السودان وإثيوبيا.. توتر على الحدود المغلقة المكتظة باللاجئين

منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فر عشرات آلاف الإثيوبيين من قبائل مختلفة إلى مناطق ولاية القضارف السودانية الحدودية بسبب الحروب والصراعات القبلية.

جنود سودانيون في معبر القلابات بالحد الفاصل بين الحدود مع إثيوبيا (الجزيرة)

الحدود السودانية الإثيوبية- تتزامن نُذر التوتر الدبلوماسي بين السودان وإثيوبيا، مع توتر حدودي على الأرض بلغ أقصاه بإغلاق الطريق القاري بين البلدين عند معبر القلابات من قبل الخرطوم، ردا على اختطاف مليشيا إثيوبية قائد منطقة القلابات العسكرية.

وعلى طول الحدود بين البلدين البالغة 1600 كيلومتر، تتزايد المشكلات الأمنية والإنسانية جراء أزمة اللاجئين الإثيوبيين المنتمين لقوميات متناحرة فرّت إلى ولايتي القضارف والنيل الأزرق السودانيتين.

وتتبدى الأزمة الحدودية من خلال الصراع حول أراضي الفشقة التي استردّها السودان أخيرا مستغلا الحرب في إقليم تيغراي، والتي حفّزت أيضا الصراعات على الأراضي والموارد بين قبيلة الأمهرة المتحالفة مع الحكومة الاتحادية بأديس أبابا، وبقية القوميات من التيغراي والكومنت والأرومو والقُمز. وجرّاء هذه النزاعات، فرّ إلى السودان أكثر من 70 ألف لاجئ إثيوبي أغلبهم من التيغراي، فضلا عن موجات لجوء جديدة من قوميتي الكومنت والقُمز.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فرّ عشرات آلاف التيغراي لولاية القضارف. وفي فبراير/شباط ومايو/أيار الفائتين، استقبلت ولايتا النيل الأزرق والقضارف لاجئي قبيلة القمز من إقليم بني شنقول. ومنذ يوليو/تموز الماضي، يتدفق لاجئون من الكومنت والقُمز من إقليم الأمهرة صوب القضارف أيضا.

توقف حركة السير في البوابة المؤدية لمعبر القلابات (الجزيرة)

مصير قاتم

أغلق السودان منذ 24 يوليو/تموز الماضي، معبر القلابات على الطريق القاري مع إثيوبيا، وهو المنفذ الرئيس لحركة التجارة والبضائع بين البلدين. وتحول المعبر إلى ما يشبه مدينة الأشباح، بعد إغلاق التجار محالهم وتوقف حركة التبادل التجاري.

واضطر التاجر "أحمد" الذي يعمل في تجارة البضائع المستعملة "الخُردة" إلى إغلاق محله، ونقل بضاعته لمدينة القضارف بسبب إغلاق المعبر.

ويتوقع "النجيب" -وهو صاحب صيدلية في بلدة باسندا القريبة من القلابات- فشل الموسم الزراعي إذا استمرار إغلاق المعبر الذي تفد عبره عمالة إثيوبية رخيصة للعمل في مساحات الزراعة المطرية الشاسعة.

وجاء الإغلاق ردا على اختطاف مليشيا إثيوبية قائد منطقة القلابات العسكرية النقيب بهاء الدين يوسف الذي قاد قوة صغيرة لتحرير 3 أطفال من يد المليشيا، لكنه أسِر في كمين.

ولم تفلح المفاوضات بين قادة قوات البلدين، المتمركزة على جانبي المعبر، في إنهاء الأزمة. حيث يصر الجانب السوداني على معرفة مصير الضابط المختطف "حيا أو ميتا".

معسكر أم راكوبة للاجئين التيغراي بالقضارف (الجزيرة)

جرائم عابرة

اطلعت الجزيرة نت على تقارير أمنية تؤكد تزايد الجرائم العابرة للحدود في ولاية القضارف، والمتعلقة بالاتجار بالبشر وتهريب السلاح والمخدرات.

وطبقا لأحد هذه التقارير، فإن قوة شرطية في محلية باسندا، المتاخمة لحدود إثيوبيا، تمكنت الشهر الماضي من توقيف 3 متهمين على متن شاحنة محملة بـ 16 إثيوبية من ضحايا الاتجار بالبشر.

وبحسب مصدر عسكري فإن عمليات ضبط السلاح والاتجار بالبشر في تزايد، مما يعني أن هذه الأنشطة رائجة بشدة على حدود البلدين. كما أفادت نشرة في مارس/آذار الفائت، بضبط شاحنة محملة بـ 600 مسدس تركي الصنع، في نقطة تفتيش إثيوبية.

وأشارت النشرة لدخول الأسلحة من السودان إلى منطقة أبرها جيرا الإثيوبية، وكانت في طريقها لمدينة قندر بمحافظة إقليم الأمهرة، واعتبرت ذلك تهديدا لأمن واستقرار البلاد.

حشود عسكرية

وتحولت حمداييت بولاية كسلا السودانية، قرب مثلث التقاء الحدود مع إثيوبيا إريتريا، إلى منطقة توتر عسكري بالغ بين الدول الثلاث، والتي نشرت تعزيزات عسكرية على حدودها.

وجاء انفتاح قوات الدول الثلاث بالمنطقة التي يشقها نهر ستيت بضفافه الوعرة، بعد استعادة جبهة "تحرير تيغراي" مدينة "ميكيلي" عاصمة الإقليم، ومحاولتها إعادة السيطرة على مناطق الإقليم الغربية في ولكايت وحُمرا.

وبحسب الصحفي السوداني المهتم بشؤون القرن الأفريقي محمد حامد جمعة، فإن دعوة واشنطن لسحب مليشيات الأمهرة والجيشين الإثيوبي والإريتري، وهي قوات متحالفة، من منطقة غرب تيغراي، يمنح مواطني الإقليم خطوط إمداد خلفية ارتبطت تاريخيا بعوامل التحولات العسكرية الفاصلة.

 

وفي ظل الانتصارات التي حققها التيغراي، زاد توتر القوات الإثيوبية، شرق نهر ستيت، من تمركز آلاف اللاجئين التيغراي في حمداييت على الضفة الغربية للنهر.

ويقول مدير مركز استقبال اللاجئين في حمداييت يعقوب محمد يعقوب، إن القوات الإثيوبية متوترة في ظل محاولات بعض اللاجئين العودة لمساعدة أقرباء لهم يريدون عبور نهر ستيت الجامح موسم الفيضان.

وطبقا لمعلومات عسكرية، رُصدت 6 دبابات إثيوبية على ضفة النهر الغربية، وأسلحة ثقيلة موجهة نحو حدود السودان في حالة تأهب. وبالفعل، تم استهدف قناصة لاجئين كانوا بصدد العبور لحمداييت.

انتشال جثة أحد الفارين التيغراي من نهر ستيت شرق السودان (مواقع التواصل)

نهر الجثث

قال قيبرو تمفاي رئيس الجالية الاثيوبية بود الحليو التابعة لولاية كسلا، للجزيرة نت، إنه تم انتشال 5 جثث مجردة من الملابس لفارين من التيغراي من نهر ستيت الجمعة والسبت الماضيين، وعليها آثار تعذيب، فضلا عن التمثيل بها. ويؤكد أن 47 جثة تم انتشالها حتى الآن، وهو ما عزز مخاوف القرى السودانية المشاطئة للنهر من احتمال تلوث مياهه.

وكان حساب على موقع "تويتر" تديره الحكومة الإثيوبية قال ن "الروايات المتداولة عن الجثث، على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت بسبب حملة دعائية كاذبة في تيغراي".

وإلى جانب ذلك، تنشط عصابات التهريب عبر الحدود بشدة عند مثلث التقاء الحدود بين الدول الثلاث، حيث تضم المنطقة جيوبا تتجنب قوات هذه الدول التوغل فيها كي لا تتعدى الحدود الدولية.

لاجئون من قبيلة الكومنت الإثيوبية في بلد باسنقا بالقضارف شرق السودان (الجزيرة)

أزمة دبلوماسية

وإزاء توتر الحدود المتنامي، تبدو نذر الأزمة الدبلوماسية بين الخرطوم وأديس أبابا منطقية، خاصة وأن قومية الأمهرة تسيطر على مفاصل الدولة الإثيوبية، وهي صاحبة المصلحة في أراضي الفشقة، كما تقول.

واستدعى السودان الأحد الماضي سفيره لدى إثيوبيا، للتشاور حول تصريحات صدرت مؤخرا عن مسؤولين إثيوبيين كبار برفض مساعدة الخرطوم في إنهاء النزاع المحتدم بإقليم تيغراي، بدعوى عدم حيادها واحتلالها أراضٍي إثيوبية.

وقالت الخارجية السودانية في بيان "إن مبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في إطار رئاسته (الهيئة الحكومية للتنمية) تهدف لتشجيع الأطراف الإثيوبية على التوصل لوقف شامل لإطلاق النار، والدخول في حوار سياسي". لكن أديس أبابا قالت الأسبوع الماضي إن ثقتها ببعض القادة السودانيين "تآكلت" واتهمت جيش السودان "بالتوغل" داخل حدودها.

المصدر : الجزيرة