كورونا وعرب إيطاليا.. هل بدأ موسم العودة إلى الجنوب؟

صورة من الحياة العامة في مدينة تورينو في ظل انتشار فايروس كورونا
في أحد أسواق بيع الخضار في تورينو (الجزيرة)

عبد المجيد الفرجي-ميلانو

مرت سبع سنوات منذ غادر محمد أيمن بن محمد (29 عاما) موطنه تونس نحو الشمال الإيطالي لتحسين ظروف عيشه، ولم يخطر له على بال أن تنقلب الآية ويعود أدراجه يوما ما مضطرا.

يقول الشاب معلقا على تفشي فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) في شمال إيطاليا إن "الحياة هنا كابوس صحي واقتصادي.. هنا معقل الفيروس الملعون الذي أودى بحياة عشرات الإيطاليين، وهنا أيضا انطلق موسم الهجرة نحو الجنوب".

هناك في مدينة تورينو عاصمة جهة بييمونتي المنكوبة بالفيروس، استقر محمد أيمن ابن العاصمة تونس. سوًّى الشاب الثلاثيني وضعيته القانونية وانطلق يحقق أحلامه.. انخرط في الحياة الاجتماعية في مدينة "التورو" (الثور بالإيطالية) المشهورة بسوقها الشعبي "بورتا بالاتسو" معقل المغاربيين، حيث أضحى أيمن أحد التجار البارزين في بيع الفواكه والخضروات.

الفيروس الكابوس
يوزع محمد أيمن الابتسامات يوميا بين زبنائه بنشاط وهمة دائمين، لكن منذ إعلان حالة الطوارئ في شمال البلاد أضحى مقتصدا في حيويته، كحال اقتصاد البلد شبه المجمد، بعدما ألزمت حكومة جوزيبي كونتي سكان إيطاليا بالبقاء في منازلهم، وإيقاف كل الأنشطة في الشارع وإغلاق المحلات التجارية باستثناء الغذائية والصيدلانية، أو العمل عند الضرورة ثم لأمر استثنائي، وكل هذه استثناءات بتعهد شخصي، مما يبطئ الحركة ومعها التجارة.

‪محمد أيمن: لم أصمد أمام نداءات زوجتي‬  (الجزيرة)
‪محمد أيمن: لم أصمد أمام نداءات زوجتي‬  (الجزيرة)

متجر محمد أيمن الذي كان يعج بالمئات من الزبائن يوميا والآلاف في نهاية الأسبوع، لا يعمره اليوم حتى نصف باعته، حيث كسدت التجارة، وأضحى كثير من العاملين في "بورتا بالاتسو" يخشون انتقال العدوى، بحكم التقائهم ببعض الزبائن وإن كانوا قلة.

قرر ابن تونس العاصمة العودة إلى أرضه الأم مع بداية الحجر الصحي وقبل إيقاف الرحلات الجوية والبحرية، سواء التونسية أو الإيطالية.

يقول محمد أيمن للجزيرة نت بنبرة حزينة "فسدت تجارتي بسبب الحجر الصحي، ولم أصمد كذلك أمام النداءات المتكررة لزوجتي المقيمة بتونس والتي خافت أن يصيبني الفيروس، فلبيت نداء القلب".

من جانبه، أصبح محمد حسكر -وهو مغربي يبيع الملابس متجولا في نفس السوق الذي هجره محمد أمين- مضطرا للتوقف عن البيع نهائيا، لأن المرسوم الحكومي الصادر يوم 9 مارس/آذار الجاري، يمنع صنف تجارته.

بات محمد (34 عاما) يبحث الآن بشكل مستمر عن سبيل للرجوع إلى بلده الأصل، لكنه لم يتوفق إلى حدود كتابة هذه الأسطر. يقول بحزن "يبدو أن السفر إلى المغرب أصبح مستحيلا بعدما منعت الحكومة المغربية كل الرحلات القادمة إليها من كل بقاع العالم".

تداعيات وإجراءات
وتحتل الجالية المغربية المرتبة الأولى عربيا من حيث التحويلات المالية من إيطاليا نحو البلد الأصل بأكثر من 277 مليون يورو، متبوعا بالجالية التونسية بأكثر من 51 مليون يورو، حسب التقرير السنوي لوزارة العمل الإيطالية عام 2018.

‪سباعي: أزمة العمل جراء كورونا‬ (الجزيرة)
‪سباعي: أزمة العمل جراء كورونا‬ (الجزيرة)

وحسب الباحث السوسيولوجي المغربي بجامعة بادوفا الإيطالية يوسف السباعي، فإن هذه الأرقام قد تتراجع مع تداعيات أزمة كورونا، حيث إن أزمة العمل قد تمس كثيرا من القطاعات، وخاصة قطاع الصناعة التحويلية.

وفي إيطاليا، هناك كثير من المغاربيين كفئة بارزة من المهاجرين الذين يعملون في الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة أو غير القانونية المرتبطة بالسوق السوداء.

وفي هذا السياق، يقول الخبير في شؤون المهاجرين بمنظمة الهجرة الدولية فرانشيسكو فكيانو "هم غير محميين قانونيا للأسف، ولا يستفيدون من الإجراءات الحكومية التي اتخذتها لتعويض المواطنين المتوقفين عن العمل بسبب الحجر الصحي".

وعن تداعيات الحجر الصحي على نوعية المهاجرين السالف ذكرهم، يضيف فكيانو -وهو أيضا أستاذ جامعي في علم النفس والأنثروبولوجيا بجامعة البندقية- في حديثه للجزيرة نت أن "التأثير سيكون بشكل كبير على الحياة الخاصة والعائلية، نفسيا وثقافيا لهؤلاء المهاجرين".

تضامن اجتماعي
ويعد التضامن الاجتماعي وقت الأزمات خيارا أوليا للحد من الصدمات الاقتصادية، خصوصا بين المغتربين.

‪لاتوري: قد يكون قرار العودة أحسن للمهاجرين إلى أن تتعافى إيطاليا‬ (الجزيرة)
‪لاتوري: قد يكون قرار العودة أحسن للمهاجرين إلى أن تتعافى إيطاليا‬ (الجزيرة)

وفي هذا الخصوص، يقول وليد فن رئيس جمعية الطلبة التونسيين في إيطاليا (450 طالبا) بروح حماسية وفخر متحدثا عن رجال أعمال تونسيين مدوا يد العون لمنظمته الأهلية في حجز تذاكر سفر بحرا نحو تونس، لسبعة طلبة قرروا العودة بعد إغلاق الجامعة، وفقدانهم فرص عملهم العرضية بميناء جنوى بسبب الحجر الصحي.

ويؤكد القنصل العام لتونس في ميلانو نصر بن سلطانة في تصريح للجزيرة نت أن "الدولة التونسية ستؤمّن عودة كل تونسي عالق في أي مطار بإيطاليا"، موضحا أن دائرته التي تغطيها القنصلية "تقدم المساعدة الاجتماعية، وليس بها أي مواطن تونسي عالق في المطار".

ويبدو أن أياما صعبة قد يواجهها المهاجرون، حسب أغلب من تحدثت إليهم الجزيرة نت من المهاجرين والباحثين في شؤون الهجرة.

وتشير الباحثة في الدراسات الإثنوغرافية والهجرة بجامعة تورينو سيلفيا لاتوري إلى أن "المهاجرين المغاربيين ممن قرروا الرجوع إلى بلدانهم الأصلية، لكل واحد منهم قصته الإنسانية الخاصة، وربما قد يكون قرار العودة أحسن لهم إلى أن تتعافى إيطاليا ثم يعودون مجددا".

المصدر : الجزيرة