"منصة القرم" بأوكرانيا.. هل تغير واقعا فرضته روسيا منذ 7 سنوات؟

يرى مراقبون أن من أهم الأسباب التي تدفع أوكرانيا نحو تنظيم مؤتمر "منصة القرم"، تراجع مواقف عدد من الدول إزاء قضية القرم، بعد أن كانت أساس عقوبات سياسية واقتصادية واسعة فرضت على روسيا.

فولوديمير زيلينسكي أطلق مبادرته لعقد مؤتمر "منصة القرم" بهدف وضع قضية الجزيرة على الأجندة الدولية بصورة دائمة (رويترز)

كييف– تقف أوكرانيا على أعتاب حدث هو الأعظم في تاريخها -بحسب وصف عدد من مسؤوليها- يتمثل في عقد مؤتمر "منصة القرم" الدولي اليوم 23 أغسطس/آب، بمبادرة أطلقها الرئيس فولوديمير زيلينسكي في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

ويتزامن المؤتمر مع الذكرى الـ30 لاستقلال أوكرانيا في 24 أغسطس/آب، ويهدف -على المدى القريب-بحسب وزارة الخارجية إلى ما يأتي:

  1. تفعيل قضية "احتلال" روسيا لشبه جزيرة القرم لتكون دائما على الأجندة الدولية.
  2. الاستجابة للتحديات الأمنية المرتبطة بهذا "الاحتلال" وزيادة الضغط الدولي على روسيا.
  3. حثّ الدول على عدم الاعتراف بضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
  4. منع المزيد من "انتهاكات حقوق الإنسان" في القرم.
  5. تعويض تتار القرم جراء ما لحق بهم من أضرار، بسبب مواقفهم الرافضة للاحتلال.
  6. مناقشة "عسكرة القرم" ومنطقتي بحر آزوف والبحر الأسود من قبل روسيا.

أما على المدى البعيد، فيسعى إلى هدفه الرئيس المتمثل في إنهاء احتلال شبه الجزيرة وإعادتها إلى أوكرانيا.

blogs الجيش الروسي على ميناء شبه جزيرة القرم
قوات روسية في شبه جزيرة القرم (رويترز)

تصحيح خطأ

وترى أوكرانيا أن المنصة ستصحح خطأ استمر 7 سنوات، لغياب أي آلية حول قضية القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها في 2014 عقب استفتاء شعبي مثير للجدل لم تعترف به معظم دول العالم.

ويعتبر وزير الخارجية دميترو كوليبا أن المنصة ستصحح هذا الخطأ، وأن دائرة الدول المشاركة في المنصة ستتسع في المستقبل.

تراجع المواقف

لكن كثيرين يرون أن من أهم الأسباب التي تدفع أوكرانيا نحو تنظيم مثل هذا الحدث، تراجع مواقف عدد من الدول إزاء قضية القرم بعد أن كانت أساس عقوبات سياسية واقتصادية واسعة فرضت على روسيا.

ومن أكبر الأمثلة على هذا التراجع، يشير هؤلاء إلى مواقف كل من ألمانيا وفرنسا اللتين تعتبران دولتين رئيسيتين في الاتحاد الأوروبي وفيما يعرف بـ"رباعية نورماندي" للتسوية في شرق أوكرانيا.

وفي تصريح لافت قبل أسابيع، قال المستشار في مكتب الرئاسة الأوكرانية أوليكسي أريستوفيتش إن "ألمانيا تخلت عن أوكرانيا لصالح روسيا بعد أن صمدت في وجهها 7 سنين".

وأوضح أن "الدول الغربية عموما قلقة من تنامي نفوذ الصين، ولذلك باتت مستعدة للتفاوض مع روسيا"، وبحسب محللين فإن ثمة عوامل عدة لهذا التراجع في المواقف تتلخص فيما يأتي:

  • الرغبة في تحسين العلاقات مع روسيا عموما، ورفع العقوبات التي لم تثن موسكو عن سياساتها تجاه أوكرانيا وأضرّت باقتصادات دول أوروبية كثيرة على رأسها ألمانيا وفرنسا.
  • سعي معسكر الغرب نحو منع أي تحالف عسكري محتمل للصين مع روسيا.
  • إصرار ألمانيا على إطلاق مشروع "السيل الشمالي 2" (Nord stream 2) للغاز مع روسيا، وتراجع التشدد الأميركي إزاء المشروع.

مستوى المشاركة

هذه العوامل وغيرها قد تفسر الجدل حول حجم ومستوى المشاركة في "منصة القرم" التي حددتها الخارجية الأوكرانية -حتى الآن- بنحو 44 جهة، من بينها رؤساء 9 دول، هي: لاتفيا وليتوانيا وإستونيا وبولندا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفا وسلوفينيا وفنلندا.

