على نهر ينوء بالجثث.. حمدايت السودانية تئن تحت وطأة اللاجئين الإثيوبيين والإريتريين ويرصدها جيشا الدولتين

تمثل حمدايت مثلثا لالتقاء الحدود الإثيوبية والإريترية مع السودان، واضطر الجيش السوداني لتعزيز قواته بالمنطقة بعد حالة تأهب فرضها الجيش الإثيوبي غربي نهر سيتيت وحشد الجيش الإريتري لقواته في أم حجر غربي النهر أيضا

مركز استقبال اللاجئين في حمدايت
مركز استقبال اللاجئين في حمدايت (الجزيرة نت)

حمدايت – بعد مسيرة 9 ساعات من أدباي الإثيوبية وحتى الضفة الغربية لنهر سيتيت قبالة حمدايت السودانية، استوقفت دورية تابعة للجيش الإثيوبي نحو 30 شابا كانوا يعتزمون عبور الحدود للسودان ومباشرة أطلقوا النار على 3 منهم وقذفوا بهم في النهر، بحسب اثنين من اللاجئين تحدثا للجزيرة نت.

ويقول موز تولومريام "26 عاما" إنه شاهد مع رفقائه هذا المشهد وتملكهم الخوف من كل الخيارات المتاحة حينها، فالعودة إلى إقليم تيغراي تعني العودة إلى الجحيم وعبور النهر مغامرة يحفها الموت إما بنيران القناصة أو الغرق.

ويروي موز قصة هروبه للجزيرة نت بعد أن شهدت بلدته "أدباي" معارك عنيفة بين قوات تيغراي والجيش الإثيوبي وحلفائه من مليشيات الأمهرة "الفانو" والولغايت.

ويضيف أن ضباط الجيش الفدرالي والمليشيات المتحالفة معه يعمدون إلى تحديد منازل الأغنياء نهارا ويقتحمونها ليلا لنهب الأموال والمصوغات الذهبية تحت تهديد السلاح.

ولم يتسنَّ للجزيرة نت الحصول على رد من المسؤولين الإثيوبيين في المنطقة.

وكان حساب على موقع "تويتر" تديره الحكومة الإثيوبية قال إن "الروايات المتداولة عن الجثث على وسائل التواصل الاجتماعي كانت بسبب حملة دعائية كاذبة في تيغراي".

يعقوب محمد يعقوب مدير مركز استقبال حمدايت
يعقوب محمد يعقوب مدير مركز استقبال حمدايت: نستقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين رغم الإمكانات الضعيفة للبلدة (الجزيرة نت)

مغامرة العبور

وبحسب مدير مركز استقبال اللاجئين الإثيوبيين في حمدايت يعقوب محمد يعقوب فإن موجة لجوء جديدة يتعرض لها المركز والبلدة ذات الإمكانات الضعيفة منذ 25 يوليو/تموز الماضي.

وخلال 10 أيام وصل مركز الاستقبال الواقع بولاية كسلا السودانية أكثر من 230 لاجئا من التيغراي بعد أن عبروا النهر رغم انتشار دوريات للجيش الإثيوبي تستهدف تصفية كل من يريد العبور عن طريق قناصة أعلى الأشجار كما يقول شهود عيان.

وإلى جانب هؤلاء الناجين من أمواج سيتيت ورصاص القناصة وصل آلاف اللاجئين الإثيوبيين من قومية الكومنت بإقليم الأمهرة إلى بلدة تاية التابعة لولاية القضارف بالسودان.

ويقول يعقوب للجزيرة نت إن فارين أبلغوهم أن مناطق أدباي وحمرا تعرضت لقصف من الأمهرة والجيش الإثيوبي ما أدى لهروب التيغراي إلى السودان عبر حمدايت والرويان.

ضفة نهر ستيت الشرقية
نهر سيتيت الفاصل بين إقليم تيغراي والسودان يشهد عبورا متزايدا للاجئين الإثيوبيين نحو الأراضي السودانية (الجزيرة نت)

قصص مؤلمة

ويبدي مدير مركز حمدايت لاستقبال اللاجئين دهشته من استمرار عبور لاجئي تيغراي من منطقة الحمرا الإثيوبية بعد القصف العنيف الذي تعرضت له بداية الحرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ويضيف أن يوم 25 يوليو/تموز الماضي كان يوما عنيفا -بحسب روايات اللاجئين الفارين-فقد شن الجيش الإثيوبي وحلفاؤه من المليشيات حملةَ تفتيش من بيت لبيت في حمرا وأدباي، بينما ترصدت قواته الهاربين نحو السودان على الضفة الغربية لنهر سيتيت.

ويتابع "لقد اعتقلوا الرجال وقيدوا أيديهم وأرجلهم ورموهم في النهر. هناك روايات بإعدام 55 شخصا بعضهم وجدت عليهم آثار الرصاص بعد انتشالهم".

ويقول إنه في ذلك اليوم حاول نحو 150 من التيغراي العبور للسودان لكن إطلاق النار شتتهم فقتل في الحال نحو 10 أشخاص بينما تمكن 35 شخصا من عبور النهر لحمدايت.

وانتشل قرويون سودانيون في قريتي أبو كوتو والجيرة جنوب غرب حمدايت جثثا لإثيوبيين مقيدين ومصابين بالرصاص وتم دفنهم بعد إبلاغ الجيش والشرطة.

ويؤكد أنه ووفقا للروايات فإن من اعتقلتهم مليشيات الفانو والولغايت لم يكن مصيرهم جيدا أيضا، فقد حبسوهم في مخازن الذرة حتى الموت.

مركز استقبال اللاجئين في حمدايت
مركز اللاجئين في حمدايت استقبل عشرات اللاجئين الفارين من المعارك في تيغراي (الجزيرة نت)

قتلٌ على الهوية

وإثر تنظيم مقاتلي التيغراي لصفوفهم واستعادتهم لعاصمة الإقليم "ميكيلي" اشتدت إجراءات الجيش الإثيوبي قبالة حمدايت خوفا من عودة اللاجئين لإقليم تيغراي والالتحاق بجبهة تحرير تيغراي.

وهو ما يؤكده اللاجئ موز تولومريام الذي عبر النهر للسودان أخيرا بقوله إن الجيش الإثيوبي يستهدف شباب التيغراي خوفا من التحاقهم بجبهة القتال.

ويضيف "إنهم لا يريدون عودتنا للديار، أمي وأبي في أدباي طلبا مني الهروب للسودان خوفا من اعتقالي بواسطة الفانو والولغايت من أجل مطالبة أسرتي بفدية لإطلاق سراحي".

أما الشاب "إيمانويل" الذي عبر نهر سيتيت إلى حمدايت الاثنين الماضي فيقول للجزيرة نت إن هناك استهدافا لافتا للشباب وتزايد حالات الاغتصاب للفتيات في المناطق الشرقية لإقليم تيغراي بعد أن استعاد التيغراي عاصمتهم ميكيلي.

وينوه إلى أنه هرب من الحمرا لأن الأمهرة والولغايت الذين يعتقدون أن الحمرا تتبع لهم يقتلون أي شاب يتحدث التقرنجا-لغة التيغراي.

ويقول إيمانويل الذي كان يعمل في شركة اتصالات إن المليشيات تستهدف بشكل خاص الموظفين الحكوميين.

وفي تطور لافت، يقول مدير مركز حمدايت لاستقبال اللاجئين إن الجيش الإريتري وفر حماية لتيغريين أجبروا على الهروب إلى بلدة شيري القريبة من حدود إريتريا، بعد اتهامات للجيش الإريتري بالمشاركة في الحرب وارتكاب انتهاكات.

اللاجئ طاهر آدم وزوجته
اللاجئون رووا قصصا مؤلمة عن رحلتهم من تيغراي للأراضي السودانية (الجزيرة نت)

مثلث الرعب

ويتوجس سكان حمدايت السودانيون خيفة بعد أن أصبحت بلدتهم الصغيرة مكتظة باللاجئين الإثيوبيين والإريتريين معا، وهو ما يجعلها مرتعا لحرب مخابرات متعددة الجنسيات.

وتمثل حمدايت مثلثا لالتقاء الحدود الإثيوبية والإريترية مع السودان، واضطر الجيش السوداني لتعزيز قواته بالمنطقة بعد حالة تأهب فرضها الجيش الإثيوبي غربي نهر سيتيت وحشد الجيش الإريتري لقواته في أم حجر غربي النهر أيضا.

وبعد مقتل رجل ستيني أثناء عمله في صناعة الفخار على ضفة نهر سيتيت جراء نيران قناصة إثيوبيين، فرض الجيش السوداني إجراءات منع بموجبها تمركز اللاجئين على ضفة النهر.

وبحسب مدير مركز حمدايت فإن القوات الإثيوبية تملكها التوتر جراء محاولة لاجئين مساعدة أقربائهم في عبور نهر سيتيت الجامح هذه الأيام.

وطبقا لمعلومات عسكرية فإنه تم رصد 6 دبابات إثيوبية على ضفة النهر الغربية وأسلحة ثقيلة موجهة نحو حدود السودان في حالة تأهب.

شكاوى المواطنين

ويشكو سكان حمدايت، البالغ عددهم نحو 6 آلاف نسمة، من ممارسات اللاجئين الذين أصبحوا يفوقونهم عددا، واطلعت الجزيرة نت على شكاوى للسكان انتقدت تفشي الدعارة وتهريب الخمور والمخدرات ومشاركة اللاجئين للسكان في التجارة، وطلبت المذكرة ترحيل اللاجئين للمعسكرات الدائمة.

ويقول مدير مركز استقبال اللاجئين إنهم أبلغوا اللجنة الأمنية بمحلية ود الحليو التابعة لولاية كسلا بخطورة وجود لاجئين غير مسجلين بحمدايت.

ويوضح أن عدد اللاجئين بحمدايت نحو 14 ألف لاجئ لكن المسجلين منهم لا يتعدى 7 آلاف لاجئ، موضحا أن المركز اعتمد التسجيل بالبصمة منذ أبريل/نيسان الماضي وحتى الآن تم تسجيل 5900 لاجئ.

ويضيف أن ثمة صعوبات تعيق التسجيل منها حالات زواج لسودانيين من إثيوبيات فضلا عن لاجئين من الأثرياء يرفضون التسجيل وينتظرون توقف الحرب للعودة إلى ديارهم في إقليم تيغراي.

وتواجه إدارة المركز تحديا آخر يتمثل في توافد لاجئين إريتريين، فقد شهد الأربعاء الماضي وصول 29 إريتريًّا بينهم 10 فتيات يافعات، وتضطر إدارة المركز لفصلهم بعيدا عن التيغراي خوفا من تعرضهم للانتقام.

اللاجئ طاهر آدم وزوجته
عدد من اللاجئين الإثيوبيين يفضلون البقاء في حمدايت ليكونوا قريبين من المناطق التي شردوا منها (الجزيرة نت)

قريبا من الديار

ويفضل اللاجئون الإثيوبيون البقاء في حمدايت ليكونوا قريبين من قراهم وبلداتهم التي شُردوا منها، فيكفيهم الوقوف على ضفة نهر سيتيت الوعرة واختلاس النظر إلى مراتع صباهم.

ويرفض اللاجئ طاهر آدم ترحيله إلى معسكر أم راكوبة ضمن 4 آلاف لاجئ تخطط السلطات لنقلهم إلى المعسكرات الدائمة.

ويقول للجزيرة نت إنه فقد ابنه غرقا في النهر ولديه زوجة وابنة يعانيان من اضطرابات نفسية جراء الحرب، ولكنه يتمنى هزيمة الجيش الإثيوبي والرجوع إلى بلدته الحمرا.

أما اللاجئة سلام "23 عاما" التي وصلت حمدايت الأربعاء الماضي فتبدو كمن عاد للجذور فقد فارقت السودان عائدة لإثيوبيا على ظهر أمها وعمرها سنة واحدة وها هي تعود إليه مرة أخرى وعلى ظهرها طفل رضيع في مشهد ألفته حدود البلدين.

سلام كانت تخشى التصوير، شأنها شأن بقية اللاجئين الجدد، خوفا من أن يستهدف الجيش الإثيوبي ذويها على الضفة الأخرى للنهر.

المصدر : الجزيرة