هل تدمر واشنطن سفارتها؟.. من سايغون إلى طهران إلى بنغازي.. أي مصير ينتظر السفارة الأميركية في كابل؟

US Embassy In Kabul Launches Mission To Relocate Afghans Under Operation Allies Refuge
مجمع السفارة الأميركية في كابل يشكل أكبر بعثة دبلوماسية في العالم واستغرق تشييده 9 سنوات وكلف نحو 800 مليون دولار (غيتي)

واشنطن– يقول دان ديجز -وهو مدرس موسيقى متقاعد في شمال غربي واشنطن العاصمة- للجزيرة نت إن "التطورات في أفغانستان مربكة للغاية والأمر شديد التعقيد، أحداث كابل تستدعي ذكريات أليمة تعود بي إلى لقطات إخلاء السفارة الأميركية في مدينة سايغون بجنوب فيتنام عام 1975".

"كما أتذكر أيضا مشاهد الدبلوماسيين الأميركيين المحتجزين كرهائن في سفارتنا بطهران بعد نجاح ثورتها الإسلامية على يد الإمام الخميني، وتمر بذاكرتي كذلك مشاهد القنصلية الأميركية المشتعلة فيها النيران عقب اغتيال السفير الأميركي في بنغازي عام 2012".

تلخص هذه الكلمات دراماتيكية الأوضاع المتسارعة في أفغانستان وتاريخيتها، إذ تستدعي في أحد أبعادها لحظات تاريخية أليمة تمثل كابوسا لملايين الأميركيين بشأن مصير مجهول لسفارة بلادهم هناك.

وتضاعفت المخاوف داخل إدارة الرئيس جو بايدن على مصير 1400 دبلوماسي أميركي لا يزالون داخل مجمع السفارة الأميركية بأفغانستان، فضلا عن أعداد كبيرة من المتعاقدين والموظفين الأجانب ممن يعملون بصورة مباشرة وغير مباشرة مع مكاتب السفارة بكابل، قدّرت أعدادهم بعض المصادر بما لا يقل عن 3 آلاف شخص.

سيناريو تدمير الأميركيين سفارتهم

وقد وصلت بالفعل مئات من قوات مشاة البحرية الأميركية -المارينز- للمساعدة في إخلاء مجمع السفارة الأميركية بكابل وتأمينه.

ومع تقدم قوات طالبان المستمر باتجاه العاصمة كابل، عاد قادة الحزب الجمهوري لمهاجمة قرار الرئيس بايدن بالانسحاب من أفغانستان، ووصف السيناتور ميتش ماكونيل -زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ- جهود الإدارة الأميركية بأنها تنصب على مناشدة المتطرفين الإسلاميين عدم استهداف سفارة واشنطن بكابل.

وقال ماكونيل إن "انتصار طالبان قد يكون أسوأ من سقوط مدينة سايغون الفيتنامية في يد الشيوعيين منتصف سبعينيات القرن الماضي بعدما غادرها الجنود الأميركيون".

وكانت تقارير إخبارية قد أشارت إلى أن واشنطن طلبت تأكيدات من تنظيم طالبان بعدم اقتحام السفارة الأميركية بكابل، في وقت أشار أحد المعلقين لشبكة فوكس الإخبارية إلى أن على "القوات الأميركية المبادرة إلى تدمير السفارة بكابل وتسويتها بالأرض قبل أن تسيطر عليها قوات تنظيم طالبان خلال الأيام القادمة".

كما لخص ديفيد إيجناشيوس، كاتب عمود شؤون السياسة الخارجية في صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post‎‏)، محنة الرئيس بايدن الحالية، وقال إن "الفوضى في كابل تحمل أصداء سقوط سايغون في عام 1975، وهي بالضبط الصورة التي أراد تجنبها الرئيس بايدن الذي كان يأمل انسحابا منظما للقوات الأميركية من أفغانستان".

