بعد 8 سنوات على "ثورة الحرية والكرامة".. ما الذي جنته أوكرانيا؟

يعبر محلل أوكراني عن خشيته من التحول الألماني الفرنسي نحو إعادة تطبيع العلاقات مع روسيا، مقابل ما وصفه بالتجاهل الأميركي للشأن الأوكراني خلال حقبة ترامب.

من احتجاجات الميدان في كييف 2014 -
من احتجاجات الميدان في العاصمة الأوكرانية كييف عام 2014 (الجزيرة)

كييف- بفعاليات عدة يحيي الأوكرانيون الذكرى الثامنة "لثورة الحرية والكرامة"، أو احتجاجات "يورو ميدان" كما كانت تسمى بادئ الأمر، نسبة إلى ميدان الاستقلال (وسط العاصمة كييف)، التي اشتعلت في يناير/كانون الثاني 2013، واستمرت حتى أواسط 2014.

وجاءت الاحتجاجات آنذاك، ردا على امتناع الرئيس السابق الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عن توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، وأدت لاحقا إلى الإطاحة به، وإلى دخول البلاد منعطفا جذريا لا تزال تداعياته حاضرة حتى اليوم.

ويتزامن إحياء الذكرى الثامنة "للثورة" مع قرع طبول الحرب، وسط تحذيرات أوكرانية وغربية من حشود عسكرية روسية كبيرة على حدود أوكرانيا.

وتستدعي هذه التطورات كثيرا من التساؤلات بشأن ما حققته أوكرانيا بعد "الثورة"، أو ما جنته على نفسها ببعض التداعيات.

من احتجاجات الميدان في كييف 2014 -
احتجاجات ما سميت "ثورة الحرية والكرامة" في أوكرانيا استطاعت الإطاحة بالنظام الموالي لروسيا (الجزيرة)

تقارب مع الغرب

كانت روح التقارب مع الاتحاد الأوروبي -والغرب عموما- ورغبة الانعتاق من التبعية للعالم الروسي تحديدا من أبرز أهداف احتجاجات الأوكرانيين. واليوم ينقسمون حول واقعهم بآراء عدة.

يقول الناشط السابق في الميدان أوليكساندر بالي -وهو أيضا مؤلف كتاب "تاريخ أوكرانيا الحديث"- إن "طريق التقارب مع الغرب لم ينتهِ، وفيه حققنا الكثير؛ فأبواب أوروبا مفتوحة اليوم أمام الأوكرانيين من دون تأشيرات، والاتحاد الأوروبي بات الشريك الاقتصادي الأول بالنسبة لنا (بعد إغلاق أسواق روسيا)".

وفي رأي بالي -في حديث للجزيرة نت- فإن أوكرانيا باتت تتمتع بعلاقات تعاون واسعة وجدية مع دول الاتحاد ومع حلف الناتو والولايات المتحدة، "نلمسها من خلال مواقف التأييد والدعم بأشكالها المختلفة".

ويرى بالي أن طريق العضوية نحو الاتحاد الأوروبي "صعب" لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، "ولأن البلاد لم تحقق بعد جميع المعايير المطلوبة بالدرجة الثانية، لكنها (العضوية) مسألة وقت، مهما طالت"، على حد قوله.

ورطة للغرب

وفي المقابل، يرى آخرون أن أوكرانيا بالنسبة للغرب كانت "ورطة" -إن صح التعبير- وأنه لم يدرك حجم وأمد المخططات الروسية فيها.

وفي هذا يقول مدير مركز التحليل السياسي إيهور كوهوت "ظن الغرب أن العقوبات ستعيد الدب الروسي سريعا إلى جحره، ولم يدرك أن خطط موسكو تجاوزت المألوف في أوكرانيا، ثم في سوريا، ثم في غيرهما".

ويتابع كوهوت للجزيرة نت "أُعطينا قشورا أوروبية لكبح جماح آمال العضوية، ودُفعنا نحو تطبيق معايير لسنا مستعدين لها، فصارت حياتنا أصعب، في بلد يشهد حربا واحتلالا وتوترا مستمرا".

وحسب مدير مركز التحليل السياسي، وبعيدا عن التصريحات السياسية، "أدار الغرب ظهره لنا عمليا، بعد سنوات قليلة من العدوان الروسي، بحثا عن مصالحه؛ ما عدا بعض الدول الإقليمية التي تخشى "التمدد الروسي".

ويشير كوهوت إلى التحول الألماني الفرنسي نحو إعادة تطبيع العلاقات مع روسيا، مقابل ما وصفه بالتجاهل الأميركي شبه التام للشأن الأوكراني خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب. "والحديث يدور اليوم عن حتمية تخلي واشنطن عن أوكرانيا، كما فعلت مؤخرا مع حلفائها في أفغانستان".

سفن تابعة لحلف الناتو تجري مناورات عسكرية مع القوات الأوكرانية في البحر الأسود في مارس/آذار 2021 (وكالات)

رأي الشارع

وكانت أوكرانيا أقرت في فبراير/شباط 2019 تعديلات دستورية تؤكد التمسك "بسياسة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي"، رغم اختلاف الآراء حيال ذلك في الشارع الأوكراني.

وحسب استطلاع للرأي أجراه مؤخرا "المعهد الجمهوري الدولي" في كييف؛ تبين أن نسبة 54% من الأوكرانيين يدعمون سعي بلادهم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في حين أن هذه النسبة تجاوزت 60% في 2014.

واليوم تريد نسبة 48% عضوية البلاد في حلف "الناتو" (NATO)، لكن هذه النسبة تجاوزت 70% في 2014.

ندم أم خيبة أمل؟

وفي ظل احتلال القرم، والحرب في إقليم دونباس، وما خلفه ذلك من نزوح وأزمات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، يُطرح سؤال: هل ندم الأوكرانيون على ثورتهم؟

يقول الكاتب والناشط أوليكساندر بالي "قد يندم كثيرون على ذلك الموقف الذي جمعهم قبل 8 سنوات؛ لكن ما حدث أكد لهم ولآخرين أن روسيا عدوة لا شقيقة، وأن علينا النضال لنيل استقلال حقيقي ينهي التبعية لها، ويحفظ لنا حريتنا وكرامتنا، وهكذا سميت ثورتنا".

في حين يقول إيهور كوهوت "لا أعتقد أن الأوكرانيين نادمون أو سيندمون، ولكن الأكيد أنهم سيصابون بخيبة أمل كبيرة إذا تخلى الغرب عنهم، وتُركوا وحيدين في مواجهة أزمات، من الواضح أن روسيا تخلقها وتملك معظم مفاتيح حلها".

نحو 600 - 700 شخصا شاركوا بأكبر تظاهرة ضد الأسد في أوكرانيا منذ بداية الثورة السورية
مظاهرة ضد النظام السوري في أوكرانيا مع بداية الثورة السورية (الجزيرة)

أوكرانيا وثورات العرب

وفي سياق آخر، يتساءل البعض حول التشابه والاختلاف بين ثورة أوكرانيا وثورات الربيع العربي التي قد تشترك في أن أهدافها لم تتحقق بعد.

يقول الإعلامي محمد زاوي إن هذه الثورات تتشابه في حقيقة أنها قامت من أجل تعزيز الحريات وتحسين ظروف الحياة، وكانت ضد الأنظمة الفاسدة، وقوبلت بمحاولات تشويه الثوار العرب والأوكرانيين بوسمهم بصفات الإرهاب والفاشية؛ "لكني أعتقد أنها تختلف جذريا في جوانب أخرى".

ويذكر زاوي للجزيرة نت أنه في 2014 لم يقمع النظام الأوكراني شعبه كما فعلت أنظمة عربية، ولم تشهد أوكرانيا مجازر وانقلابات على إرادة شعبها، مهما اشتدت حدة التوتر السياسي بين مكوناتها، ولم يتآمر الخارج والداخل على الأوكرانيين لإفشالهم، بذلك الحجم الذي شهدته دول عربية، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة