راعيا للإرهاب.
  • طلب تقديم تقارير دورية محدثة عن مصير الأسلحة والأموال التي حصلت عليها طالبان عقب الانسحاب الأميركي.
  • تضمين نصوص في مشروعات قوانين ميزانية وزارة الدفاع تحظر الاعتراف بالحكومة الأفغانية الجديدة التي تقودها طالبان، وتحظر التعامل معها كحكومة شرعية لأفغانستان.
  • فرض عقوبات جديدة على من يخترق قوانين حظر تصدير الأسلحة إلى طالبان.
  • ويرى الجمهوريون أن على إدارة بايدن الاستعداد لمحاسبة نظام طالبان من خلال تصنيفه دولة راعية للإرهاب مثل إيران وكوريا الشمالية، وينتقدون ما يعتبرونه "وهما ديمقراطيا" بأن طالبان تغيرت، وأنها قد تصبح حركة مشروعة.

أُفق الاعتراف بطالبان

يُعد اعتراف واشنطن بطالبان أداة ضاغطة تمتلكها الولايات المتحدة، التي تمتلك مفاتيح التعامل مع المؤسسات المالية والإنمائية الدولية. واعتراف واشنطن بها سيدفع كثيرا من دول العالم للاعتراف بطالبان والتعامل معها، كما أن واشنطن جمّدت أرصدة الحكومة الأفغانية -البالغة أكثر من 9 مليارات دولار- مودعة في بنوك أميركية.

ولا يعني عدم الاعتراف الرسمي من جانب واشنطن انتهاء الدبلوماسية، وحتى في غياب الاعتراف الرسمي فلا تزال الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية قادرة على إشراك طالبان والتأثير عليها عبر استخدام الجزاءات وتخفيف العقوبات وتقديم المساعدات الإنسانية، وربما حتى المشاركة المستمرة من خلال وجود دبلوماسي محدود داخل أفغانستان.

ويرى بعض المعلقين أن نص قرار مجلس الأمن الدولي الذي دعمته واشنطن وضع شروطا 3 على طالبان الوفاء بها قبل الانتقال لبحث موضوع الاعتراف، وتلك الشروط هي:

  • ضمان مغادرة الأفغان وجميع الرعايا الأجانب بأمان من أفغانستان.
  • السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان مع الحفاظ على حقوق الإنسان للنساء والأطفال والأقليات، ويشمل ذلك "تسوية سياسية عن طريق التفاوض مع تمثيل كامل ومتساو ومجد للمرأة".
  • إثبات أن أفغانستان "لن تُستخدم لتهديد، أو مهاجمة أي بلد، أو لإيواء، أو تدريب الإرهابيين، أو للتخطيط لأعمال إرهابية أو تمويلها".

ويوحي مشروع القرار الأممي بأن طالبان لديها طريق إلى الاعتراف الرسمي الأميركي والدولي، إذا أرادت الجماعة ذلك.

المصدر : الجزيرة