تونس.. هل يعدل سعيد الدستور ليصبح رئاسيا؟

مطالب بإخضاع أي تعديلات دستورية للاستفتاء والنقاش بين مكونات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية

الرئيس قيس سعيد خلال أداءه اليمين الدستورية في البرلمان تواصل اجتماعي
الرئيس قيس سعيد خلال أدائه اليمين الدستورية في البرلمان (مواقع التواصل)

تونس – أكثر من أسبوع مر على إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد "تدابير استثنائية" أقال بموجبها رئيس الحكومة هشام المشيشي، وجمد البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن نوابه، لكنه لم يعرض بعد خارطة طريق لتسيير المرحلة الانتقالية الجديدة.

 

وتحدث مراقبون عن اعتزام سعيد إجراء تعديلات دستورية قبل عرضها على استفتاء شعبي، وتشمل تغيير النظام السياسي من "شبه برلماني" إلى "رئاسي".

وستمكنه التعديلات من تحجيم دور الأحزاب وتغيير النظام الانتخابي، وهي تصورات لطالما عبر عنها سعيد منذ حملته الانتخابية، وحتى بعد توليه رئاسة الجمهورية.

ويتيح الفصل 143 من الدستور لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء البرلمان حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية في ذلك.

حالة من الصمت تسود الشارع التونسي بعد قرارات الرئيس قيس سعيد الأسبوع الماضي (الأناضول)

عوائق

من جهته، يؤكد القيادي في حركة الشعب علي بن عون أن حركته تدعم سعيد "طالما بقي منحازا إلى صف الشعب التونسي".

ويوضح بن عون للجزيرة نت أن تعديل الدستور يتطلب إجراءات، وأن الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي سيكون إما باستفتاء شعبي وإما بتنقيح الدستور، وهو ما يستوجب تصديق ثلثي البرلمان (144 نائبا) "وهي عملية مستحيلة، سواء كان البرلمان مجمدا أو لا".

وأضاف أن تعديل الدستور يصطدم بعائق ثانٍ، وهو غياب المحكمة الدستورية، حيث ينص الفصل 144 "على عرض كل مبادرة لتعديل الدستور من قبل البرلمان على المحكمة الدستورية، لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بالدستور".

ويستدرك قائلا "لا أعتقد أن سعيد سيخالف الدستور، وأرشح فرضية إجراء استفتاء شعبي لأنه يستمد شرعيته من الشعب، ونحن ندعمه في ذلك".

خارطة طريق

بدوره، أكد النائب السابق في البرلمان والناشط السياسي الصحبي بن فرج دعمه توجه قيس سعيد نحو تغيير النظام السياسي التونسي "الشبيه بنظيره اللبناني القائم على الطائفية"، حسب وصفه.

ويقول بن فرج للجزيرة نت إن النظام السياسي الحالي "أوصل التونسيين إلى التفكير المنطقي بالعمل على تغيير بعض نصوص الدستور التي أنتجت أزمات".

ودعا بن فرج الرئيس سعيد إلى تقديم خارطة طريق واضحة للمرحلة القادمة، مشددا على أن "الرئيس ليس مدعوا وحده فقط لتعديل الدستور وتغيير النظام السياسي، لأن هذا نقاش عام بين مؤسسات كاملة، وأي تعديل على هذه المنظومة السياسية يتم تمريره على استفتاء شعبي لإعطائه الشرعية الشعبية".

النائب عن حركة النهضة سليم بسباس/قصر المؤتمرات/العاصمة تونس/نوفمبر/تشرين الثاني 2018
القيادي في حركة النهضة سليم بسباس: الأنظمة يجب أن تكون قائمة على الفصل بين السلطات (الجزيرة)

ضوابط

بالمقابل، يرى القيادي في حركة النهضة سليم بسباس أنه يحق لسعيد بوصفه رئيس الجمهورية المبادرة بمشروع تعديل الدستور الذي يتناسب مع تصوراته بشأن المنظومة السياسية "ولكن التعديل لن يكون قائما إلا باحترام الإجراءات الموجودة في دستور 2014".

