خط ساخن مع الخرطوم.. واشنطن تلقي بثقلها في الأزمة السودانية

لم تكتف واشنطن بإيفاد مبعوثيها إلى موقع الحدث، بل أيضا -تزامنا مع وصول المبعوث إلى السودان- أطلق السيناتور الأميركي بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي تغريدة أكد فيها وقوف بلاده بقوة مع تطلعات الشعب السوداني في الانتقال إلى نظام ديمقراطي.

مباحثات المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان Jeffrey Feltman بالعاصمة السودانية الخرطوم
عبد الله حمدوك (يمين) أثناء استقباله جيفري فيلتمان والوفد المرافق له (الجزيرة)

الخرطوم – حركة ماكوكية أميركية نشطة تصاعدت مع استفحال الأزمة السياسية في السودان، فقبل أن يغادر نائب المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي العاصمة الخرطوم بساعات -والتي وصلها مع بدايات تصاعد الأزمة- حطت طائرة المبعوث الأميركي جيفري فيلتمان في مطار الخرطوم الدولي ليباشرا معا مباحثاتهما مع كل الأطراف للبحث عن آفاق لحل الأزمة الراهنة.

ولم تكتف واشنطن بإيفاد مبعوثيها إلى موقع الحدث، بل أيضا -تزامنا مع وصول المبعوث إلى السودان- أطلق السيناتور الأميركي بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي تغريدة أكد فيها وقوف بلاده بقوة مع تطلعات الشعب السوداني في الانتقال إلى نظام ديمقراطي بقيادة مدنية، وطالب السلطات العسكرية بضبط النفس، وختم التغريدة بأن أي انقلاب ستكون عواقبه وخيمة.

ومنذ وصوله، دخل فيلتمان في اجتماع بالقصر الرئاسي ضم كلا من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك. وهو الاجتماع الذي شدد فيه فيلتمان على دعم الولايات المتحدة الأميركية لانتقال ديمقراطي مدني وفقا لرغبات الشعب السوداني المعلنة، وحث فيه جميع الأطراف على تجديد الالتزام بالعمل معا لتنفيذ الإعلان الدستوري واتفاقية جوبا للسلام، بحسب منشور صادر عن السفارة الأميركية بالخرطوم.

الاهتمام الأميركي يقابله ترقب واسع في السودان لما يمكن أن يسفر عنه من حلول للأزمة الراهنة. يقول محمد ناجي الأصم القيادي في قوى "الحرية والتغيير، المجلس المركزي"- في حديثه للجزيرة نت "ليست هناك صيغة محددة طرحها الأميركيون، ونحن بصدد الاجتماع مساء اليوم"، ويمضي الأصم مؤكدا أن موقف "الحرية والتغيير" هو تحصين الانتقال، وأنهم لا يعترضون على أي صيغة تعرضها واشنطن لحل الأزمة السياسية الراهنة تضمن تحقيق مصالح الشعب السوداني وتحقيق تطلعاته في الحرية والديمقراطية. وأضاف "لكننا نعول أكثر على الشعب السوداني في الضغط على تحقيق كل أهداف الثورة، وهو قد خرج في 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري وقال كلمته بوضوح في الديمقراطية ومدنية الدولة".

والتقى المبعوث الأميركي بقائدي حركتي "العدل والمساواة" جبريل إبراهيم و"تحرير السودان" مني أركو مناوي، وقال الأستاذ حسن فضل المولى -القيادي في حركة العدل والمساواة- إن اللقاء تناول كافة جوانب الأزمة، مشيرا إلى أن الأميركيين لم يطرحوا خارطة طريق للحل ولكنهم أكدوا على أهمية الانتقال الديمقراطي في السودان، وأكدت الحركة من جانبها على توسيع قاعدة المشاركة في الحكومة.
وبشأن مطالبهم بحل الحكومة اعتبر أن هذا المطلب واحد من آليات حل الأزمة حسب رؤيتهم، ولكنهم منفتحون على أي حلول متوافق عليها تؤدي إلى حل الأزمة.

كما اجتمع المبعوث الأميركي بوزير شؤون الرئاسة خالد عمر وياسر عرمان. وبحسب عمر فإن اللقاء أكد على أهمية التزام جميع مكونات الفترة الانتقالية بنصوص الوثيقة الدستورية واتفاقية سلام جوبا ومواصلة الترتيبات الأمنية.