قلق أميركي متصاعد إزاء مهاجمة طالبان مقر السفارة الأميركية في كابل التي تضم 1400 دبلوماسي وموظف أميركي ويعمل فيها آلاف المتعاقدين الأجانب (الأوروبية)

حوادث تاريخية أليمة

لم تتوقف كبريات الشبكات الإخبارية الأميركية مثل "سي إن إن" (CNN) و"فوكس نيوز" (Fox News) و"إم إس إن بي سي" (MSNBC) عن بث لقطات للحظات الأخيرة من مغادرة طائرات الهليكوبتر محيط السفارة الأميركية في مدينة سايغون عام 1975 قبل أن تسقط في يد القوات الشيوعية.

وعرفت الولايات المتحدة خبرات أليمة في الحالات السابقة، ومع تقدم القوات الفيتنامية الشمالية نحو مدينة سايغون -غيرت اسمها لاحقا إلى "هو تشي منه"- قامت قوات المارينز بعشرات الرحلات الجوية بطائرات الهليكوبتر من طراز الشينووك الواسعة لإخلاء آلاف ممن بقوا من الأميركيين والأجانب فضلا عن مئات العائلات الفيتنامية ممن عملوا لمصلحة الأميركيين بخاصة من لديهم أطفال.

وقبل 40 عاما اقتحم طلاب من الثوار الإيرانيين الموالين للإمام آية الله الخميني السفارة الأميركية في طهران، وخلال 3 ساعات سيطر ما يقرب من 500 طالب على السفارة، واحتفظوا بموظفي السفارة -عددهم 52 شخصا- رهائن لديهم، وهو ما أدى إلى أزمة غير مسبوقة في علاقات واشنطن بطهران ونظامها الإسلامي الجديد.

وبعد إخفاق محاولات واشنطن المباشرة أو غير المباشرة عبر وسطاء دوليين للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن قامت قوات أميركية بعملية عسكرية لإنقاذهم في 24 أبريل/نيسان 1980.

أخفقت المحاولة ودُمّرت طائرتا هليوكوبتر وقتل 8 جنود أميركيين، وقبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الأميركي رونالد ريغان رئيسا جديدا في الـ20 من يناير/كانون الثاني أفرجت طهران عن الرهائن وتم توقيع اتفاقية الجزائر.

وفي سبتمبر/أيلول 2012 قُتل السفير الأميركي كريس ستيفنز و3 أميركيين في حادثة اقتحام القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012، إذ هاجمت مجموعة مسلحة القنصلية احتجاجا على نشر فيلم مسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

حاضر وتاريخ معقدان

تعد سفارة الولايات المتحدة بكابل من أكبر البعثات الدبلوماسية في العالم، ويقع مجمع السفارة في طريق مسعود العظيم بحي وزير أكبرخان.

ولا يوجد سفير لواشنطن لدى أفغانستان في الوقت الحالي، ويشرف الدبلوماسي المخضرم روس ويلسون على إدارة السفارة والقيام بمهام السفير إذ لم يسمّ بايدن سفيرا جديدا في أفغانستان بعد وصوله إلى الحكم.

ويشمل محيط السفارة الأميركية -الذي يمتد على مساحة 36 فدانا- سفارتي فنلندا وكوريا الجنوبية، كما يقع خلفها مقر البعثة التابعة لحلف شمال الأطلسي بكابل.

وبدأت عمليات بناء السفارة الحالية عام 2010 وخُطط للانتهاء من أعمال الإنشاءات عام 2015، إلا أنها لم تنته فعليا إلا منتصف عام 2019 وكلفت ما يقرب من 791 مليون دولار.

وسبق أن تعرضت السفارة لهجمات في أبريل/نيسان 2012 حين هاجم عناصر طالبان السفارة، لكن قوات الأمن الأفغانية تمكنت من دحر الهجوم قبل وصولهم إلى محيط السفارة.

وانفجر صاروخ في 11 سبتمبر/أيلول 2019 في الذكرى الـ18 لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، ولم تقع إصابات، وتسبب تفشي فيروس "كوفيد-19" في أفغانستان في إصابة 159 من العاملين في السفارة بالفيروس في يونيو/حزيران الماضي، وهو ما أدى إلى عمليات إجلاء طبي متعددة ووفاة شخص واحد على الأقل.

المصدر : الجزيرة