ويؤكد بسباس للجزيرة نت أن الأنظمة السياسية -رئاسية أو برلمانية- يجب أن تكون مبنية على التوازن والفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة بينها، لضمان عدم وجود سلطة تستأثر بكل النفوذ "فينحرف النظام من ديمقراطي إلى استبدادي".

وأكد على ضرورة إيجاد ضوابط في اختيار النظام السياسي لإيجاد حكم معتدل، ولتفادي تركيز كل السلطات في يد واحدة.

وعن إمكانية استفادة سعيد من التعديل الدستوري لتقزيم دور الأحزاب، يرى بن عون أن هذا غير وارد في أهداف رئيس الجمهورية، وأن "إشكاليته فقط مع الفاسدين".

ولا ينفي بن عون امتلاك سعيد نظرته الخاصة بشأن طريقة الأنظمة الديمقراطية في ممارسة الحكم، ومن ضمنها طريقة الانتخاب واختيار الناخبين "ولكن الهدف منها ليس إقصاء الأحزاب وتهميشها"، كما قال.

من جهته، يقول الصحبي بن فرج إنه لا يمكن الحكم على النوايا باعتبار أن قيس سعيد لم يصرح بعد برؤيته الخاصة للأمور، وإنه "لا يوجد أفضل من المنظومة الديمقراطية القائمة على الأحزاب وليس على الأشخاص".

إرادة الاختلاء

كما يرى سليم بسباس أيضا أنه لا حياة ديمقراطية دون أحزاب، واعتبر أن "إرادة الاختلاء بالشعب ضرب من الضروب الديماغوجية التي تفسح المجال لجماعات الضغط واللوبيات غير المرئية".

وقال إن النظام الديمقراطي المنظم والمتحضر قائم على "هياكل بينية" بين الشعب والسلطة تشمل منظمات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات والأحزاب السياسية.

ووفق بسباس، فإن الإشكال لا يكمن في إضعاف الأحزاب السياسية "لأنها بطبيعتها ضعيفة"، وإنما التحدي في تقويتها حتى تكون جديرة بحياة ديمقراطية متحضرة و"تمثل الشعب المتشتت أفضل تعبير".

وفي ما يتعلق بإمكانية توجه سعيد نحو الاعتماد على الحكم المحلي والمجالس الجهوية التي بنى عليها عنوان حملته الانتخابية "الشعب يريد"، وإدماج تصوره في تعديل الدستور، يقول القيادي في حركة الشعب علي بن عون إن دعوات تعالت منذ مدة لتغيير طريقة الانتخاب الحالية التي أفرزت مشهدا سياسيا وحزبيا مشتتا.

وشدد بالمقابل على ضرورة مناقشة هذه المسألة مع مكونات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية لاختيار نظام حكم أكثر ديمقراطية، وربما أكثر تمثيلية شعبية، على ألا يتم فرضها بشكل "دكتاتوري"، مؤكدا دعم حركته إجراء استفتاء شعبي حولها.

مبنى رئاسة الحكومة بتونس
مبنى رئاسة الحكومة في تونس (مواقع التواصل)

تهديد لوحدة الدولة

أما القيادي في حركة النهضة سليم بسباس فأكد إيمانه بأن الدولة التونسية موحدة وليست فدرالية، بل مبنية على وجود سلطة مركزية قوية تتدخل في المسائل الوطنية، في حين تكون القضايا المحلية من مهام المجالس المحلية، مشددا على ضرورة إيجاد توازن بين المسألتين.

ويرى أن الأخذ "المفرط" بفكرة اللامركزية "تهديد لوحدة الدولة ولاستمرارها، وانزلاق نحو مخاطر الفدرالية، ومن ذلك مطالبات الاستقلالية"، لافتا إلى ضرورة تقوية اختصاصات اللامركزية لمقاومة التفاوت الجهوي وتحقيق العدالة.

وأكد بسباس على ضرورة طرح مثل هذه الأفكار للنقاش، قائلا إن "الاستقواء بأجهزة الدولة لفرض فكرة أمر غير مرغوب فيه، ولا بد من فسح المجال لشرح الأفكار، ويبقى الشعب في النهاية هو الفيصل"، آملا ألا يكون الاستفتاء أيضا "نوعا من الاستفتاء السياسي، حيث لا بد من التمييز بين شعبية الحاكم والأفكار المطروحة".

المصدر : الجزيرة