ويؤكد الدكتور خالد التجاني -الكاتب والمحلل السياسي- على أهمية الدور الخارجي في حل الأزمة الراهنة، لانسداد الأفق بين المكونات في الداخل، ولما لعبه الخارج من أدوار رئيسية في التأسيس للفترة الانتقالية منذ بدايتها، مشيرا إلى دور الاتحاد الأفريقي ودول الإقليم والترويكا في التوصل إلى التسوية السياسية التي خرجت بصيغة الشراكة بين المدنيين والعسكريين. ويرى التجاني أن الحضور الأميركي في الشأن السوداني له دوافعه انطلاقا من اهتمام واشنطن باستقرار المنطقة ومحاربة الإرهاب، وأضاف "لذلك دفعت بإشراك المكون العسكري في مؤسسات الحكم الانتقالي لضمان الاستقرار".

وقال التجاني -في حديثة للجزيرة نت- إن زيارة المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي فيلتمان تأتي بعد استفحال الأزمة بين مكونات السلطة الانتقالية في إطار السعي لإعادة ضبط المعادلة. وأشار إلى أن واشنطن تمتلك العديد من كروت الضغط التي يمكنها استخدامها في ذلك. وقال إن الخطوات الأميركية بدأت قبل وصول المبعوث باقتراح "خلية الأزمة" عن طريق مجموعة الترويكا، والتي أعلنها مجلس الوزراء في اجتماعه قبل أيام والتي تضم أعضاء من كل الأطراف المعنية.

لكن قوى "الحرية والتغيير- المجلس المركزي" لها رأي آخر، إذ يؤكد الأصم للجزيرة نت أن موقفهم ثابت تجاه "خلية الأزمة"، وقال إن خطابهم الأخير إلى حمدوك حدد أن الأزمة القائمة بين طرفين تشملهم وتشمل المكون العسكري في مجلس السيادة. وأوضح بأن جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي منشقَين عن الحرية والتغيير لأسباب تنظيمية، وأبدى استعداد المجلس المركزي للجلوس معهما لمناقشة القضايا التي تخصهما والوصول إلى حلول.

محمد ناجي الأصم القيادي بتجمع المهنيين السودانيين
محمد ناجي الأصم: الوثيقة الدستورية لا تحتوي على نص يسمح بحل المجلس السيادي (سونا)

الحل في الحل

إن عدم إعلان صيغة أميركية واضحة المعالم يجعل من تسريبات حل مجلسي السيادة والوزراء مخرجا من عنق الأزمة القائمة. وكان رئيس حركة تحرير السودان قال في تصريحات صحفية إن رئيسي مجلس السيادة والوزراء توافقا على حل المجلسين لكنهما اختلفا في الإجراءات، وهوما نفاه عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد سليمان الفكي للجزيرة، قائلا إن الأمر غير ممكن بالطرق السياسية العادية أو بالوثيقة الدستورية.

ويؤكد محمد الأصم ما ذهب إليه رئيس حركة تحرير السودان في حديثه مع الجزيرة نت، بأن الوثيقة الدستورية لا تحتوي على نص يسمح بحل المجلس السيادي، وأن هناك آليات لحل الحكومة التنفيذية. وأكد الأصم أن قرار حل الحكومة ليس في يد أي جهة سوى "الحرية والتغيير" متى ما استدعى الأمر، مشيرا إلى حل الحكومة في وقت سابق وإلى إعفاء وزراء. واتهم الأصم الأطراف التي تنادي بحل الحكومة بالهروب من القضايا الرئيسية التي حددها في الالتزام بالوثيقة الدستورية وتشكيل المفوضيات والمجلس التشريعي وهيكلة القوات المسلحة والأجهزة النظامية.

لكن خالد التجاني يرى أن مسألة الحكومة -بغض النظر عن الدور الأميركي- مسألة وقت "خاصة مع الشلل الذي يخيم على أدائها جراء حالة الانقسام التي تعيشها". وقال التجاني للجزيرة نت إن الحرية والتغيير تقدمت خطوات بإعلانها عن توسعة قاعدة المشاركة، وهو ما يتفق مع رؤية عسكر السيادة. مشيرا إلى أن نقطة الخلاف أصبحت حول من يحق له المشاركة وليس في المبدأ نفسه. واعتبر تشكيل خلية الأزمة -بالصيغة التي طرحها حمدوك- اعترافا رسميا بعدم تمثيل مجموعة المجلس المركزي لكل قوى الحرية والتغيير.

وإلى أن يغادر المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي السودان؛ ستظل ملامح الأزمة تلقي بظلالها على مجمل المشهد، وستأخذ معالجتها إذا اتفقت الأطراف من أجل درء آثارها. فلا يزال شرق البلاد مغلقا وتداعياته موجودة على الاقتصاد وحركة التجارة، ووسط الخرطوم يعج بالاضطرابات ويعيق حركة المواطنين في مدنها الثلاث المتأثرين بغلاء الأسعار والاضطرابات الأمنية.

المصدر : الجزيرة