بين غراميات وثرثرة كوهين وتغييرات وتكتم برنيع.. ماذا يحدث في الموساد الإسرائيلي؟

تناغمت سياسات كوهين ونتنياهو؛ إذ تمحورت حول الملف النووي الإيراني، وتعزيز العلاقات السرية مع أنظمة عربية وإسلامية. ويقول محلل للشؤون الأمنية والاستخباراتية "كوهين كان يدين بالولاء لنتنياهو أكثر من ولائه للدولة".

صراع خفي بالموساد سببه نتنياهو (وسط) (الصحافة الإسرائيلية)

القدس المحتلة- الكشف عن الفضيحة الغرامية لرئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) السابق، يوسي كوهين، وعلاقته بإحدى مضيفات شركة الطيران الإسرائيلية (إلعال)، واتهامه بالثرثرة وإفصاحه عن بعض عمليات التجسس التي قام بها، عكس وجه الصراع الدائر داخل وكالة المخابرات الإسرائيلية.

وكشفت القناة 13 الإسرائيلية -ضمن برنامج التحقيقات "همكور"- تفاصيل تتعلق بتسلط كوهين وسطوته على الموساد، والإفصاح عن إقصائه 6 من كبار المسؤولين بذريعة عدم "الولاء للجهاز" خلال 10 أيام من توليه منصبه، وكشف لمضيفة الطيران وزوجها عن تفاصيل تتعلق بأسلوب إدارته لجهاز المخابرات.

وتمادى كوهين بالثرثرة والكشف عن المستور -وفقا للتحقيق الاستقصائي- حين أفشى أسرار عمليات تجسس قام بها حول العالم، وملاحقة الموساد لطبيب زعيم عربي معروف، ومشاركة معلومات سرية مع المضيفة التي ربطته بها علاقة غرامية، بحسب مزاعم زوجها رجل الأعمال غاي شيكر.

وعشية انتهاء ولايته، واجه كوهين اتهامات بانتهاكات عدة؛ إذ ساعد في تأمين وظيفة لابنته في شركة "لها صلات بمسؤول إماراتي كبير"، في حين كان لا يزال رئيسا للموساد، إضافة إلى حصوله على مبلغ 20 ألف دولار هدية من رجل الأعمال الأسترالي جيمس باكر.

وتعالت الانتقادات الموجهة إلى كوهين حين ألمح إلى ضلوع إسرائيل في تفجير أجهزة الطرد المركزي بمنشأة نطنز الإيرانية، وعند كشفه عن تفاصيل عملية سرقة الموساد للأرشيف النووي الإيراني التي نفذت عام 2018، وتأكيده أن العالم الإيراني محسن فخري زاده -الذي تم اغتياله- كان تحت مراقبة الموساد منذ سنوات.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت (يمين) مع رئيس الموساد الجديد ديفيد برنيع (الصحافة الإسرائيلية)

تغييرات لضمان مكانة الموساد

وتكشّفت سطوة كوهين والصراع الخفي في الموساد، مع دخول ديفيد برنيع -نائب رئيس الموساد السابق- إلى منصبه الحالي وهو رئاسة الموساد؛ إذ أقصى 3 مسؤولين كبار من جهاز المخابرات، وذلك ضمن الإجراءات الهيكلية والتغييرات التي يجريها على المنظومة التي لاقى فيها سلفه كوهين انتقادات واتهامات بأنه موال لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.

عند توليه منصبه -يقول المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إيتمار آيخنر- "قرر رئيس الموساد برنيع إجراء تغييرات إستراتيجية في عمل الجهاز وتركيزه على المجال التشغيلي والتكنولوجي، لضمان أن يظل الموساد أفضل منظمة في العالم".

وأضاف آيخنر أنه "لولا هذه التغييرات التي أدت أيضا إلى تقاعد وتنحي 3 رؤساء أقسام في الجهاز، لفقد الموساد مكانته في طليعة أجهزة المخابرات حول العالم. وبدون هذه التغييرات، وفي غضون عامين من الآن، كان سيقف الموساد ويسأل نفسه: ما الذي لم نفعله بشكل صحيح؟"

التحلل من سطوة نتنياهو

وفي إشارة إلى دور نتنياهو في تأجيج الصراع الداخلي بالموساد والاستعانة بكوهين لمصالح وأجندة شخصية وسياسية، يقول ران إيدليست المراسل العسكري السابق للقناة الإسرائيلية الرسمية إن "أي شخص مطلع على ما حدث بالموساد خلال عهد كوهين ونتنياهو، يعرف أن هذا الجهاز تم تمهيده للولاء لصالح أيديولوجية شخصية وحزبية، وعليه يحتاج إلى تغيير كبير وهيكلة جديدة".

ويضيف إيدليست أنه حتى أولئك الذين اطلعوا على التقارير السرية خلال ولاية كوهين، "كان يجب أن يفهموا أن هناك شيئا ما خطأ في إدارته، سواء تصريحاته بشأن استهداف إسرائيل للنووي الإيراني، أو دور كوهين في العلاقات الوثيقة التي أقامها نتنياهو مع أسوأ دول اليمين في أوروبا".

ويعتقد المراسل العسكري أن إعادة الهيكلة والتغييرات الجذرية والإجراءات الصارمة التي يفرضها برنيع تبعث الأمل بعدم ارتهان الموساد للسياسيين، مضيفا أن الموساد لم يعد ملتزما بنتنياهو، خاصة بكل ما يتعلق بالنووي الإيراني وكواليس العلاقات السرية مع دول عربية.

وأوضح أن معالجة هذه الملفات في حكومة بينيت ستأخذ الطابع المؤسساتي الرسمي، لافتا إلى أن برنيع "يتعمد الهدوء والسرية والتكتم، ويبدو أنه متناغم مع سياسة الحكومة الحالية ويعمل بالتوافق معها، ويجري مشاورات مع مختلف الأجهزة الأمنية والحكومية بشأن التحديات المستقبلية والنووي الإيراني بدون استعراض للقوة عبر وسائل الإعلام".

Israel's new head of the Mossad intelligence agency Yossi Cohen attends the weekly cabinet meeting in Jerusalem January 10, 2016. REUTERS/Gali Tibbon/Pool
رئيس الموساد السابق يوسي كوهين لعب دورا كبيرا في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين (رويترز)

منافع شخصية

واستبق محلل الشؤون الأمنية والاستخباراتية في صحيفة "هآرتس"، يوسي ميلمان، الكشف عن تفاصيل الفضيحة الغرامية لكوهين، وقال إن رحيله عن الموساد لا ينبع من فشل عملياتي أو استخباراتي؛ بل لأن الجهاز الذي يضم 7 آلاف موظف ومستخدم سئم سلوك ونهج كوهين.

وأوضح أن كوهين دأب على توظيف جهاز الاستخبارات من أجل تعظيم شخصيته، والتقرب من وسائل الإعلام، وتوطيد علاقاته بأقطاب رؤوس الأموال الإسرائيلية والأجنبية، والولاء والخدمة المخلصة لنتنياهو، مع تقدير البعض أن خطط وعمليات كوهين بالموساد أُنجزت لاعتبارات سياسية، وأنه سيكون وريث نتنياهو برئاسة الليكود ومرشحه لرئاسة الحكومة مستقبلا.

وكوهين -الذي كان رئيسا لهيئة العمليات بالموساد عام 2006- كُلف بمتابعة الملف النووي الإيراني، وشغل أيضا منصب نائب رئيس الموساد عام 2013، حيث جذب اهتمام رئيس الوزراء نتنياهو وعقيلته ساره. وعليه، عينه لمنصب رئيس مجلس الأمن القومي بمكتب رئيس الحكومة.

وعن كواليس تفرد نتنياهو بقرار تعيين كوهين رئيسا للموساد، يقول ميلمان "اعتقد رئيس الموساد -في حينه تمير باردو- أن كوهين الذي كان رئيسا لمجلس الأمن القومي في مكتب نتنياهو لا يستحق رئاسة الموساد، لكنه أدرج اسمه في قائمة المرشحين الثلاثة التي قدمها، لكن نتنياهو لم يطلب رأيه".

اتُهم يوسي كوهين (يمين) بالولاء لنتنياهو أكثر من الولاء لإسرائيل (الفرنسية)

الولاء لنتنياهو

رغم قربه من رئيس الوزراء، فإن كوهين عاش فترة عصيبة قبل تعيينه رئيسا للموساد، وكان يعتقد أن الوظيفة موجودة في جيبه بالفعل، لكن نتنياهو -يقول ميلمان- "تردد وتباطأ"، وبعد ذلك، بدأ كوهين بالبحث عن بدائل وتفاوض على إنشاء شركة سايبر مع اثنين من رجال الأعمال، أرنون ميلتشين وجيمس باكر، وهما صديقان لنتنياهو أيضا، "إذ عرض باكر مكافأة كوهين بـ10 ملايين دولار لإقامة الشركة".

وعقب هذا الضغط غير المباشر من أجل دعم كوهين في رئاسة الموساد، أجرى نتنياهو -حسب محلل الشؤون الأمنية والاستخباراتية- "مقابلات مع المرشحين، وحاول معرفة إذا ما كانوا مخلصين له شخصيا. فأجاب الملقب (ن) ورام بن باراك أنهما سيكونان مخلصين للدولة. بعد ذلك، أعلن رئيس الوزراء على الهواء مباشرة أنه عيّن كوهين".

وتناغمت سياسات كوهين ونتنياهو إذ تمحورت حول الملف النووي الإيراني، وتعزيز العلاقات السرية مع أنظمة عربية وإسلامية.

ورغم "الإنجازات" التي حققها الموساد بالنسبة لإسرائيل في عهد كوهين، خاصة الملف النووي الإيراني، والتقرب من أنظمة عربية، فإن كوهين -وفقا لمحلل الشؤون الأمنية والاستخباراتية- "كان يدين بالولاء لنتنياهو أكثر من ولائه للدولة".

المصدر : الجزيرة