وبحسب الوزارة، فإن من بين المشاركين: رئيس المجلس الأوروبي، ورؤساء وزراء رومانيا وجورجيا وكرواتيا والسويد، ووزراء خارجية تركيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا والنمسا وهولندا ولوكسمبورغ وأيرلندا والدانمارك وبلغاريا والجبل الأسود والنرويج ومقدونيا الشمالية، ووزراء دفاع المملكة المتحدة والبرتغال، وكذلك مبعوث شخصي للرئيس الأميركي.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي دميترو فورونكوف أن "المؤشر الكمي مشجع، لكن الأهم من ذلك بكثير ليس قائمة البلدان ولكن المستوى الذي سيتم تمثيلها فيه".

وأوضح -في حديث للجزيرة نت- أنه "حتى الأمس القريب لم تحدد دول رئيسية مستوى ممثليها، مثل تركيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وهذا يدل على أن للقضية حسابات دقيقة، ويفسر إحجام كثير من دول العالم عن المشاركة، لتقتصر في النهاية على جهات داعمة أصلا، معظمها في إطار تكتل الاتحاد الأوروبي، ولا جديد فيها"، على حد رأيه.

وقال "الدول التي سارعت إلى تلبية نداء أوكرانيا هي تلك التي تشعر بخطر روسيا عليها، وباحتمال تكرار سيناريو الأزمة الأوكرانية على أراضيها، كدول البلطيق وبولندا وجورجيا ومولدوفا".

لافروف اعتبر أن موقف الغرب من القرم معيب ومخجل (رويترز)

ضغوط روسية

وعلى مدى الأسابيع الماضية، كرر المسؤولون الأوكرانيون أن "روسيا تبتز وتهدد الدول لثنيها عن المشاركة في منصة القرم".

وقال المتحدث باسم الرئاسة الأوكرانية سيرهي نيكفوروف إن "أي بلد يؤكد مشاركته بنسبة 100% يتعرض فورا لضغوط، لذلك يحافظ البعض على سرية المشاركة ويعلنها البعض الآخر بجرأة".

واعتبر وزير الخارجية دميترو كوليبا أنه "في ظل هذه المواقف فإن مشاركة الدول في منصة القرم هي اختبار بسيط للغاية بشأن من يقف مع قضية شبه جزيرة القرم المحتلة وأوكرانيا والقانون الدولي، أو مع روسيا والعدوان الروسي".

تجمع ساحرات

ورغم أن روسيا أحكمت سيطرتها على القرم وتعتبر الحديث عنه خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه، فإن المنصة تثير غضبها على ما يبدو.

الخارجية الروسية قالت إن "روسيا ترى إستراتيجية إنهاء احتلال القرم التي أعلنت عنها كييف تهديدا غير مقبول، ومشاركة أي دولة بفعاليات منصة القرم تعتبر تعديا على وحدة الأراضي الروسية".

ووصف الوزير سيرغي لافروف المنصة مؤخرا بـ"تجمع الساحرات"، مستخدما مصطلح "شباش" الروسي الساخر الذي يطلق على لقاءات الاحتفالات الليلية للساحرات أو العرافات.

واعتبر لافروف أن "موقف الغرب من القرم معيب ومخجل ويسيء للجزيرة، بعد أن عبر سكان شبه الجزيرة عن إرادتهم".

إستراتيجية تحرير

وبين سعي أوكراني رغم الصعوبات، وغضب روسي رغم إحكام السيطرة، يُطرح سؤال حول قدرة "منصة القرم" على تغيير أمر واقع فرضته روسيا على شبه الجزيرة منذ سنوات.

ويخشى كثيرون أن تكون نداءات المنصة وصرخاتها بلا صدى، على اعتبار أن قضية القرم أوكرانية روسية بالدرجة الأولى، ومنهم الكاتب والمحلل السياسي دميترو فورونكوف الذي قال: "علينا أن نقر بأن المصالح الاقتصادية تلعب الدور الأكبر في عالمنا، وأن روسيا فرضت على أوكرانيا والغرب سياسة الأمر الواقع في القرم والبحر الأسود".

ويضيف أن "احتلال القرم تهديد حقيقي لأمن أوكرانيا وأوروبا، لكن هذا التهديد يواجه بتعزيز حضور الناتو في البحر الأسود، كما نرى من خلال المناورات الكثيرة المشتركة؛ أما تحرير القرم فسيبقى في دائرة اهتمام أوكرانيا قبل أي جهة أخرى".

وفي المقابل يقول مدير مركز "المبادرات الديمقراطية" إيهور كوهوت للجزيرة نت إن "المنصة بداية إستراتيجية أوكرانية وميثاق دولي لإنهاء احتلال القرم، وأنا أشبهها بسياسة الغرب التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي".

ويرى كوهوت أن "نقطة ضعف روسيا في عزلها واستمرار الضغط على اقتصادها؛ وهذا يحتاج إلى جهد ونفَس طويل، يجبر موسكو على التراجع، مهما طال الزمن"، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة