الجزيرة نت تصحبه في جولة بالقدس.. ستيني يجوب فلسطين مستكشفا
رغم تقاعده من التدريس قبل 8 سنوات، لم يتقاعد الستيني محمد شنَاوي"أبو مؤنس" -من بلدة كفر مندا قضاء الناصرة شمالي فلسطين- عن التجوال والاستكشاف، فجاب فلسطين حتى حفظ معالمها وقراها وطبيعتها، ووثقها بعدسة هاتفه المحمول، فطغت على سنواته الـ68 روح شابة لا تمّل أو تكل من الترحال صيفا وشتاء.
"ما شاء الله، ما شاء الله".. تلك هي الافتتاحية الرسمية لكل المقاطع المرئية التي يلتقطها أبو مؤنس الذي استأنس بالتجوال وشارك أُنسه مع من حوله، فيصحب زوجته سهام في معظم جولاته، وفي أحيان أخرى يصحب أصدقاءه أو أبناءه وأحفاده.
توثيق على مواقع التواصل
وعدا عن الصحبة الميدانية، يحرص أبو مؤنس على الصحبة الافتراضية في حسابه الشخصي على موقع فيسبوك، ويشارك متابعيه صور الأماكن التي يزورها، مرفقا ذلك بتعليق صوتي ضمن المقطع المرئي، أو تعليق مكتوب مصاحب للصور، فتنهال بعدها التساؤلات من قبيل "كيف نصل إلى الموقع"، أو "اصحبنا معك في المرة القادمة".
رافقنا شناوي في إحدى جولاته داخل مدينة القدس التي يزورها أسبوعيا قاطعا مسافة 340 كيلومترا ذهابا وإيابا، حيث يقصدها في الصباح الباكر للتعرف على معالم جديدة فيها، حتى يؤذن للظهر فيجمعه جمع تقديم مع صلاة العصر في المسجد الأقصى ثم يعود إلى دياره.
بخطى بطيئة متزنة، يمشي شناوي ويتفحص متأملا كل ما حوله، يتحسس الأحجار بشغف تارة، أو يلاطف الأطفال ويسعدهم بالحلوى والمال تارة أخرى. يقول للجزيرة نت "بتجوالي لا أهتم بزيادة رصيدي التعليمي فقط، بل أصنع صداقات لي في كل مكان، وأدعوهم لزيارة بلدتي".
تجذبني القدس
يشتري من بائع الجرائد بجانب المدرسة الرشيدية فيتبادل معه أطراف الحديث، ويشتهي حبات كرز فيشتريها من بائع الخضار قرب باب الساهرة بعد أن يتعرف إليه، ويؤكد على حرصه الشراء من التجار المقدسيين لدعمهم.
ينزل كمامته قليلا، ويرتشف ماء ويكمل "رغم كثرة ترحالي وجولاتي، إلا أن للقدس ميزة خاصة، وعلى الرغم من التشديدات على زائريها إلا أنني أجد فيها الأمان والسكينة، زرت فيها كل الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية حتى حفظتها مثل بلدتي كفر مندا".
يسافر شناوي بمركبته الخاصة البسيطة، ولا يتكبد عناء في القيادة لمسافات طويلة، فقد حصل على رخصة السياقة منذ 48 عاما واعتاد عليها، كما يؤمّن أجرة حافلات على نفقته الخاصة لمن يرغب من بلدته بزيارة القدس والمسجد الأقصى؛ لطول المسافة وكلفة الثمن.
استمتاع بالطبيعة
لا يهدأ هاتف شناوي في العطل والأعياد من مكالمات أصدقائه وأقربائه الذين يقصدونه للاستشارة حول أفضل الأماكن وأفردها، كما ينظم هو أحيانا جولات بأعداد صغيرة إلى المناطق التي زارها وتعلم تاريخها.
لم تخفض جائحة كورونا من شغف تجوال شناوي، فيحاول أن ينطلق إلى السهول والوديان ومجامع الماء، متجنبا مناطق الزحام ومستمتعا بالطبيعية التي يحبها. يقول "أتجول 4 أيام أسبوعيا في مناطق مختلفة، وعندما أمّل ولا أستطيع الخروج لسبب ما، أذهب إلى السهل قرب بيتي، حتى إن أحفادي يشتاقون لوجودي بينهم".
أغلب جولاته كرسها لزيارة القرى المهجرة التي احتلها الاحتلال عام 1948، فقد زار قرية أم خالد التي تحول اسمها إلى "نتانيا"، وأحياء يافا المهجرة وحولت إلى "تل أبيب"، وأم الرشراش التي أصبحت "إيلات"؛ وأكثر المدن حصة من زياراته كانت عكا لقربها من بيته، كما زار قرى ومدن الضفة الغربية في بيت لحم والخليل ونابلس وجنين، متابعا المعارض الغذائية والفنية فيها.
قبل أن يحدد شناوي وجهته، يقرأ عن تاريخها مما توفر على شبكة الإنترنت، وإن كانت قرية مهجرة يبحث عمّن سكنها قبل النكبة، ويصحبه معه ليروي له حكايتها على أرض الواقع. وعن ذلك يقول "صحبت معي إلى قرية صفورية قضاء الناصرة أحد سكانها فدلني على بيته ومقبرة القرية، ذهبت أيضا إلى قرية ناجي العلي الشجرة وقرية حطين".
رغم التعب
لا ينكر الرحال الستينيّ أنه أصيب بالتعب بعد الجولات المُجهدة، لكنه لا يتوب عن هواية روّحت عن نفسه وأثرَت عقله ونشّطت جسده. ويذكر أنه نام يومين من التعب بعد مسار مائي بطول كيلومترين في وادي الزيب شمالي فلسطين، لكنه يرغب كثيرا في تكرار التجربة مرة أخرى.
يتقاضى شناوي راتب التقاعد الذي يعينه على تسيير أمور حياته وتأمين وقود سيارته ولوازم جولاته، وبموازاة كل هذه المناقب التي تحفه في ترحاله، فإنه حين سألناه عن أبرز الصعوبات قال مازحا "عندما تنفد بطارية هاتفي وأنا في أوج الرحلة والمناظر الغنية، كأني فقدت شخصا عزيزا".